إن التقدم السريع والمفاجئ الذي حققته إدارة العلميات العسكرية، والتي أطاحت بنظام بشار الأسد واستلامها مقاليد الحكم، قد خلق فراغاً أمنياً واسعاً في سوريا، لا سيما في المناطق الصحراوية والبادية السورية. هذا الفراغ يشكّل بيئة خصبة لعودة نشاط تنظيم “داعش”، الذي لا يزال يحتفظ بجيوبٍ وعناصر نشطة رغم الضربات الكبرى التي تعرض لها في السنوات الأخيرة.
على الرغم من إعلان هزيمة “داعش” كدولة “خلافة” مزعومة، إلا أن التنظيم أثبت قدرته على التكيف واستغلال الفوضى والفراغات الأمنية لإعادة تنظيم صفوفه، وتجديد موارده البشرية واللوجستية، ما يجعله تهديدًا مستمرًا للمنطقة والعالم.
التنظيم العالمي.. شبكة لا تزال حية
باعتباره تنظيماً إرهابياً عالميا، لا يزال “داعش” نشطًا في أكثر من 12 دولة حول العالم، حيث ألهم العديد من الأفراد والخلايا للقيام بعمليات إرهابية خلال السنوات الأخيرة. وبينما لم يعد التنظيم يسيطر على مساحات جغرافية واسعة كما كان الحال خلال “الخلافة المزعومة”، إلا أنه تحوّل إلى شبكة لامركزية تعتمد على خلايا متناثرة وأسلوب حرب العصابات.
في آذار/مارس 2024، نفّذ التنظيم أحد أخطر هجماته الأخيرة، حيث استهدف مركز تسوق في العاصمة الروسية موسكو. أسفر الهجوم عن مقتل 150 شخصًا وإصابة أكثر من 500 آخرين، ليؤكد أن التنظيم ما زال يمتلك القدرة على تنفيذ عمليات مدمرة خارج معاقله التقليدية.
اقرأ/ي أيضاً: مأساة المخيمات في إدلب.. شتاء آخر في وجه العواصف
وفي الولايات المتحدة، أثار هجوم في نيو أورليانز قلق السلطات الأمنية، حيث قام منفذ الهجوم، شمس الدين جبار، بدهس حشود بسيارته، ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا. أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الهجوم كان مستوحى من تنظيم “داعش”، وأظهرت التحقيقات أن منفذ الهجوم نشر مقاطع فيديو تشير إلى ولائه للتنظيم قبل ساعات من العملية.
خطر الهجمات منخفضة التقنية
يمثل “داعش” خطراً دائماً من خلال الهجمات منخفضة التقنية، مثل الطعن أو الدهس أو إطلاق النار العشوائي، وهي عمليات يصعب اكتشافها والتصدي لها. خلال السنوات الأخيرة، نفذ التنظيم عمليات دهس في مدن أوروبية كبرى، مثل نيس وبرشلونة وبرلين ونيويورك، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص.
تشير التقارير الأمنية إلى أن التنظيم يواصل تشجيع أتباعه على استخدام أساليب بسيطة لتنفيذ هجمات مدمرة، ما يجعل مراقبة هذه الأنشطة تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية.
فراغ السلطة في سوريا فرصة للتوسع
يشكل سقوط نظام الأسد وانسحاب تشكيلاته العسكرية تهديداً كبيراً، حيث يمكن أن يُتيح لتنظيم “داعش” استغلال الفوضى للتوسع من معاقله الصحراوية النائية. في اليوم الذي فرّ فيه بشار الأسد من البلاد، شنّت القيادة المركزية الأمريكية هجمات مكثفة استهدفت أكثر من 75 موقعاً للتنظيم في سوريا، في محاولة لإجهاض أي خطط لإعادة تشكيل قوته.
تشير تقارير صادرة عن “مركز صوفان” إلى أن هجمات التنظيم في سوريا تضاعفت ثلاث مرات في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، حيث بلغت حوالي 700 هجوم. وقد شهدت هذه العمليات تطوراً ملحوظاً من حيث التنظيم والفتك والانتشار الجغرافي، ما يعكس قدرة التنظيم على الاستفادة من الأوضاع الأمنية المتدهورة.
مخيمات وسجون “داعش” قنابل موقوتة
تعتبر منشآت الاحتجاز التي تحتجز آلاف العناصر من تنظيم “داعش” في شمال وشرق سوريا واحدة من أبرز التحديات الأمنية. حذر مسؤولون عسكريون من خطط التنظيم لتحرير أكثر من 8,000 عنصر محتجز في هذه المنشآت، وهو ما قد يعيد تعزيز وجوده في المنطقة.
في مخيم الهول وحده، الذي يضم أكثر من 50 ألف محتجز، تعكس العمليات الأمنية المستمرة حجم التهديد القائم. تشير التقارير إلى أن النساء المرتبطات بالتنظيم يواصلن نقل الفكر المتطرف إلى أطفالهن البالغ عددهم نحو 7,300 طفل، ما يساهم في خلق جيل جديد من المتطرفين.
اقرأ/ي أيضاً: السوريون يؤكدون على ضرورة الحوار السوري-السوري لتحديد مستقبل البلاد
العمليات الإرهابية التي وقعت داخل المخيم نسبتها التقارير إلى نساء التنظيم، وخصوصاً أولئك اللواتي كنّ جزءاً من “شرطة الحسبة”. وقد حاولت العديد من النساء الفرار من المخيم، إلا أن معظم المحاولات باءت بالفشل.
التداعيات الإقليمية والدولية
يشعر المسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا بالقلق من أن استعادة تنظيم “داعش” لنفوذه قد يؤدي إلى تصعيد الهجمات الإرهابية داخل وخارج سوريا. إذا تمكن التنظيم من تحرير عناصره المحتجزة، فقد يتمكن من تنفيذ عمليات واسعة النطاق في تركيا وأوروبا، ما يعزز مكانته بين أتباعه ويزيد من جاذبيته للذئاب المنفردة حول العالم.
ضرورة تعزيز الجهود الدولية
رغم الضربات الأمنية التي تعرض لها التنظيم، فإنه يظل خطرا كبيرا على السلم والأمن الدولي. يتطلب القضاء على التنظيم نهجا شاملاً يشمل تعزيز التنسيق بين القوى المحلية والدولية، ودعم القدرات الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية، ومنع التنظيم من استغلال أي فراغ أمني.
إعادة ترتيب الأولويات الأمنية للمجتمع الدولي أصبحت ضرورية، خاصة مع تزايد المخاطر المرتبطة بعودة “داعش” كقوة إرهابية قادرة على زعزعة استقرار المنطقة والعالم.
وسيم اليوسف – إعلام مسد