شكّل اغتيال اسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب إيران صدمة كبيرة لما يسمى “محور المقاومة” في الشرق الأوسط، حيث سخّر هذا المحور إعلامه على مدى ثلاثمئة يوم منذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي على ترسيخ فكرة نصر جديد سيحققه أحد أذرع هذا المحور، وهذا ما يعطي حكوماته الشموليّة وميليشياته الإقصائيّة نفساً جديداً لإحياء “البربوغندا” القائمة عليها وتمكين شرعيته في المنطقة من جديد، وهاهي أيامٌ طويلة تمرّ على اغتيال اسماعيل هنيّة واغتيال شكر في جنوب لبنان، القائد العسكري في حزب الله دون أن تشهد المنطقة ردّاً عسكريّاً يحفظ ماء وجه هذا المحور وينتشله من أزمته التي ربما ستلاحقه طويلاً.
السلطة في دمشق تعجز عن المؤازرة … وتخرج علنيا من “محور المقاومة”
رغم هول الأحداث التي تشهدها ساحة الصراع، وخطاب “المقاومة والممانعة” التي تستند عليه السلطة في دمشق لتبرير ماجرى ويجري في سوريا إلّأ أنها تأخذ موقفاً محايداً في الصراع قد لايكون للمرة الاولى لكنه هذه المرة بشكل معلن، حيث امتنعت وسائل إعلام السلطة عن نقل خطابات أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، كما امتنع جميع مسؤولي السلطة من الصف الأول من الإدلاء بأي تعليق حول اغتيال القادة أو الرّد الذي سيقوم به “محور الممانعة”، ومع تأكيد روسي بعدم مشاركة السلطة في دمشق بأي أعمال “عدائيّة” تجاه إسرائيل يبدو واضحاً أن الإرادة الروسيّة في تطبيق تفاهماتها مع إسرائيل ستطغى على موقف السلطة وعلى الموقف الإيراني المؤثر أيضاً، هذا الأمر سيزيح عن سرديّة السلطة في دمشق آخر أقنعتها، وسيدمّر “البربوغندا” التي أُسّست عليها نظرية المؤامرة الكونيّة ضدها، حيث لا تملك السلطة الآن سوى أدوات القمع الأمنيّة ضد السكان في مناطق سيطرتها.
اقرأ/يأيضاً: سوريا بين استعصاء الحل السياسي وضرورة المبادرة الوطنية
شعوب المنطقة والخيارات “الإجباريّة”
يبدو للوهلة الاولى ومن خلال ماتجرّه لنا منصات الإعلام العربيّة أن هناك خيارين لا ثالث لهما فيما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة، إمّا أن تصطف مع “محور المقاومة” وتطبّل لقادتها وميلشياتها وإيدليوجيتها أو أن تصمت عن حقّ الشعب الفلسطيني لتتهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل، وهذان الخياران أسست لهما إسرائيل قبل “محور المقاومة”، وتواطأت مع “أعدائها” لتشكيل صراع عنفي قائم على الإيديوليوجة الدينيّة الشموليّة الإلغائيّة، إذ لابد من قمع شعوب المنطقة وجرّها لخيارات تناسب الإسرائليين قبل غيرهم، باتت تظهر في الآونة الاخيرة بعض التباينات التي ربما تحاول الخروج من السكة التي يضعنا فيها هذان الخياران إلا أنّها ماتزال خجولة وتكتفي بدور الحياد أو الواقعيّة العارية التي لاتقدّم سوى خيارات آنيّة وهشّة لتقبلّ الواقع والاستكانة لخطابات الغرب التي لاتنفك تعد بالسلام في الشرق الذي غاص عميقاً في بؤرة الضعف الجيوسياسي الذي يضمن لاسرائيل التفوق لعقود قادمة فيما لو استمر الحال على هذا المنوال.
