لم يغب الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث عن دائرة التأثير في العناوين السياسية والعسكرية للمشهد السوري، خاصة أن محافظتي درعا والسويداء كان لهما تأثير وازن في الخارطة السورية إبان اندلاع الأزمة. ومع التطورات والمتغيرات التي طرأت على الملف السوري، وازدياد الضغوط بمستوياتها كافة على السلطة الحاكمة، إضافة إلى توغل إيران وميليشياتها في عموم الجنوب السوري، تسلط الضوء بكثافة على المحافظات الجنوبية الثلاث.
مع هدوء المعارك في الجنوب السوري، واقتصار المشهد الأمني على عمليات اغتيال أو خطف وما شابه، وحراك السويداء الذي دخل عامه الثاني، بدأ مشهد جديد يتخذ مناحٍ متعلقة بممارسات السلطة حيال جيرانها الإقليميين، وما تقوم به إيران والفصائل المرتبطة بها، وصولًا إلى الفرقة الرابعة سيئة الصيت، ليدخل مشهد تجارة الكبتاغون في الجنوب السوري عناوين وتأثيرات جديدة.
يظن البعض أن الجنوب السوري بات بعيدًا عن عيون وأهداف السلطة، إلا أن الوقائع تؤكد بما لا يدعُ مجالًا للشك أنه تحول إلى سوق كبيرة لتجارة الكبتاغون. هو سوق تديره السلطة عبر الفرقة الرابعة وفرع الأمن العسكري، إضافة إلى إيران والفصائل التابعة لها من حزب الله وغيره، الأمر الذي يزيد من هواجس السوريين.
أصبح الواقع السوري في ظل السلطة الحالية، وجراء تجارة الكبتاغون وتصديره إلى دول الجوار، يطلق على سوريا تسمية “دولة المخدرات”، وفقًا لتقارير إقليمية ودولية تابعت عن كثب نشاط تجار المخدرات في سورية والشبكات المرتبطة بهم في الدول العربية والخليجية والغربية.
اقرأ/ي أيضاً: هل خرجت دمشق من “محور المقاومة” بعد حرب غزة ؟
وإن كان يصعب تتبع نشاط تجار المخدرات في الجنوب السوري تحديدًا، فإن المصادر تؤكد أن هؤلاء التجار يتبعون مباشرة للسلطة، ويعملون كعناصر أمنية في الفرقة الرابعة أو فرع الأمن العسكري في درعا والسويداء، إضافة إلى عناصر تابعين لإيران ترتبط بالحرس الثوري.
نتيجة لذلك، أصبح الجنوب السوري بؤرة لتجارة الكبتاغون، مما يزيد من تعقيد المشهد السوري. فالسلطة الحاكمة ترفض الحلول السياسية وتسمح لأجهزتها الأمنية والعسكرية وإيران وفصائلها بالتعمق في تصنيع وتجارة المخدرات، وتصديرها عبر شبكات خاصة إلى الأردن وعبره إلى دول الخليج العربي.
الأردن أبرز المتضررين من السلطة وإيران
لا يكاد يمرّ يوم دون أن تُعلن الجهات الأمنية في الأردن عن ضبط شحنات كبتاغون قادمة من سوريا. وقد قام الأردن بعمليات أمنية وعسكرية محدودة قرب الحدود السورية، وصلت في بعض الأحيان إلى إطلاق نيران الجيش الأردني في عمق درعا والسويداء، محاولًا الحد من نشاط تجار المخدرات.
لم تكن زيارة وزير الخارجية الأردني إلى سوريا ولقاؤه رأس السلطة بعيدة عن معاناة الأردن من الكبتاغون. وبصرف النظر عن الجانب السياسي للزيارة، فإن معاناة الأردن تفرض تعاطيًا جديدًا مع الملف السوري، يتضمن وضع السلطة أمام أمر واقع يتعلق بالحد من نشاط تجار المخدرات في الجنوب السوري.
وفقًا لمصدر أمني أردني، حمل وزير الخارجية الأردني خلال لقائه بالأسد خرائط توضح أماكن نشاط تجار المخدرات في درعا، مع فيديوهات مصورة من طائرات استطلاع تثبت تورط الفرقة الرابعة في هذا النشاط. طالب الوزير الأردني دمشق بوضع حد للانفلات الأمني ومنع نشاط تجار المخدرات، والمساعدة في تأمين المعابر غير الشرعية بين سوريا والأردن.
اقرأ/ي أيضاً: سوريا بين استعصاء الحل السياسي وضرورة المبادرة الوطنية
إلا أن رأس السلطة لم يبدِ اهتمامًا بهذه المطالب. بل أكد للوزير الأردني أن سوريا تمنع تجارة الكبتاغون وتحارب المهربين، مشيرًا إلى التحديات الأمنية التي تمنع الجيش السوري من القيام بمهامه على الحدود. وطلب نقل رسالة ضمنية للدول العربية والخليجية بضرورة الحد من السياسات الأمريكية والأوروبية تجاه السلطة.
إغراق دول الجوار السوري بـ الكبتاغون
يبدو أن الجنوب السوري أصبح نقطة انطلاق لحبوب الكبتاغون، ليس فقط إلى دول الجوار، بل وصولًا إلى الدول الأوروبية عبر وسطاء. وتسعى السلطة من خلال إشرافها المباشر على تصنيع وتجارة وتهريب الكبتاغون إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
الهدف الأول: استخدام الكبتاغون كسلاح ضغط سياسي. تحاول السلطة إغراق الأردن ودول الخليج بالمخدرات لإجبارها على تغيير موقفها السياسي. خاصة في ظل الوحدة السياسية الحالية، حيث روسيا منشغلة بحرب أوكرانيا وإيران تعاني من تراجع نفوذها.
الهدف الثاني: تحقيق مكاسب مالية ضخمة. في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، تعتبر تجارة الكبتاغون مصدرًا رئيسيًا لتمويل مؤسسات السلطة، على حساب المعاناة الاقتصادية المتزايدة للسوريين.
ختامًا، أصبح الكبتاغون السوري مصدر قلق كبير لدول الشرق الأوسط مثل الأردن والسعودية والإمارات. ورغم سنّ قوانين صارمة لمكافحة تهريب المخدرات، يستمر تهريب الكبتاغون بكميات كبيرة من سورية بإشراف سوري إيراني مباشر. ويمكن القول إن تدفق حبوب الكبتاغون عبر الجنوب السوري إلى الأردن أصبح مشهدًا يوميًا، مؤشرًا واضحًا على اعتبار السلطة الحاكمة في دمشق المخدرات سلاحًا سياسيًا يستهدف الدول العربية والخليجية والغربية.
عمر الصحناوي السويداء