منذ احتلال منطقة عفرين في عام 2018، ارتكبت تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها سلسلة من الانتهاكات البيئية العميقة التي طالت الغطاء النباتي والأشجار في المنطقة، والتي ترقى وفق القانون الدولي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
واستهدف الاحتلال التركي البيئة الطبيعية بشكل متقصد، ممّا أدى إلى تدمير جزء كبير من الغطاء النباتي وتدهور الأراضي الزراعية.
هذه الانتهاكات تُعتبر جزءًا من سياسة منهجية تستهدف إضعاف السكان الأصليين من الكُرد، وتحويل المنطقة إلى منطقة خاضعة للاحتلال من خلال الضغط على الأهالي.
ومن أبرز الانتهاكات المتعلقة بالأشجار والغطاء النباتي في عفرين، هي قطع الأشجار، حيث يُعدّ الزيتون من أهم المحاصيل الاقتصادية والثقافية في عفرين، وتتعمد تركيا وفصائلها استهداف هذه الشجرة منذ عام 2018، حيث يتم قطع آلاف الأشجار لأغراض التجارة مثل بيع الأخشاب أو استخدامها في صناعة الفحم. فضلاً عن قطعها وبناء المستوطنات والقواعد العسكرية مكانها.
وإلى جانب الزيتون، يتم قطع أشجار أخرى، بما في ذلك الأشجار الحراجية، لأغراض تجارية مثل بيع الأخشاب أو استخدامها في البناء.
كما تم حرق مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية في عفرين، والتي كانت تُستخدم من قبل السكان للزراعة والرعي. على سبيل المثال، تم حرق أكثر من 150 هكتاراً من الغابات في مناطق مثل راجو وميدان أكبس في عام 2020، و 150 هكتاراً أخرى في عام 2024.
إلى ذلك، تم توثيق سرقة محصول الزيتون على نطاق واسع في عفرين وريفها، ولم تقتصر السرقة على موسم الزيتون، بل تعرض إنتاج أشجار أخرى مثل السماق، والكرز، وورق العنب للسرقة أيضاً على يد الفصائل الموالية لتركيا.
وكانت منطقة عفرين قبل احتلالها من قبل تركيا تضم نحو 18 مليون شجرة زيتون، كانت تشكل أكثر من 70 % من مصدر دخل الأهالي عبر عمليات بيع الزيت والزيتون في الداخل وتصديره إلى خارج البلاد.
توثيق تدمير طبيعة عفرين
وخلال الأعوام الماضية، أظهرت منظمة حقوق الإنسان في عفرين وثائق تؤكد الأضرار الجسيمة التي لحقت بطبيعة منطقة عفرين بفعل عمليات الاحتلال التركي والفصائل التابعة له. وبحسب تقارير المنظمة، تم قطع أكثر من 500 ألف شجرة زيتون، يعود عمر بعضها لأكثر من قرن، في انتهاكات تستهدف الاقتصاد المحلي والثروة البيئية للمنطقة.
وتشير المنظمة إلى أن ما تم توثيقه من هذه الانتهاكات لا يشكل سوى نسبة ضئيلة، لا تتجاوز 30% من إجمالي التجاوزات المرتكبة بحق الأشجار في المنطقة.
علاوة على ذلك، تعرضت الغابات الحراجية والطبيعية لحرائق واسعة النطاق، أدت إلى تدمير حوالي 25 ألف شجرة زيتون كانت قريبة من تلك الغابات.
وفي شهري تموز وآب الماضيين وثّقت المنظمة حرائق متعمدة أحرقت نحو 4 آلاف شجرة زيتون في مناطق مثل راجو وبلبله، قامت بها الفصائل الموالية لتركيا. كما شهدت المنطقة قلع أكثر من 20 ألف شجرة زيتون من جذورها بحجة توسيع الطرق وإنشاء القواعد العسكرية.
إن عمليات القطع والحرق حوّلت عفرين من منطقة غنية بالغطاء النباتي إلى منطقة متدهورة بيئياً. فمن بين 39,500 هكتار من الغابات التي كانت موجودة قبل الاحتلال، تعرضت أكثر من 65% من تلك المساحة للضرر بشكل أو بآخر.
