لطالما عُرف “داعش” بهمجيته وقطعه لرؤوس الذين كان يهاجمهم، وكان يستخدم المفخخات في بداية كل هجوم، واستطاع خلال فترة قصيرة من ترهيب الجميع وسيطر على مساحات واسعة منذ بداية ظهوره مطلع عام 2013، مستفيداً من وجود فرعه في سوريا “جبهة النصرة”، ولكن مقاومة كوباني قضت على أحلام “داعش” وداعميه.
في مطلع عام 2013، ظهر تنظيم “داعش” الإرهابي، في سوريا، وما لبث أن أعلن متزعمه أبو بكر البغدادي في نيسان/أبريل ذات العام، عن دمج فرعه في سوريا “جبهة النصرة” مع دولة العراق الإسلامية في تنظيم واحد أطلق عليه اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، وسرعان ما بدأ “داعش” بالتغلغل في مجموعات ما كانت تسمى الجيش الحر وخصوصاً في مدينة الرقة حتى سيطر عليها بشكل كامل في كانون الثاني/يناير من عام 2014.
وبعد السيطرة على المدينة توجه “داعش” نحو ريف الرقة، وسيطر على مقر الفرقة 17 التابعة لقوات سلطة دمشق في تموز/يوليو 2014، ومقر اللواء 93 في عين عيسى بتاريخ 7 آب/أغسطس وأخيراً مطار الطبقة العسكري في 24 آب/أغسطس 2014 وبذلك باتت كامل محافظة الرقة واقعة تحت سيطرته، وحصل على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة من المقرات العسكرية التابعة لقوات السلطة في دمشق.
وفي ذات الوقت كان “داعش” قد بدأ السيطرة على المدن العراقية الكبيرة، ومع حلول يوم 10 حزيران/يونيو شنّ هجوماً على مدينة الموصل ذات الغالبية السنية في محافظة نينوى، فترك الجيش العراقي كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة لداعش وفرّ هارباً من المدينة، وبدأ بالتوجه نحو مدن عراقية أخرى مثل تلعفر وتكريت وغيرها من الأقضية والنواحي.
اقرأ/ي أيضاً: ما بين التتريك والتطرف… أجيال سورية تتعرض للدمار
وبعد سيطرة “داعش” على مساحات كبيرة من العراق وسوريا، أعلن الناطق باسمه أبو محمد العدناني (قُتل في 30 آب/ أغسطس 2016 في معارك مع قوات سوريا الديمقراطية بمحيط عفرين) وفي تسجيل مصور بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2014، بأن “داعش” أقام ما يسمى “الدولة الإسلامية” على تلك الأراضي واتخاذ مدينة الرقة عاصمة للخلافة المزعومة.
“داعش” يهاجم المدن الكردية
ما لبث “داعش” بعد ذلك أن شنّ هجمات دامية على المدن الكردية في العراق وسوريا، وكانت البداية في 3 آب/أغسطس عام 2014، عندما شنّ هجوماً على قضاء شنكال الذي يقطنه الكُرد الإيزيديون، وارتكب فظائع فيها من قتلٍ جماعي واغتصابٍ وخطفٍ للنساء والأطفال.
بعد شنكال؛ الهجوم على كوباني
بعد أن احتل “داعش” قضاء شنكال، شنّ في 15 أيلول/سبتمبر عام 2014 هجوماً واسعاً على مدينة كوباني، من الجهات الشرقية الغربية والجنوبية، مستخدماً الأسلحة التي حصل عليها من قوات دمشق وبغداد، أما الجهة الشمالية لمدينة كوباني فهي عبارة عن الحدود التركية.
وخلال هذه الهجمات أرسلت تركيا الدعم لداعش عبر قرية سليب قران غربي مدينة تل أبيض (شرقي كوباني)، وجاء هذا الدعم عبر صفقةٍ أفرج فيها “داعش” عن 49 من موظفي القنصلية التركية في الموصل الذين ألقى “داعش” القبض عليهم، مقابل الحصول على السلاح وإفراج تركيا عن 180 داعشياً كانوا لديها.
وعندما فشل “داعش” في احتلال كوباني فتحت تركيا أراضيها أمام عناصرها للهجوم منها على كوباني، ففي فجر يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، هاجم عناصر التنظيم المتطرف بعربة محمّلة بالمتفجرات وبانتحاريين، مدينة كوباني عبر معبر مرشد بنار، ودخل “الدواعش” من الجهة الشرقية عبر الحدود التركية من منطقة صوامع الحبوب، وهاجموا المدينة، وهذا الهجوم وثّقته كاميرات الصحفيين في كوباني، ولكن وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات بركان غضب الفرات أفشلت الهجوم ولاحقت عناصر التنظيم الإرهابي داخل الأراضي التركية وقضت عليهم.
هزيمة “داعش” في كوباني نقطة البداية
رغم الدعم الذي كان يتلقاه تنظيم “داعش” من العديد من الأطراف وعلى رأسها تركيا، إلا أنه فشل في احتلال كوباني، بفضل المقاومة التي أبدتها شعوب المنطقة، وبفضل الدعم العالمي الذي تلقوه إذ تم إعلان الأول من تشرين الثاني/نوفمبر يوماً عالمياً للتضامن مع مقاومة كوباني.
