بقلم فاطمة الحسينو
في عالم يفيض بالأزمات والصراعات، تبرز سوريا كنموذج صارخ لتعقيدات الساحة الدولية وتحولاتها العميقة. فمع تراجع نظام القطب الواحد الذي ساد لعقود، وتصاعد التوترات بين القوى العالمية الكبرى، أصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات وإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة. وسط هذا المشهد المضطرب، يسعى مجلس سوريا الديمقراطية جاهداً لإيجاد مسار للحوار والحل السلمي، متخذاً من الحوار الشامل سبيلاً للخروج من دوامة الصراع المستمرة منذ أكثر من عقد.
لقد انعكس محاولات التحول في النظام العالمي من أحادية القطب إلى تعددية القوى بشكل مباشر على منطقة الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً. فقد أصبحت المنطقة مسرحاً لتنفيذ سيناريوهات متعددة، بعضها تم تطبيقه وأخرى لا تزال قيد التنفيذ. وفي خضم هذا الواقع المعقد، وجدت سوريا نفسها في قلب عاصفة سياسية وإنسانية امتدت لأكثر من عقد، مخلفة وراءها شروخاً اجتماعية واقتصادية عميقة، وحالة من عدم الاستقرار ألقت بظلالها على المشهد السوري برمته.
مع مرور أربعة عشر عاماً على اندلاع الأزمة السورية، بات من الضروري البحث عن مخرج من حالة الدمار الشامل التي عمت البلاد. وقد أدى هذا الواقع المرير إلى ظهور تحالفات سياسية ومذهبية متباينة، عمقت حالة التشرذم والانقسام الجغرافي والسياسي. وفي ظل هذه الظروف، برز الحوار كوسيلة أساسية لردم الهوة وتقليص الفجوات بين مختلف الأطراف السورية، وكان لمجلس سوريا الديمقراطية دور بارز في هذا المسار.
اقرأ/ي أيضاً: الحرب الخاصة على الإدارة الذاتية؛ الظاهرة وسبل التصدي
منذ تأسيسه، تبنى مجلس سوريا الديمقراطية نهج الحوار كركيزة أساسية في مشروعه السياسي. فقد عمل المجلس بدأب على تنظيم لقاءات ومؤتمرات وجلسات حوارية تهدف إلى توحيد الرؤى وإزالة العقبات. ومن أبرز هذه المبادرات لقاءات عين عيسى (الأول والثاني)، ولقاء كوباني، وملتقى أبناء العشائر، ولقاءات ستوكهولم. وقد ركزت هذه اللقاءات على أهمية وحدة الصف السوري والتمسك بالهوية الوطنية الجامعة، مع التأكيد على أهمية اللامركزية كوسيلة للتنسيق وإعادة توحيد الصف السوري.
لم يقتصر دور المجلس على تنظيم اللقاءات فحسب، بل امتد ليشمل الاستجابة للمبادرات الأخرى والتفاعل معها بإيجابية. فقد رحب المجلس بوثيقة المناطق الثلاث التي أُطلقت في آذار 2023، وكذلك بوثيقة تجمع أبناء الساحل في نيسان من العام نفسه. واعتبر المجلس هذه المبادرات خطوات إيجابية نحو توحيد الجهود السورية وإيجاد أرضية مشتركة للحوار البناء.
ومن الجدير بالذكر أن مجلس سوريا الديمقراطية قد أولى اهتماماً خاصاً بدور المرأة في عملية الحوار والسلام. فقد نظم المجلس عدداً من الندوات والملتقيات للحديث عن الشأن السوري من منظور نسوي، إيماناً منه بأن المرأة هي مبعث السلام والأمن في طرحها ومبادئها.
رغم الجهود المبذولة، يواجه مسار الحوار تحديات جمة. فهناك عوائق داخلية تتمثل في مصالح بعض المستفيدين من استمرار الأزمة، وهم من يمكن وصفهم بتجار الحرب والأزمة الذين يرغبون في بقاء الوضع على ما هو عليه. كما أن هناك أجندات خارجية قد لا ترغب في حل سريع للأزمة، إذ تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الشعب السوري. ويضاف إلى ذلك تجاهل دمشق للمبادرات المقدمة وعدم طرحها لمبادرات جادة من جانبها، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد ويعيق التقدم نحو حل شامل.
رغم هذه العقبات، يواصل مجلس سوريا الديمقراطية جهوده الحثيثة. فقد نظم لقاء حلب الوطني، الذي شكل انطلاقة جديدة لاستئناف الحوار على أسس وطنية جامعة. وتعمل اللجنة المنبثقة عن هذا اللقاء على متابعة مسار العمل الوطني ومناقشة مبادئ تم التوافق عليها، والتي يمكن اعتبارها بمثابة مبادئ فوق دستورية. وقد تم مشاركة هذه المبادئ مع عدد من المحافظات السورية بغية توسيع دائرة النقاش وإثراء الحوار الوطني.
اقرأ/ي أيضاً: خيوط المصالح والسلام
يتطلع المجلس إلى توسيع نطاق هذه الجهود، مع السعي للتواصل مع لجنة الحوار التي شكلها حزب البعث، على الرغم من الشكوك التي تحيط بجدية هذه اللجنة ومدى قدرتها على تحقيق اختراق حقيقي. وفي الوقت نفسه، يعمل المجلس على التحضير لعقد مؤتمر للقوى والشخصيات الديمقراطية في الخارج، بالتوازي مع العمل على عقد مؤتمر وطني سوري شامل في الداخل، يمثل جميع أطياف المجتمع السوري ويعبر عن تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل.
إن مسيرة الحوار التي يقودها مجلس سوريا الديمقراطية تمثل شعاع أمل وسط ظلام الأزمة السورية المستمرة. فرغم التحديات الهائلة والعقبات المتعددة، يواصل المجلس جهوده الدؤوبة نحو تحقيق حلم السوريين بوطن موحد يسوده السلام والديمقراطية. وتبقى حلب، بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي، بوصلة ومنبعاً لتوحيد السوريين.
ومع استمرار العمل على الحفاظ على مكتسبات الشعب وتعزيز الجهود نحو الحوار الشامل، يتطلع المجلس إلى مستقبل يحقق آمال السوريين في دولة ديمقراطية تعددية لامركزية، تضمن حقوق جميع مكوناتها وتحافظ على وحدة أراضيها. إن الطريق قد يكون طويلاً وشاقاً، لكن الإصرار على الحوار والسعي الدؤوب نحو التوافق الوطني هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري وبناء مستقبل يليق بتاريخ هذا البلد العريق وحضارته.
فاطمة الحسينو
مكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية- حلب