وبالنسبة للأراضي الزراعية، كانت مساحة الزراعة في عفرين تقدر بنحو 33 ألف هكتار قبل الاحتلال، وتم حرق وتخريب حوالي 12 ألف هكتار منها خلال عامي 2018 و2019، أي ما يعادل ثلث المساحة الزراعية تقريباً.
هذه الإحصاءات تعكس حجم الدمار البيئي الكبير الذي شهدته المنطقة، مع تأثيرات طويلة الأمد على السكان المحليين ومواردهم الاقتصادية.
التدمير البيئي كأداة حرب
وتستخدم تركيا وفصائلها تدمير البيئة كأداة ضغط على السكان الأصليين، إذ تستخدم تدمير البيئة كجزء من استراتيجية طويلة الأمد للضغط على السكان الكُرد من خلال تجريدهم من مواردهم الطبيعية مثل الأشجار والمحاصيل، وذلك بهدف إجبار السكان على النزوح والهجرة.
تغيير التكوين الديمغرافي
استهداف الأشجار والغطاء النباتي يأتي أيضاً في إطار عملية التغيير الديمغرافي التي تمارسها تركيا في عفرين، حيث تُستخدم الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات والزراعات لتشييد المستوطنات التي يسكنها مستوطنون من مناطق أخرى تحت إشراف تركيا وفصائلها.
آثار طويلة الأمد
ويؤثر تدمير الغطاء النباتي والأشجار على البيئة بشكل كبير، مما يؤدي إلى انخفاض التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي الزراعية.
وبما أن الأشجار المثمرة مثل الزيتون تشكل مصدراً رئيسياً للدخل لغالبية العائلات الكردية في عفرين، فإن قطع الأشجار وحرمان السكان من هذه الموارد يفاقم من معاناتهم الاقتصادية.
فضلاً عن أن تدمير الطبيعة يشكل صدمة للمجتمعات المحلية التي ارتبطت حياتها ارتباطاً وثيقاً بالأشجار والمحاصيل.
وتُظهر هذه الانتهاكات المتعلقة بالأشجار والغطاء النباتي في مقاطعة عفرين، حجم الدمار البيئي الذي تسبب فيه الاحتلال التركي والفصائل التابعة له منذ احتلالهم لعفرين في آذار/ مارس 2018.
تدمير البيئة وفق القانون الدولي
إن قطع الأشجار خلال النزاعات المسلحة يخضع للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر الأفعال التي تؤدي إلى دمار غير مبرر للبيئة الطبيعية، بما في ذلك الغابات والأشجار المثمرة.
ووفق البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف لعام 1949 (المادة 35 والمادة 55)، يحظر استخدام الأساليب أو الوسائل الحربية التي تُلحق أضراراً واسعة أو طويلة الأمد وشديدة بالبيئة الطبيعية.
ويُعتبر قطع الأشجار على نطاق واسع أو تدمير الغطاء النباتي جزءًا من هذه الأضرار إذا تم استخدامه كاستراتيجية لتجويع السكان المدنيين أو إضعافهم، وهو ما يعد انتهاكاً لهذه المعاهدات.
وهناك اتفاقيات دولية أخرى، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تؤكد على أهمية حماية البيئة حتى أثناء النزاعات المسلحة. كما تنص على وجوب تجنب الممارسات التي تؤدي إلى تدهور البيئة وتؤثر على المجتمعات المدنية.
الآثار القانونية
إن ارتكاب مثل هذه الأفعال دون مبرر عسكري يمكن أن يُعتبر جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يتم تصنيف الهجمات التي تُلحق أضراراً بيئية واسعة ضمن الجرائم التي قد يُحاسب عليها الأطراف المتورطون.
لماذا لا تُحاسب تركيا؟
رغم توثيق منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية لانتهاكات البيئة في عفرين، لا يتم محاسبة تركيا قانونياً على جرائمها وذلك لغياب الإرادة السياسية للدول الكبرى والمنظمات الدولية في محاسبتها، فضلاً عن أن بعض الدول تتغاضى عن هذه الانتهاكات بسبب مصالحها الاقتصادية والسياسية مع تركيا، مثل التعاون التجاري أو القضايا المتعلقة باللاجئين.
وهذا ما يساعد تركيا في الإفلات من العقاب، ورفع وتيرة الجرائم التي ترتكبها في عفرين.