إن الثورة السورية، التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان، خلّفت آثاراً مدمرة على حياة السوريين بشكل عام، وعلى النساء بشكل خاص. فقد عانت النساء السوريات معاناة مضاعفة جراء الأوضاع الإنسانية القاسية، حيث تحمّلن أعباء إضافية نتيجة النزوح والتشرد، والفقر المدقع، والانتهاكات الجسيمة لحقوقهن الإنسانية. ورغم هذه الظروف الصعبة، برهنَت النساء السوريات عن شجاعة استثنائية، وأثبتن دوراً حيوياً في الحراك الثوري، وكان لهن دور محوري في السعي نحو السلام والحرية، متحديات التهميش والعوائق التي فرضها الواقع.
إن المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا بعد إسقاط النظام الاستبدادي تتطلب توحيد الجهود بين جميع السوريين والسوريات. يجب الاستفادة من الأخطاء السابقة، ومعالجة التهميش الممنهج الذي طال المرأة السورية. إن تحقيق سوريا المستقبل لا يكون إلا من خلال ضمان مشاركة المرأة السورية الفعالة في جميع المجالات. في هذا السياق، يجب أن تكون المرحلة الانتقالية فرصة لتمكين المرأة، ليس فقط لتجاوز الماضي المظلم، بل أيضاً لبناء مجتمع سوري جديد أساسه العدالة والمساواة.
اقرأ/ي أيضاً: سوريا ما بعد التغيير.. نموذج الإدارة الذاتية ومستقبل الحوار الوطني
تحتاج سوريا إلى ضمان حقوق المرأة وتمكينها في كافة المجالات من خلال الاستجابة الفورية لمتطلبات النساء السوريات. هذا يتطلب التزام الحكومة الانتقالية، والمجتمع الدولي، والقوى المحلية والإقليمية بتطوير استراتيجيات شاملة لحماية المرأة، وإشراكها الفاعل في عمليات صياغة الدستور، وبناء السلام، وإعادة الإعمار. إن حقوق المرأة السورية لم تعد مجرد قضية محلية بل هي قضية إنسانية ذات بعد عالمي يتطلب تدخلات عاجلة، فالمساواة بين الجنسين لا تقتصر على كونها شعارًا، بل هي الأساس لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستقرارًا.
أهمية وجود المرأة في مواقع صنع القرار
“لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية الحقيقية دون مشاركة المرأة، وهذا ما يجب أن نقرّ به جميعاً. فغياب النساء عن قيادة وصنع القرار يحرم نصف المجتمع من المساهمة في صياغة القوانين والقرارات التي تنظم عمل الدولة في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية وغيرها.” إن مشاركة المرأة في الحياة السياسية ليست رفاهية أو ترفًا، بل هي ضرورة ملحة لبناء دولة ديمقراطية يسود فيها مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة.
وجود المرأة في مواقع القيادة لا يتعلق فقط بمفهوم النسوية، بل هو أمر يعكس مدى تقدم المجتمع وديمقراطيته. في السياق السوري، من الضروري أن تكون النساء السوريات جزءاً أساسياً من العملية السياسية، ليكنّ جزءاً من عملية صياغة الدستور وبناء الدولة، إذ لا يمكن بناء سوريا مستدامة دون تمثيل فعال وحقيقي للمرأة.
أهمية مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي
لا يقتصر على دور المرأة في صنع القرار السياسي كونها احتياجاً محلياً فقط، بل هو ضرورة حتمية في مواجهة التحديات التي تعيشها سوريا اليوم. فالأزمة السورية متعددة الأبعاد، تشمل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية، والمرأة جزء أساسي من هذه التعددية. لذلك، من الضروري أن يكون للمرأة دور مؤثر في العمل السياسي، حيث يُمنح لها صوت ورأي يمكنها من التأثير على سير العملية السياسية.
يجب أن تعكس مشاركة النساء السوريات في السياسة تنوعهن الفكري والإيديولوجي، سواء كن من الريف أو المدن، متدينات أو علمانيات. يجب على النساء السوريات أن يكنّ مشاركات نشطات في النقاشات السياسية، بحيث يتحدثن عن قضاياهن واحتياجاتهن. هذه المشاركة تساهم في كسر الحواجز النمطية والتمييز الذي استمر لعقود طويلة ضد النساء.
اقرأ/ي أيضاً: أسئلة بديهية عن حوار سوري في واقع ينهار
من خلال تمثيل النساء بفعالية في محادثات السلام، والمفاوضات، وصياغة الدستور، وعمليات بناء السلام، نكون قد بدأنا في كسر حواجز التمييز ضدهن، مما يساهم في خلق بيئة شاملة تسهم في حل الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعاني منها سوريا.
دور المرأة في بناء السلام
دور المرأة في عملية بناء السلام ليس شكلياً أو ثانوياً، بل هو دور محوري وفعّال. فقد أثبتت المرأة قدرتها على المساهمة الفاعلة في دبلوماسية السلام، سواء على المستوى الدولي أو في الميدان. كما أن مساهمة المرأة في حفظ السلام وبناء المجتمعات لا يمكن تجاهلها. المساواة الجندرية هي رسالة قوية تدعو المجتمعات إلى التمسك بمبادئ العدالة والمساواة. فكلما سادت المساواة، انخفض العنف بمختلف أشكاله، من العنف المنزلي إلى العنف المجتمعي، بل وحتى العنف الذي نشأ من الحروب.
إن تحقيق المساواة بين الجنسَين يُعد أحد أهداف التنمية المستدامة التي يجب أن نركز عليها من أجل بناء مستقبل أفضل لسوريا. سوريا بحاجة إلى نموذج من الديمقراطية والتعايش المشترك، حيث يتمتع كل من الرجل والمرأة بنفس الحقوق والفرص في جميع جوانب الحياة.