لم يعد مستغرباً لدى السوريين أن السلطة في دمشق لا تعنيها أزماتهم ومعاناتهم المعيشية. فبالتوازي مع تسويق مشاريع إعادة الإعمار الوهمية والتشدق بالعقوبات والحصار، تعمل السلطة في اتجاه واحد هو سرقة موارد السوريين وأموالهم وتوظيفها لخدمة مصالحها. يأتي ذلك في وقت يعاني فيه غالبية السوريين من واقع معيشي بات خارج حدود الوصف، بينما تسوّق السلطة لمشاريع بمليارات الليرات السورية.
مشروع النفق يثير سخرية السوريين
أثار إعلان السلطة عن الكلفة التقديرية لمشروع نفق المجتهد باب مصلى في دمشق موجة واسعة من السخرية بين السوريين. فقد بلغت تلك التكلفة ما يقارب 350 مليار ليرة سورية، في حين يعاني معظم السوريين من عدم القدرة على تأمين قوت يومهم. ورغم القبضة الأمنية للسلطة، هاجم الكثيرون سياساتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أن “السوريين يموتون من الجوع والدولة تفتح مشروع نفق بمليارات الليرات السورية”.
محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي أعلن خلال تصريحات صحفية، أن الكلفة التقديرية الأولية لمشروع نفق المجتهد باب مصلى تتجاوز 250 مليار ليرة وكلفة إعادة تأهيل كافة البنى التحتية في المنطقة تصل إلى 100 مليار ليرة. هذه التصريحات أطلقت موجة واسعة من السخرية، حيث أن ما يعانيه السوريون في مناطق سيطرة السلطة من أزمات وضغوط معيشية، كفيل بتحرك السلطة وطرحها مشاريع خدمية ترمم بالحد الأدنى واقع السوريين المتردي.
اقرأ/ي أيضاً: “هيئة تحرير الشام”.. قمع وانتهاكات مستمرة في شمال سوريا
تساؤلات تؤرق السوريين
طرح إعلان السلطة عن هذا المشروع الباهظ التكلفة تساؤلات عديدة لدى السوريين. فلماذا لا تتجه السلطة إلى إعادة إعمار المناطق المدمرة في ريف دمشق لعودة النازحين إليها؟ ولماذا لا تطلق مشاريع إنتاجية تساعد في ترميم الواقع الاقتصادي وتخفف من الأعباء المعيشية للسوريين؟ كما أشار البعض إلى أن مبلغ 350 مليار ليرة سورية قادر على إعادة إعمار كل ما تم تدميره في ريف دمشق وحمص.
مشاريع خدمية متوقفة رغم الحاجة إليها
كشف مصدر في محافظة دمشق أن هناك الكثير من المشاريع الخدمية المتوقفة في دمشق وريفها بسبب ضعف الموارد. فمشروع جرّ المياه إلى منطقة المزة 86 متوقف منذ سنوات، ومشروع استجرار الكهرباء في مناطق دف الشوك وجرمانا أيضاً متوقف. وأضاف المصدر أن إعلان السلطة عن مشروع النفق بهذه الكلفة المالية الكبيرة يكشف عن نفاق واضح من قبل سلطةٍ لا همّ لها إلا إذلال السوريين وإبقائهم في دائرة الفقر المدقع.
وأكد المصدر أن هناك قائمة طويلة من المشاريع الخدمية في دمشق متوقفة، في حين تنعم السلطة بالكهرباء والمياه وكل ملذات الحياة، بينما غالبية السوريين لا يعلمون كيف سيتم تأمين ثمن الغداء لأطفالهم.
فرض ضرائب جديدة على الأسواق
إلى جانب مشروع النفق، كشف المصدر عن توجّه المحافظة لفرض ضرائب كبيرة على المحلات في أسواق دمشق القديمة، تحت ذريعة أن هذه المناطق أثرية وبحاجة إلى مشاريع ترميم. ويتوقع أن تصل المبالغ المراد تحصيلها من هذه الضرائب إلى نحو 60 مليار ليرة سورية. كما تتجه المحافظة لفرض ضرائب على أسواق الشعلان والصالحية والمالكي، مما سيزيد من إرهاق السوريين ويرفع الأعباء على التجار، ما قد يدفعهم إلى زيادة الأسعار.
تجاهل إعادة الإعمار والمشاريع الإنتاجية
يؤكد إعلان السلطة عن مشروع نفق المجتهد باب مصلى أنها لا تعنى بعملية إعادة الإعمار ولا تريد إعادة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم. فبدلاً من توظيف هذه الأموال في إعادة إعمار ما دمرته وإنشاء مشاريع إنتاجية تساعد السوريين على مواجهة صعوبات الحياة، تصر السلطة على تنفيذ مشاريع لا تمس احتياجات الناس الأساسية.
اقرأ/ي أيضاً: الحكومة السورية الجديدة.. آمال ضائعة وواقع مرير
ويرى المهندس ياسر، وهو موظف سابق في محافظة دمشق قسم الإنشاءات المعدنية، أن مشروع النفق لا يتطابق مع مواصفات تخطيط المدن ولا يتناسب مع الكثافة المرورية في المنطقة. كما يشير إلى أن تكلفة المشروع مبالغ فيها بشكل كبير، متسائلاً عن مصير الفارق بين التكلفة الحقيقية والمعلنة.
ويضيف المهندس ياسر أن إعلان النظام عن نفق المجتهد باب مصلى يهدف إلى تشويه هذه المنطقة لا تجميلها. ويرى أنه بدلاً من هذا النفق بهذه التكلفة الباهظة، يمكن توظيف هذه الأموال في مشاريع تهم السوريين أكثر وتقدم لهم خدمات أفضل. كما يشير إلى أن ما يعانيه أهالي دمشق من أزمات الكهرباء والمياه وأكوام القمامة في الشوارع يجب أن يكون الأولوية، بدلاً من تعطيل مصالح السوريين عبر نفق يحتاج إلى المليارات ويتسبب في ازدحام خانق وتعطيل لمصالح الناس.
يتضح مما سبق أن هندسة مظهر جديد للعاصمة دمشق تأتي على حساب السوريين وأزماتهم الخانقة. ففي الوقت الذي تغرق فيه المدينة بأزمات النقل والكهرباء والمياه، فضلاً عن الواقع المعيشي المتردي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، تعلن السلطة عن مشاريع باهظة التكلفة لا تلبي احتياجات الناس الأساسية. وبدلاً من السعي لإعادة الإعمار وعودة النازحين، تواصل السلطة نهج سرقة أموال السوريين عبر المزيد من الضرائب، مما يعمق أزماتهم على كافة المستويات.
إن هذه السياسات تكشف بوضوح عن عدم اكتراث السلطة بمعاناة السوريين وتفضيلها لمصالحها الخاصة على حساب احتياجات الشعب. وفي ظل استمرار هذا النهج، يبدو أن معاناة السوريين ستستمر، وستظل أموالهم تذهب إلى مشاريع لا تخدمهم ولا تلبي احتياجاتهم الأساسية.
عمار المعتوق- دمشق