مرت 7 سنوات على تحرير مدينة الرقة من “داعش” التي أعلنتها عاصمة لخلافته المزعومة، وخلال هذه السنوات شهدت المدينة الكثير من التطورات على مختلف الصُّعد.
منذ أن خرجت مدينة الرقة عن سيطرة السلطة في دمشق، في 4 آذار/مارس 2013، كان هناك تواجد لـ”داعش” في المدينة عبر وجود “جبهة النصرة/هيئة تحرير الشام حالياً” والتي كانت تتحرك مع مجموعات ما يسمى “الجيش الحر”، ومع إعلان أبو بكر البغدادي دمج “جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية” في تنظيم واحد أُطلق عليه اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في نيسان/أبريل 2014 تحوّل عناصر “النصرة” إلى “داعش” وسرعان ما بدأ الأخير بالتغلغل في المجموعات الأخرى حتى سيطر على المدينة بشكل كامل في كانون الثاني/يناير 2014.
عاصمة لخلافة مزعومة
وفي 29 حزيران/يونيو عام 2014 أعلن الناطق باسم “داعش” أبو محمد العدناني الذي قُتل في 30 آب/أغسطس 2016 في معارك مع قوات سوريا الديمقراطية بمحيط عفرين، وفي تسجيل مصور، بأن “داعش” أقام ما يسمى “الدولة الإسلامية” على الأراضي التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا.
كما أعلن تغيير الاسم من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى “الدولة الإسلامية” فقط، وأعلن أيضاً مبايعة متزعم “داعش” أبو بكر البغدادي “خليفة للمسلمين”، واتخذ تنظيم “داعش” من مدينة الرقة عاصمة لخلافته المزعومة.
اقرأ/ي أيضاً: هفرين خلف.. شعلة الأمل التي أطفأها الظلام
تدهور في جميع النواحي
وفي هذا السياق، أكد مشلب التركان، الرئيس المشترك لمجلس التنفيذي في مقاطعة الرقة، أن سيطرة “داعش” على المدينة استمرت 4 سنوات، حيث فرض سيطرة إرهابية كاملة، محاولاً تغيير العادات والتقاليد التي كانت سائدة بين أبناء المدينة.
لافتاً أن الأوضاع الاجتماعية كانت صعبة جداً، إذ تدخّل التنظيم في أدق تفاصيل الحياة اليومية، مما أثّر سلباً على الممارسات الاجتماعية المتعارف عليها.
ومن جانبها، أكدت زليخة عبدي، الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في مقاطعة الرقة، أن المدينة عانت من دخول “الفصائل الإرهابية”، حيث شهدت المدينة تحولاً كبيراً بعد استيلاء تنظيم “داعش” عليها، وأدى نقص النشاطات الصحية والتعليمية إلى تدهور الحالة الاجتماعية.
ولفتت أن المدينة شهدت أيضاً تمييزاً منهجياً ضد الكُرد، إذ أُتيحت الفرصة لـ”داعش” القيام بحملات تطهير عرقي كان من بينها دعوات خلع السكان الكُرد من المنطقة.
وأوضحت أن الأوضاع التعليمية تدهورت بشكل كبير، حيث مُنع التعليم في المدارس وحُرم الأطفال من حقهم في التعلم، وتمت معاقبة النساء بالجلد في الشوارع، كما تم بيع النساء في الشوارع بما في ذلك النساء الإيزيديات، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الاجتماعية.
ولم يكن الوضع أفضل حالياً من الناحية الاقتصادية، حيث سيطر “داعش” على كل المفاصل الاقتصادية، مما أدى إلى منع حرية التجارة وتقييد الأنشطة التجارية، وعانى المواطنون من تحديات كبيرة جراء الاضطهاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية، مما أدى إلى تراجع كبير في القدرة الشرائية لدى السكان.
استنجاد ومطالبات بتحرير المدينة
هذه الأوضاع المتفاقمة، دفعت العشائر العربية للاستنجاد بقوات سوريا الديمقراطية، لتحرير المنطقة من إرهاب “داعش”، واعتباراً من 6 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية أكبر حملة لها هدفت إلى تحرير مدينة الرقة.
وشملت هذه الحملة 5 مراحل كانت آخرها المعركة الكبرى لتحرير مدينة الرقة. خلال المراحل الخمسة استطاعت قوات سوريا الديمقراطية تحرير الريف في البداية ومدينة الطبقة الاستراتيجية وسد الفرات بتاريخ 10 أيار/مايو 2017، وأخيراً استطاعت تحرير مدينة الرقة بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2017 وأعلنت تحريرها بشكل رسمي يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر.
