رغم التسوية التي فُرضت على محافظة درعا جنوبي سوريا، والتي توسّم فيها أهالي المحافظة خيرًا وأن تكون بوابة للاستقرار الأمني والاقتصادي، إلا أن الأهالي لم يتوقعوا أن تبقى المحافظة رهينةً بيد السلطة التي لا تزال تعيث فسادًا في عموم المحافظة. فعبر أجهزتها الأمنية بشكل مباشر، أو عبر المتعاونين معها، تقوم السلطة بعمليات القتل والتفجير والاعتقال والإخفاء، لتبقى بذلك المحافظة الجنوبية من أكثر البقع الجغرافية في سوريا تعقيدًا وتشابكًا وتخبطًا أمنيًا.
ضمن سياق التطورات المتسارعة في سوريا منذ عام 2011، شهدت محافظة درعا جنوبي البلاد العديد من التحولات السياسية والأمنية المعقدة. فقد كانت درعا بؤرة الانطلاقة للحراك الشعبي ضد السلطة في آذار/مارس 2011، وشهدت اشتباكات عنيفة بين قوات السلطة والمعارضة المسلحة.
وبعد سنوات من القتال، أدت جهود التسوية التي جرت عام 2018 إلى استعادة السلطة السيطرة على درعا. إلا أن هذه التسوية لم تحقق الاستقرار المنشود في المحافظة، حيث واصلت أجهزة الأمن التابعة للسلطة ممارساتها القمعية ضد السكان.
اقرأ/ي أيضاً: مخيمات النازحين في الشمال السوري.. معاناة متجددة مع موجة البرد القادمة
الحوادث الأمنية في درعا باتت عنوانًا دائمًا في يوميات المحافظة، وما أن يُغلق ملف أمني محدد، حتى يتم فتح ملفات أُخرى بسيناريوهات معقّدة. ورغم التسوية التي حدثت عام 2018، إلا أن المشهد لم يتغير، ولم تدخل المحافظة في حالة من الهدوء الأمني، وعمومًا لم تشهد المحافظة أي حالة استقرار منذ ذلك الوقت. الأمر الذي يؤكد أن السلطة وأجهزتها الأمنية لا تزال مستمرة في سياساتها تُجاه المحافظة مدينةً وريفًا، الأمر الذي أدخل أهالي المحافظة في متاهة باحثين عن مخارج لهذا الواقع الأمني الذي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
تسويات فرعية على هامش تسوية عام 2018
المشهد في درعا بحسب الأهالي بات معقدًا جدًا، وما يحدث من تسويات فرعية في بعض مناطق المحافظة لم يعزز حالة الاستقرار الأمني. فحوادث التفجير والقتل والاختطاف لم تتوقف، ليتساءل الأهالي حيال ذلك الأمر بالقول: بما أن الجميع يسلّم سلاحه ويقوم بالتسوية، فمن المسؤول عن كل تلك الحوادث؟
وفي هذا الصدد، يقول عوض الرجوب، متطوع سابق في الفيلق الخامس: “صحيح أن التسويات تمت، لكن ذلك لم يكن سببًا في تعزيز حالة الاستقرار الأمني في المحافظة. والمشكلة لا تكمن بمن قام بالتسوية وسلّم سلاحه، بل المشكلة الأكبر في هذا النظام الذي يريد أن ينتقم من كل من رفع السلاح ضده، وضد كل من خرج هاتفًا بإسقاط النظام”. ويضيف الرجوب أن لجوء النظام إلى تسويات فرعية على هامش تسوية عام 2018، مع وعود بعودة الأمن والاستقرار إلى عموم المحافظة، لم تكن سوى حبرًا على ورق، وذلك بسبب استمرار النظام في سياساته التي تقوم على العقلية الأمنية وفرض ما يريده بالقوة، وهذا ما لا يتناسب مع تطلعات أهالي محافظة درعا.