الإندفاع الغريزي لتحقيق النصر
يعتبر معظم المنظرين والمحليين للصراع العربي الإسرائيلي أن تحقيق نصر على إسرائيل وإن كان غير نهائي ضرورة وأولويّة، وفي حين قامت الأنظمة بترحيل جميع المشاكل التي تعاني منها بلدان الجوار لما بعد النصر المزعوم، بدأ شكل هذا النصر بالتحوّل التدريجي من شكل الانتصار العسكري الكلاسيكي حيث يقوم جيشٌ بهزيمة جيش آخر وتحرير أراضٍ، إلى أشكال أدنى وأقل تأثيراً على الصعيد الاستراتيجي للصراع، حيث بات تحرير الأراضي من الأحلام المؤجلة والبعيدة لمنظّري “محور المقاومة”، وباتت عمليات ثأريّة ومغامرات غير محسوبة تُعتبر انتصارات يحاول “محور المقاومة” تسويقها بين جمهوره في حين تستفيد إسرائيل من هذه المغامرات وتستثمرها على الصعيد الداخلي (في تعزيز موقف اليمين والعسكرة داخل إسرائيل) وخارجيّاً في استقدام الدعم من الغرب، إذ نجد أنّ الهدف والمسعى الرئيسي لهذا المحور هو تسجيل انتصارات وهميّة قائمة على “غزوات” مؤقتة وهشّة في أحسن أحوالها، والسؤال الأهم الذي يغيب ويغيّب عن ساحة الصراع هو ماهيّة الاستراتيجيّة المُجديّة في الصراع مع إسرائيل، وكيف يمكن لشعوب المنطقة استرداد حقوقها من هذا الكيان المتفوق عسكريّاً وتكنلوجيّاً على محيطه المتخلّف، هل استشار “محور المقاومة” شعوبه وهل أخذ تفويضاً من هذه الشعوب بالانتحار؟
اقرأ/ي أيضاً: تركيا.. من حليف مزعوم إلى قوة احتلال
الهزيمة … امتحان صعب
منذ قيام الكيان الإسرائيلي وإلى يومنا هذا لم تقر شعوب المنطقة أو على الأقل حكوماتها والقائمين عليها بالهزيمة، وعبثاً تحاول هذه الحكومات الهروب من الاعتراف بالهزيمة ففي عام 1948 سُمّيت نكبة وفي عام 1967 سُمّيت نكسة ولم تطلق تسمية الهزيمة ليومنا هذا، على العكس من ذلك، ادّعت الحكومات الانتصار في كثير من الأحيان، حتى باتت في الآونة الأخيرة سمة كل حرب تخوضها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وفي كل مرّة يمسك “محور المقاومة” ومنصاته الإعلاميّة ومنظّريه من مختلف مشاربهم بادّعاء النصر حتى قبل انتهاء المعارك وتكشّف النتائج، ويطلقون توصيفات التخوين والعمالة لكل من لا يزاود على ادّعائهم أو لكل صوت عاقل يدعو للتأمل أو التفكير قليلاً بما حدث ويحدث بأطفالنا ونسائنا ومفكرينا، بالدول والمؤسسات بانحدار الفكر والتعليم والصحة وبالتخلف الذي ينتشر كالوباء بين مجتمعاتنا، إذ إن الاعتراف بالهزيمة وإن كان شاقاً فهو دعوة للتفكير والعمل، دعوة لإعلاء العقل على الغرائز واستهسال النصر وتسخيف الصراع، كما أنّ اعترافاً بالهزيمة من شأنه أن يزيح عن كاهل هذه الشعوب جموع القروسطيين والدجالين الذين يحاولون ليل نهار الانتصار على شعوبهم قبل أي شيء.
كان تحرير الإنسان ومازال من أسمى ماتسعى إليه البشريّة وإن ثورة الشعب السوري كانت وماتزال تشكّل الخطر الأكبر على إسرائيل ليس لأنها تتبجح ليل نهار بأنها واحة الديمقراطيّة في الشرق الأوسط، بل لأن تحرير الإنسان لابد أن يفضي لإطلاق طاقاته وتوحيد جهوده لتحقيق أهدافه واسترجاع حقوقه المستباحة، لهذا كانت اسرائيل وماتزال في نفس الخندق مع طغاة المنطقة، سواء كانوا حكومات أو ميلشيات.
أليمار لاذقاني- اللاذقية