على الرغم من أن تنظيم “داعش” والجماعات المنتسبة إليه في حالة استنزافٍ مستمر ولو بوتيرة ومستويات مختلفة، في القيادة والعناصر والنكسات المالية، إلا أن ذلك لم يكن السبب في إنهائه بل بقيت عناصره محافظةً على قدرتهم فيما يخصّ شنّ هجمات إرهابية والتخطيط لتهديدٍ خارج مناطق عملياتهم. وظل خطر عودة ظهور التنظيم قائما في سوريا أو حتى العراق. وساهمت أنشطة الجماعات المنتسبة لـ “داعش” في تدهور الوضع في أجزاءٍ مختلفة من الجغرافيا السورية، لاسيما مناطق البادية والشرق السوري.
الجغرافيا السورية ساحة صراع متنامي الأطراف
لا يخفى على أحد أن سوريا أصبحت مسرحاً لحروب متداخلة بالوكالة، ومكاناً لاختبار الأسلحة، الأمر الذي ساهم في زيادة قوّة التنظيم المتطرّف في البلاد. فبعد 13 عاماً من الصراع، والظّن بأن بعض الجماعات- داعش مثالاً، قد انهزمت لكنها عادت. وفي الوقت نفسه لم يتم التعامل مع أيٍّ من الأسباب الجذرية للصراع الذي كان أحد الأسباب المباشرة في تزايد قوة التنظيم المتطرّف، ففي هذا العام وحده وقع أكثر من 70هجوماً.
تشهد سوريا تداخلاً معقداً للقوى الإقليمية والدولية، حيث تبرز قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كقوة رئيسية في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. بدعم من الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي، نجحت قسد في تحرير مناطق واسعة من شمال شرقي سوريا من قبضة التنظيم الإرهابي، وتواصل جهودها في ضرب عناصره وخلاياه النائمة.
في المقابل، تدعم روسيا وإيران السلطة في دمشق وقوّاتها وميليشياتها العسكرية سعياً وراء مصالحهما. وفي الشمال الغربي، تدعم تركيا فصائل متطرفة لتحقيق مصالحها وأجنداتها الخبيثة. أما إسرائيل، فتستهدف الميليشيات الإيرانية على الأرض السورية، بينما يركز الأردن جهوده على ملاحقة مهربي المخدرات في الجنوب.
رغم تعدد الأطراف والمصالح، تبقى جهود قسد والتحالف الدولي محورية في مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة، مما يجعلهما عنصراً أساسياً في معادلة الأمن والاستقرار في سوريا.
اقرأ/ي أيضاً: تقنين الكهرباء وسرقة السوريين بالبدائل المكلفة
إن تدخّل هذه الدول أدى إلى إطالة أمد الصراع في سوريا. فتورّط القوى الأجنبية أصبح جزءاً من المشكلة، حيث أن التدخل الخارجي لا يأتي بالحلول، بل يطيل أمد الوضع المتردي أساساً، ويخلق حالةً من الجمود، ودورة لا تنتهي من العنف. هذه التدخلات سمحت للقوى الخارجية بتصفية حساباتها على الأرض السورية بطريقة غير مباشرة، مما زاد من تعقيد الصراع وأضر بالشعب السوري.
قد يكون انسحاب هذه القوى الخارجية دافعاً للسوريين من أجل حلّ مشاكلهم بأنفسهم، وهذا ما تدعو إليه الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية في كل مناسبة أو مؤتمر أو اجتماعٍ لها. فهم يؤكدون على ضرورة إيجاد حل سوري-سوري للأزمة، بعيداً عن التدخلات الخارجية التي أثبتت فشلها في تحقيق السلام والاستقرار المنشود.