تشكيل مجلس الرقة المدني
وبالتزامن مع انطلاق الحملة شكل أهالي الرقة الذين فروا من مدينة الرقة إلى المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية لجنة تحضيرية للعمل على تقديم الخدمات المطلوبة والعاجلة للأهالي الذين نزحوا نتيجة المعارك إلى المناطق المحررة.
وبالتزامن مع تقديم الخدمات، عقدت اللجنة التحضرية الاجتماعات واللقاءات مع الأهالي بهدف تشكيل إدارة مشتركة لتقديم الخدمات ووضع خطة لملء الفراغ بعد عملية التحرير، حيث نجحت اللجنة التحضيرية في هذه الأعمال إلى حين الوصول إلى قرار جماعي من قبل الممثلين ووجهاء وشيوخ العشائر وأهالي المدينة بالإعلان عن مجلس الرقة المدني بتاريخ 17 نيسان/أبريل 2017 واتخذ المجلس من ناحية عين عيسى مقراً له وفور التحرير انتقل المقر إلى المدينة.
عودة الحياة
وفي هذا السياق، أشار مشلب التركان، الرئيس المشترك لمجلس التنفيذي في مقاطعة الرقة، إلى أنه بعد تحرير المدينة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ساهمت الإدارة الذاتية في إعادة الإعمار المدينة التي تعرضت للتدمير بنسبة 90 % وأُعيد تأهيل الخدمات الأساسية مثل محطات المياه وتوفير الكهرباء، فضلاً عن فتح الطرق والأسواق وتقديم الخدمات الطبية.
وأكد أنه بعد التحرير، شهد سكان الرقة تغييراً كبيراً في حياتهم، حيث أصبح بإمكانهم التعبير عن آرائهم السياسية، وممارسة العمل السياسي وتشكيل الأحزاب، مع وجود مشاركة فعلية للمرأة عبر نظام الرئاسة المشتركة.
اقرأ/ي أيضاً: بانتظار العدالة.. خمس سنوات على احتلال رأس العين وتل أبيض
ومن جانبها لفتت زليخة عبدي، الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في مقاطعة الرقة، إلى أنه مع تحرير المدينة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، بدأت التغيرات الإيجابية تعود شيئاً فشيئاً. حيث عادت الأصوات المعتادة في المدينة، وبدأت الحياة الاجتماعية والاقتصادية تتغير للأفضل.
وأضافت: “بدأت أصوات الجوامع وأجراس الكنائس ترتفع في المدينة. وأصبح هناك تفاعل أكبر من قبل جميع مكونات المجتمع، بما في ذلك مشاركة فعالة من النساء والشبان، مما يظهر دورهم الجديد في بناء مستقبل المدينة بشكل ديمقراطي”.
وأشارت أنه بفضل الجهود المبذولة من قبل الإدارة الذاتية، تم إعادة العديد من الخدمات الأساسية مثل المدارس، الطرق، وأنظمة الصرف الصحي، بعد أن خصصت الإدارة ميزانيات مرتفعة لإعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية، مما ساعد في استعادة المدينة التي كانت في حالة دمار. فضلاً عن إعادة شبكات الكهرباء وقنوات الري لمساعدة الفلاحين.
وأكدت أن النساء احتلت موقعاً بارزاً في الإدارة والمشاركة الاجتماعية من خلال نظام الرئاسات المشتركة.
تحديات
ولفتت زليخة عبدي، أن التطورات التي شهدتها مدينة الرقة بعد التحرير تشهد تقدماً ملحوظاً، مما يعكس الإرادة القوية للسكان وإدارة المدينة في التغلب على التحديات، وبناء مستقبل أفضل لجميع المكونات، وقالت إن الأمل معقود على استمرار هذه الجهود لتحقيق السلام والاستقرار والنمو في المنطقة.
وفي ذات السياق، لفت مشلب التركان إلى أن الإدارة الذاتية تواصل جهود إعادة تأهيل القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، ومع ذلك، فأنها تواجه تحديات كبيرة على جميع الأصعدة، سواء كانت أمنية أو خدمية، بما في ذلك الترويج للمخدرات والاقتتال العشائري. وقال: “لذلك، من الضروري أن يتعاون أهالي مدينة الرقة مع الإدارة الذاتية في جهود إعادة الإعمار لتلبية احتياجاتهم”.
مختتماً حديثه بالتأكيد على أن المستقبل يحمل خططاً استثمارية حقيقية من قبل الإدارة الذاتية، مع التركيز على النموذج الإداري والتنظيمي الذي يلبي طموحات سكان شمال وشرق سوريا، وقال إن التطورات التي شهدتها المدينة تُعتبر قفزة نوعية تُسهم في تحسين حياة الأهالي وتوفير الخدمات اللازمة.
الرقة / روزا عبود