حوادث أمنية متفرقة في عموم درعا
مع انتشار تجارة السلاح والمخدرات التي تديرها السلطة عبر فرع الأمن العسكري وبعض المتعاونين معه، يعاني أهالي درعا من عمليات خطف تطال الجميع نظرًا إلى الحاجة للمال وتحصيله بأي طريقة. وربطًا بهذا المشهد، فقد كثُرت مؤخرًا حالات القتل والابتزاز، وحتى حوادث السرقة فقد ازدادت أيضًا، وهذه ظواهر لم تكن موجودة في عموم درعا، بحسب الدكتور عبد الكريم عمارين، الذي كان يعمل في إحدى مشافي المحافظة ومشرفًا على تطبيق بنود التسوية التي حدثت عام 2018.
اقرأ/ي أيضاً: حراك السويداء يُربك حسابات السلطة في دمشق وسط تحولات إقليمية متسارعة
ويؤكد الدكتور عبد الكريم أن الشهر الماضي تم توثيق ما يقارب 27 حالة اختطاف، وأن من يقومون بتلك العمليات هم عصابات محلية مدعومة من قبل أجهزة السلطة الأمنية، خاصة أن تلك العصابات تملك بطاقات أمنية تتيح لهم سهولة الحركة والتنقل. وتعمل تلك العصابات بملفات عدة منها ملف الخطف والاغتيالات، وتقوم بتوجيه من رؤساء الأفرع الأمنية بتمويل أنفسها من خلال أخذ فديات مالية كبيرة من ذوي المخطوفين وإثارة النزاعات في عموم المحافظة.
لجان مجتمعية وأهلية ولكن!!
اللجان المجتمعية والأهلية التي تم إنشاؤها على خلفية ما تتعرض له درعا من حوادث أمنية، والتي يرأسها وجهاء المحافظة، لم يستطيعوا تغيير الواقع إلا في بعض المواقع والمناطق. حيث تم تسيير دوريات من قبل الأهالي لمنع أي حوادث أمنية أو عمليات اختطاف أو تفجير عبوات، وهذا الأمر لا يمكن تعميمه على باقي مناطق درعا وتحديدًا في المناطق التي تشهد سيطرة أمنية مطلقة لفرع الأمن العسكري.
ويجب التنويه إلى أن الأهالي في محافظة درعا ضاقوا ذرعًا بهذا الواقع الأمني والتضييق من قبل السلطة عليهم. وفي رسالة تم توقيعها من غالبية وجهاء درعا وإرسالها إلى محافظ درعا وأعضاء مجلس الشعب عن المحافظة، وقيادة الأمن العسكري في دمشق، أكدوا أن هذا الواقع يجب أن يتغير جملةً وتفصيلًا، ودون ذلك سيتم اتخاذ إجراءات مجتمعية وشعبية تضع حدًا لكل الحوادث الأمنية في محافظة درعا.
إن الواقع الأمني المعقد الذي تشهده محافظة درعا يؤكد فشل التسوية التي جرت فيها عام 2018 في تحقيق الاستقرار المنشود. فبدلاً من أن تكون بوابة للأمن والاستقرار، ظلت المحافظة رهينة بيد السلطة التي تمارس ضدها سياسات القمع والعنف عبر أجهزتها الأمنية.
وأمام استمرار هذا الواقع المتردي، بات واضحًا أن المشكلة الأساسية لا تكمن في من قاموا بالتسوية وسلموا سلاحهم، بل في النظام ذاته الذي يرفض التخلي عن عقليته الأمنية ويسعى إلى الانتقام من كل من عارضه. وهذا ما دفع أهالي درعا إلى التساؤل عن مسؤول تلك الحوادث الأمنية المتفرقة، في ظل عجز اللجان المجتمعية عن تغيير الواقع.
وفي ظل هذا المشهد المعقّد، بات واضحًا أن الأزمة الأمنية في درعا لن تجد حلّاً إلا عبر تغيير جذري في سياسات السلطة تجاه السكان. وهو ما دفع بوجهاء درعا إلى توجيه رسالة تحذيرية إلى السلطات المعنية، مؤكدين أنهم لن يقبلوا هذا الواقع المتردي أكثر من ذلك، وسيلجؤون إلى إجراءات مجتمعية وشعبية لوضع حدٍّ له.
وليد السكري-درعا