وبعد مقاومة استمرت 134 يوماً حررت وحدات حماية الشعب والمرأة مدينة كوباني بشكل كامل في 26 كانون الثاني/يناير عام 2015 بعد أن كانت هاجمتها في 15 أيلول/ سبتمبر 2014، واعتباراً من هذا اليوم بدأت مناطق “داعش” بالانحسار في سوريا، بعد أن أطلقت وحدات حماية الشعب والمرأة ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدولي الحملات الواحدة تلو الأخرى.
وفيما يلي سرد للمناطق التي خسرها التنظيم المتطرف في سوريا وفق تسلسل تاريخها:
ناحيتي تل حميس وتل براك في الجزيرة بتاريخ 27 و28 شباط/فبراير 2015 على التوالي.
بلدتا شيوخ تحتاني وفوقاني يوم 5 آذار/مارس 2015.
جبل عبد العزيز (كزوان) في 21 أيار/مايو 2015.
بلدة مبروكة في ريف رأس العين وبلدة سلوك في ريف تل أبيض في 27 أيار/مايو.
مدينة تل أبيض/كري سبي في 15 حزيران/يونيو 2015.
مقر اللواء 93 في عين عيسى في 23 حزيران/يونيو 2015.
بلدة عين عيسى الواقعة 55 كم شمال شرقي مدينة الرقة في 7 تموز/يوليو 2015.
وفي 16 تموز/يوليو 2015 تم تحرير أحياء مدينة الحسكة التي سيطر عليها داعش بعد أن هرب منها عناصر قوات السلطة في دمشق.
“داعش” يرتكب مجزرة في كوباني
مع هذه الانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب والمرأة، حاول “داعش” وداعمها تركيا الانتقام من هذه المدينة التي أصبحت نقطة الانطلاق لهزيمة التنظيم الإرهابي، ففي يوم 25 حزيران/يونيو تسلل ما يزيد عن 80 عنصراً من “داعش” بمساعدة تركيا إلى داخل مدينة كوباني وارتكبوا فيها مجزة راح ضحيتها 253 شخصاً، ورداً على ذلك أطلقت وحدات حماية الشعب في الأول من شهر تموز/ يوليو حملة الانتقام لضحايا مجزرة كوباني وأسفرت الحملة عن تحرير بلدة صرين بتاريخ 27 تموز/ يوليو.
اقرأ/ي أيضاً: المساعدات الإنسانية في إدلب بين الحاجة والاستغلال
تشكيل قسد وحملات إنهاء “داعش” في سوريا
وفي 15 تشرين الأول/ ديسمبر من عام 2015 أعلنت القوى العسكرية الثورية في شمال وشرق سوريا عن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي أخذت على عاتقها تحرير شعب المنطقة وترابهم من “داعش”.
وفيما يلي سرد للمناطق التي حررتها قسد وفق تسلسل تاريخها:
15 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 تحرير بلدة الهول جنوبي الحسكة على الحدود مع العراق.
30 كانون الأول/ديسمبر 2015 تحرير الريف الجنوبي لكوباني ومن بينها سد تشرين الاستراتيجي على نهر الفرات.
19 شباط/فبراير 2016 تحرير مدينة الشدادي جنوبي الحسكة.
في 15 آب/أغسطس تحرير مدينة منبج بعد شهرين ونصف من المعارك ضد داعش.
حملة تحرير مدينة الرقة
أما أكبر الحملات فكانت حملة تحرير مدينة الرقة التي أعلنها “داعش” عاصمة لخلافته المزعومة، وبدأت هذه الحملة اعتباراً من 6 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017.
وشملت هذه الحملة 5 مراحل كانت آخرها المعركة الكبرى لتحرير مدينة الرقة. خلال المراحل الخمسة استطاعت قوات سوريا الديمقراطية تحرير الريف في البداية ومدينة الطبقة الاستراتيجية وسد الفرات بتاريخ 10 أيار/مايو 2017، وأخيراً استطاعت تحرير مدينة الرقة بتاريخ 17 تشرين الأول 2017 وأعلنت التحرير بشكل رسمي بعد 3 أيام من قلب مدينة الرقة.
توقّف حملة تحرير دير الزور بسبب هجمات تركيا على عفرين
وبالتزامن مع استمرار حملة تحرير مدينة الرقة أطلقت قوات سوريا الديمقراطية في 9 أيلول/ سبتمبر 2017 حملة تحرير ريف دير الزور من “داعش” ولكنها توقفت مع بداية عام 2018 مع شنّ تركيا عدواناً على مدينة عفرين، ولكن قوات سوريا الديمقراطية أعادت استئناف الحملة في أيلول/سبتمبر 2018 حتى حررت كامل المنطقة في بلدة الباغوز في 19 آذار/مارس 2019.
شمال غرب سوريا بؤرة تفريخ الدواعش بأسماء مختلفة
رغم القضاء على “داعش” جغرافياً إلى أن نشاط التنظيم الإرهابي لم يتوقف بسبب الدعم الذي تقدمه تركيا له، ولا يمكن القضاء عليه إلا من خلال البحث في الأسباب التي ساعدته في الظهور والسيطرة على مساحات كبيرة خلال فترة زمنية قياسية. فوجود ذهنية مشابهة ل”داعش” ووجود أماكن التدريب وتوفر الأموال والدعم العسكري واللوجستي، سيؤدي إلى ظهور “داعش” أخرى وإن كان بتسميات مختلفة وهذا ما تفعله تركيا الآن في مناطق الشمال السوري من خلال توفير الملاذ الآمن له.