فتركيا على سبيل المثال، كانت السبب في إطالة أمد الأزمة السورية منذ انطلاقتها عام 2011، فالمعابر الحدودية مع تركيا أصبحت بوابات لتهريب البشر، السلاح، والمخدرات. هذه الأنشطة غير القانونية تُدار بطرق منظّمة، والجيش التركي وأجهزة الاستخبارات التركية متورّطة فيها وفي تسهيل عمليات التهريب هذه. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه المعابر لتسهيل حركة قيادات “داعش” والتنظيمات المتطرفة الأخرى، مما يعزز من قدرة هذه الجماعات على التخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية داخل سوريا وخارجها.
تركيا من خلال سيطرتها على هذه المنطقة تساهم بشكل ممنهج في تعزيز حالة الفوضى وعدم الاستقرار، مما يجعل الشمال السوري المُحتل منطقة خطرة تهدد الأمن والسّلم في المنطقة والعالم بأسره.
مخيمات وسجون “داعش” قنابل موقوتة
وليس ببعيدٍ عن صلب الموضوع وخطورة تنظيم “داعش” وخلاياه الإرهابية، فقد باتت مخيمات وسجون شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وبمساندة قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، وتُحتجز فيها مقاتلي “داعش” وعائلاتهم، أشبه بقنابل موقوتة قابلة للانفجار إذا ما أُتيحت لها الفرصة والظروف المناسبة لتشكّل خطراً ليس على الأمن المحلي أو الإقليمي بل على الأمن والسّلم الدوليين، وليست التهديدات التركية التي تنطلق بين فترة وأخرى باحتلال مزيدٍ من المناطق في الشمال السوري سوى بصيص أمل لقاطني هذه السجون والمخيمات في التخلص منها وبدايةٍ لانطلاقةٍ قد تكون أكثر دموية لهذا التنظيم المتطرف و عناصره الإرهابية عن ذي قبل، كما حدث عام 2014.
فالعمليات الإرهابية التي كانت تحدث في مخيمات الاحتجاز وفي جُنح الظلام نُسبت في معظمها إلى نساء “داعش” ممن كُنّ منتمين أثناء ” الخلافة المزعومة” إلى ما كانت تسمى وحدات الشرطة الدينية الخاصة بهن المعروفة باسم “الحسبة”، والخطر الكامن هو أنّه يعيش ما يُقدّر بنحو 7300 طفل في مخيم “الهول” وحده تحت وصاية أمهاتهم المنتميات للتنظيم الإرهابي، واللواتي يحرصن على تربية أولئك الأطفال على الأفكار المتطرفة والتحريض على الأعمال الإجرامية تجاه موظّفي المخيم وعمال الإغاثة المحليين والدوليين وكذلك على النساء الأخريات في المخيم اللائي يحاولن قطع علاقاتهن بـ “داعش”، ناهيك عن عمليات الفِرار التي قمنَ بها مراراً وتكراراً لكن الفشل كان النتيجة النهائية في أغلب تلك المحاولات.
التقارير الدولية في معظمها لا تخفِ خطر وجود جيشٍ من عناصر التنظيم الإرهابي في السجون والمعتقلات الموجودة في كلٍّ من سوريا والعراق، حيث يبلغ تعدادهم بحسب تقريرٍ داخلي صادرٍ من البنتاغون عام 2022، نحو 10 آلاف محتجز في سوريا و20 ألفاً في العراق، هذا عدا تلك الجهود التي لازالت مستمرة لتجنيد واستهداف المتشددين دينيّاً وكذلك اليافعين في المخيمات المنتشرة في مناطق شمال وشرق سوريا.
“داعش” وأخواتها تحت مجهر قسد والتحالف
وفي سياقٍ متّصل وليس ببعيدٍ عن ملف الإرهاب في سوريا، أكدت قوات القيادة المركزية الأمريكية يوم الجمعة 23 آب /أغسطس مقتل زعيمٍ بارزٍ في تنظيم “حراس الدين” الموائم والمطابق لتنظيمي “داعش” و “النصرة” أيديولوجيّاً، وهو أبو عبد الرحمن المكي، من خلال استهدافه بضربة دقيقة في سوريا.
