بالنظر إلى عمق الأزمة السورية وتشعباتها، نجد أن هذه الأزمة قد تمكنت منها مجموعة من التحديات التي أسفرت عن وضع الحل السياسي في سوريا أمام حالة من الجمود على المستويات كافة. ضمن ذلك، يبدو أيضًا أن الملف السوري قد بات مساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية. أكثر من ذلك، فقد باتت الجغرافيا السورية صندوق بريد تُضمن فيه القوى المتصارعة رسائلها السياسية والعسكرية. الأمر الذي كان سببًا في ظهور إشكاليات عديدة تتعلق بطبيعة الحل السياسي، وشكل الدولة القادمة، ورؤية السوريين أولاً وأخيرًا لمستقبل سوريا السياسي، خاصة أن السلطة، وجراء واقع إقليمي غاية في التعقيد، لا تزال ممسكة بقرار الحل، دون ضغوط واضحة عليها تُجبرها على الانصياع لرغبات السوريين، وإنهاء أزمة دخلت عامها الخامس عشر.
مرارًا كثيرة وعبر أطروحات سياسية تتعلق بالشأن السوري، ذكرنا أن المبادرات السياسية التي تتلمس حلولاً للأزمة السورية لن يكون لها أي صدى أو انعكاس على واقع الملف السوري أو أزمات السوريين. فالضجيج الإعلامي الذي كان مواكبًا لجميع المسارات السياسية تجاه سوريا كان ينتهي ضمن عبارات ضرورة الحفاظ على السيادة السورية ومنع تقسيم الجغرافية السورية، وما إلى ذلك من شعارات لم تكن سوى حبرًا على ورق، خاصة أن كل تلك المسارات لم تتضمن صراحة ولا تنويهًا إلى أن هناك ضرورات سياسية تتعلق بالأزمة السورية وإنهائها عبر حوار سوري سوري دون أي تأثيرات داخلية أو خارجية.
السوريون وحدهم من يتلمس طريق الخروج من الأزمة
يدرك غالبية السوريين أن استمرار السلطة ضمن واقعها الحالي يُعد إشكالية لا يمكن تجاوزها إلا عبر مسار سياسي ينتجه كل السوريين دون استثناء. والأمر الأهم أن مخرجات القرار الأممي 2254 ورغم وضوحها من ناحية التطبيق، إلا أن بنود هذا القرار وجراء تعنت السلطة ودعم روسيا وإيران لها، فإنها بعيدة عن مواضع التنفيذ. وبطبيعة الحال فإن الواقعية السياسية تقتضي القول بأن القرار الأممي 2254 يحتاج إلى أرضية سورية صلبة يُبنى عليها الحل. ولا يمكن ذلك إلا عبر بناء مسار سياسي جامع لكل السوريين تحكمه نخب سورية وطنية غير مؤطرة بأي أجندة خارجية، والأهم أن يقوم السوريون بتحمل مسؤولياتهم تجاه سوريا والكف عن تخوين وتحييد من يقدم مشروعًا وطنيًا يتعلق بأسس الحل السياسي في سوريا.
اقرأ/ي أيضاً: الفاتورة الأمنية.. عبء جديد يثقل كاهل السوريين
وربطًا بهذا الواقع، فقد أكد الدكتور حسن مرهج الباحث السياسي أن الحوار السوري السوري في هذا التوقيت الإقليمي المتوتر بات ضرورة لإنقاذ سوريا والسوريين. ويؤكد الدكتور حسن أن معوقات انطلاق الحوار السوري السوري تتعلق بأمرين: أحدهما داخلي والآخر خارجي.
يقول الدكتور حسن إن العامل الداخلي المؤثر والمانع لانطلاق حوار سوري سوري يعود إلى أن الفريق السوري المرتبط بالسلطة يرفض الحوار على طريقة حل الأزمة السورية، ويرفض أيضًا مناقشة مستقبل النظام أو شكله السياسي. وهذا يعني أن السلطة ترفض من حيث الشكل والمضمون منطق الحوار. ولكم أن تتخيلوا أن كل ما تقدمه السلطة ينطلق من واقع الأحادية والشمولية، والتابعين لهذه السلطة والذين يطالبون بالحوار يضعون مشهدًا لا يمكن مناقشته يتمثل بإعادة استنساخ هذه السلطة لكن بصورة أكثر استبدادية. وبالتالي لا يعول على السلطة أو على فريقها في أي حوار يتعلق بحل الأزمة السورية، ولنا أمثلة كثيرة على ذلك.
ويُضيف الدكتور حسن أن العامل الخارجي بطبيعة الحال يرتبط مباشرة بنوايا وأهداف ومصالح القوى الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري. ومن المؤسف أن هناك سوريين مرتبطين بشكل مباشر سواء بالأجندة الإيرانية أو الروسية والتركية. وهنا نتحدث عن مسار أستانا ومثله سوتشي، واللذان قاما بجهود روسية وإيرانية وتركية والسلطة بإقصاء مكونات سورية لها وزن سياسي وقوى حية على الأرض. ولكن أيضًا أن تتخيلوا هنا حوارًا برعاية هذه الدول التي استأثرت بالحل السياسي الذي يناسبها ويناسب السلطة فقط.
ويختم الدكتور حسن قوله بأن مجلس سوريا الديمقراطية الذي طرح عدة مبادرات سياسية ورؤى واقعية تتناسب وتعقيدات الحل السياسي في سوريا، بالإضافة إلى تشجيع المجلس فكرة الحوار السوري السوري وضرورياته المعنية بتوحيد كلمة السوريين، والأهم في هذا السياق الندوات الحوارية التي تنظمها مسد، فإن كل هذا هو في العمق مسار سياسي يُمكن البناء عليه للخروج من الأزمة السورية. بالإضافة إلى ذلك فإن حراك السويداء هو أيضًا بمثابة الفرصة التي يجب على كل السوريين التشبث بها لإحراج السلطة وإجبارها على الإنصياع لرغبات السوريين فقط.
اقرأ/ي أيضاً: تجار حلب في الساحل السوري.. من ملاذ آمن إلى حصار اقتصادي
يتفق غالبية السوريين أن مسارات “أستانا” و”سوتشي” وغيرها من المسارات السياسية التي تُعقد برعاية روسيا وإيران وتركيا لا يمكن البناء عليها لبناء حوار جاد وعلى مستوى الأزمة السورية. ولا تعدو هذه المسارات عن كونها معادلة تخدم مصالح الرعاة لهذه المسارات، وكأن سوريا باتت مسرحًا يتقسم بما يناسب مصالح ورغبات إيران وروسيا وتركيا. وضمن ذلك فإن السلطة تعمل على إطالة أمد الأزمة عبر التماهي مع رغبات حلفائها.
في الختام، يبقى الحوار السوري السوري الملاذ الوحيد لإنقاذ سوريا والسوريين من تداعيات الأزمة الراهنة. ويتطلب ذلك جهودًا وطنية صادقة تتجاوز التأثيرات الخارجية وتضع مصلحة سوريا والسوريين في المقام الأول. إن تحقيق هذا الحوار الشامل والمنتج هو التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخهم.
عمار المعتوق
دمشق