إن الوضع في سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد وخروجه من المشهد يمثّل فرصة ذهبية لمسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي في سعيهم لاستغلال أي حالة من الفوضى في استرجاع مساحاتٍ من جغرافية البلاد بعد القضاء عليها في آخر معاقله في الباغوز شرقي سوريا عام 2019 على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، ويسعى جاهداً إلى تحرير مقاتليه المحتجزين في سجونٍ تحت سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وما أعلنه قوات سوريا الديمقراطية عن سيطرة عناصر التنظيم المتطرف على بعض المناطق في البادية يثير تساؤلات مهمة عن مدى قدرة تلك المجاميع الإرهابية على إعادة تنظيم صفوفها واستغلال التطورات المتسارعة للحصول على مكاسب ميدانية.
وفي السياق، ذكر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الجمعة الفائت أنه “بسبب أحدث التطورات، هناك تحركات متزايدة لعناصر داعش في البادية السورية وفي جنوب وغرب دير الزور وريف الرقة”.
كما أكّد عبدي أن “هناك فراغ كبير في البادية السورية، تملؤه مرتزقة داعش بعد انسحاب قوات النظام السابق، ويجب حماية مناطق دير الزور والرقة والطبقة من هجمات داعش، ونحن نُنسق مع قوات التحالف الدولي لمواجهة خطر مرتزقة داعش في المنطقة، في هذه الظروف”.
اقرأ/ي أيضاً: في حماه.. سيارات مسروقة والضحايا مدنيون
وفقاً للتقارير الأخيرة، شهد النصف الأول من عام 2024 تصعيداً ملحوظاً في عمليات تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، حيث نفذ التنظيم حوالي 473 عملية، ما يمثل زيادة بنسبة 250 بالمئة مقارنة بعام 2023. تركزت الهجمات بشكل أساسي في مناطق دير الزور، الرقة، وحوض الفرات، حيث سجلت الأخيرة 34 عملية خلال سبعة أشهر. في المقابل، أحبطت قوات سوريا الديمقراطية، العديد من محاولات التنظيم، بالتعاون مع التحالف الدولي.
فيما أعلنت القيادة المركزية الأميركية، في بيان لها، عن تنفيذ عشرات الغارات الجوية الدقيقة على معسكرات وعناصر بارزة لتنظيم “داعش” في وسط سوريا يوم 8 ديسمبر. استهدفت العملية أكثر من 75 هدفاً باستخدام قاذفات بي-52 وطائرات أف-15، وأكد البيان الأولي عدم وقوع خسائر بين المدنيين. تهدف هذه العمليات إلى منع التنظيم من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم إعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا.
وخلال جلسة لمجلس الأمن لبحث الأوضاع في سوريا، حذّر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، يوم الثلاثاء الفائت، من أن الوضع في سوريا خطيرٌ ومتغير، مضيفاً أن هناك مساحاتٌ شاسعة من البلاد تخضع لسيطرة أطراف من غير الدول، وأن الوضع قد يؤدي إلى عودة ظهور تنظيم “داعش”.
ووفقاً لـ “وكالة الصحافة الفرنسية”، لا شك أن عدم اليقين والحروب وفراغ السلطة هي ما ينشده عناصر التنظيم الذين يتحركون ضمن خلايا صغيرة في صحراء شرق البلاد، وسيسعون لاستغلال المرحلة الانتقالية الصعبة بعد 13 عاماً من الحرب.
فمن دون أدنى شك أن الفوضى والانفلات، سيكونان حتماً نعمة لتنظيم “داعش” الذي ينتظر مثل هذه الفرصة ليعيد بناء شبكاته ببطء، ولكن بثبات في جميع أنحاء البلاد، فتنظيم “داعش” معروفٌ تاريخيا بأن له براعة وخبرة في استغلال واستثمار الاضطرابات لصالحه، ويبدو أنّه في حالةٍ من الترقب والانتظار لما سيحدث في سوريا. فالاضطرابات دائما ما تؤدي لانشغال القوى التي تواجه التنظيم كقوات سوريا الديمقراطية مما يسمح له بإعادة الهيكلة والانتشار بشكل أفضل، لا سيما وأن واحدة من أخطر المسائل التي لم تُحل لغاية الآن والتي دائماً ما تحذّر منها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هي وجود أكثر من 10 آلاف عنصر من “داعش” في سجون الإدارة وهؤلاء بمثابة جيش متكامل وقنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة.
وعطفاً على ما تمّ ذكره، فإن هناك ما يقرب من 60 ألف من عائلات وأقارب عناصر التنظيم المتطرف يتواجدون في مخيمات النازحين في سوريا كمخيم “الهول” و “روج”، وأن أيّ عملية مباغتة في لحظة اضطراب قد يتمكن من خلالها عناصر التنظيم المتطرف من اقتحام تلك السجون وإطلاق سراح عناصره، كما حصل خلال السنوات الماضية، لا سيما أن قوات سوريا الديموقراطية أعلنت مرارا وتكراراً إحباط هجمات مكثفة شنّها التنظيم ضد مراكز أمنية تضم معتقلين من “داعش”، وهجوم مسلحي التنظيم على سجن غويران في الحسكة عام 2022 خير مثالٍ على ذلك.
اقرأ/ي أيضاً: الطلاب في مناطق سيطرة السلطة والمستقبل المجهول
ويعتقد المدير العلمي لمركز «سوفان» في نيويورك كولن كلارك، أن قوات سوريا الديمقراطية قد لا تتمكّن من تأمين مراكز الاحتجاز الخاصة بمسجوني التنظيم المتطرف وعوائلهم لفترة أطول، خاصة إذا تعرضوا لهجوم من الجيش التركي الذي لا يوفّر أدنى فرصة للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وفي نهاية المطاف، سيتوقف الأمر جزئياً على ما إذا كانت هناك رغبة لدى الولايات المتحدة أم لا في الاحتفاظ ببضعة آلاف من الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا لمحاربة التنظيم، ومنع أنقرة من مهاجمة مناطق الإدارة الذاتية في سوريا.
وإذا كان لا يمكن التنبؤ بخطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فإن الحرب ضد التنظيم “هي جزءٌ من إرث” ولايته الأولى، وفق كولن كلارك.
الذي أضاف، أنه “لا يعتقد بأن إدارة ترامب سترغب في التراجع عن هذا الإرث من خلال سحب قواته وإعطاء الضوء الأخضر للأتراك، وإلا فإن تنظيم داعش سيكون المستفيد الأول”.
يُذكر أن تنظيم “داعش” سيطر في العام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وأعلن قيام ما يسميه “الخلافة” وأثار رعبا في المنطقة والعالم. وفي العام 2017، أعلن العراق دحر التنظيم بمساندة من تحالف دولي بقيادة واشنطن.
ثم اندحر التنظيم المتطرف في سوريا في العام 2019 أمام مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن.
وسيم اليوسف – إعلام مسد