وأوضحت القيادة -في بيان- أن المكي كان مسؤولا عن “الإشراف على العمليات الإرهابية” من سوريا، وأن الضربة استهدفته في أثناء قيادته دراجته النارية في ريف إدلب الجنوبي بشمال غرب سوريا.
اقرأ/ي أيضاً: أصوات لا تُخمد.. قصص من قلب احتجاجات إدلب
وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية: “تظل القيادة المركزية ملتزمة بالهزيمة الدائمة للإرهابيين ضمن منطقة مسؤولية القيادة الذين يهددون الولايات المتحدة وحلفائها.
وقُتل متزعمٌ خطير لتنظيم “داعش” الإرهابي، كان قد خطّط وشارك في الهجوم على “سجن الصّناعة” بحي “غويران” بمدينة الحسكة في يناير/ كانون الثّاني عام 2022.
مقتل المتزعّم جاء خلال عملية أمنية دقيقة ومُحكمة نفّذتها وحدات مكافحة الإرهاب (YAT) التّابعة لقوات سوريا الديمقراطية، يوم الخميس، 22 أغسطس/ آب الجاري، وبدعم ومشاركة من قوات التحالف الدولي، ببلدة “البصيرة” بريف دير الزور الشرقي، استهدفت إلقاء القبض على المتزعم والقيادي في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي المدعو “محمد أحمد الحسن” الملقب بـ”عمر الشامي”.
ونفّذت فرق العمليات العسكرية (TOL) التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، عملية أمنية خاصة ودقيقة في مدينة الحسكة، بتاريخ 14 أغسطس/ آب الجاري استهدفت تفكيك خلية خطيرة لـ”داعش” تعمل على تنفيذ أعمال إرهابية.
جرت العملية النوعية ضمن حيَّي “النَّشوة” و”غويران” في مدينة الحسكة، وتمكَّنت من إلقاء القبض على الإرهابيّ المدعو “أحمد جلال عبد الغني” الملقَّب بـ”أبي جلال”، وهو ينحدر من مدينة حلب، وكذلك على الإرهابيّ المدعو “علي مُحمَّد موسى” الملقَّب بـ”أبي الطيّب”، وهو أيضاً ينحدر من مدينة حلب، والإرهابيّ الثَّالث الذي قبض عليه هو المدعو “عمر حميد العيسى” الملقَّب بـ”أبي ليث” وينحدر من مدينة دير الزور، كما تَمَّ إلقاء القبض على المرأة التي تُدعى “نور مُحمَّد موسى” الملقَّبة بـ”أم إسلام” وهي تنحدر من مدينة حلب أيضاً، وهي مسؤولة في خليَّة لتنظيم “داعش” الإرهابيّ.
ختاماً
قضية “داعش” من القضايا المعقّدة والخطيرة، التي يجب على المجتمع الدولي الوقوف عليها وإيجاد الحلول والتعامل الجَدّي معه، ودائماً كانت الإدارة الذاتية تؤكد أنه يجب على المجتمع الدولي المساندة في التقليل من المسؤولية الملقاة على عاتقها إزاء ملف محتجزي التنظيم وعائلاته في المخيمات، إضافة إلى مشاركة دولية في إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة من تلطخّت أيديه بدماء السوريين.
لا يجب التغافل عن الوضع في سوريا عموماً ومناطق الشمال والشرق منها على وجه الخصوص، وأن التباطؤ في معالجة مشاكلها لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة وزيادة معاناة السكان، ويجب أن يكون هناك تعاون دولي جاد وسريع لإنقاذ هذه المنطقة فيما يخصّ محاربة تنظيم “داعش” وتقليص الدور السلبي للقوى الخارجية المتصارعة على الجغرافيا السورية وضمان مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للسوريين وللعالم بأسره.
وسيم اليوسف – إعلام مسد