بين المعاناة والتمسك بالهوية، يواصل آلاف المهجرين الكرد من عفرين نضالهم لاستعادة ديارهم التي أجبروا على مغادرتها بفعل الهجمات التركية في 2018. عفرين، التي كانت رمزاً للسلام تحوّلت بفعل الانتهاكات الممنهجة إلى مسرح لسياسات تهدف إلى التغيير الديمغرافي وطمس الهوية الكردية. رغم كل الآلام، يبقى الأمل في العودة إلى الديار حياً، وسط دعوات تتجدد لتحرك دولي يضمن عودة آمنة تحفظ كرامة المهجرين وحقوقهم.
في عام 2018، أصبحت عفرين مسرحاً لمأساة إنسانية جديدة تضاف إلى فصول الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد. الهجوم التركي وما تبعه من عمليات تهجير قسري طالت أكثر من 300 ألف شخص، لم يكن مجرد نزوح من الأرض، بل كان جرحاً عميقاً في الذاكرة الجمعية للكرد، الذين وجدوا أنفسهم في رحلة طويلة من التشريد والمعاناة. ومع تعقيد المشهد السوري واستمرار الصمت الدولي، تتزايد المطالبات بوضع حد لهذه الانتهاكات وضمان حق العودة المشروط بضمانات دولية تحفظ سلامة وأمن المهجرين.
تهجيران قسريان والسبب تركيا
في 20 كانون الثاني من عام 2018، شنت تركيا وفصائل ما تسمى “الجيش الوطني” الموالية لها، هجمات على مدينة عفرين، وبعد 58 يوماً من المعارك اضطر أكثر من 300 ألف شخص للتهجير القسري من ديارهم بفعل الهجمات، وتوجه الأهالي إلى مناطق الشهباء في ريف حلب وعاشوا في المخيمات على أمل العودة إلى عفرين.
اقرأ/ي أيضاً: سد تشرين.. الأهمية الاستراتيجية ودوافع تركيا للسيطرة عليه والمخاطر المحدقة به
ولكن رغم ذلك لم تتوقف تركيا عن ملاحقتهم، فما أن بدأت معارك إدارة العمليات العسكرية ضد النظام السوري في 27 تشرين الثاني من عام 2024، حتى استغلت تركيا هشاشة الوضع السوري مجدداً وشنت هجمات على هؤلاء المهجرين في الشهباء، وأجبرتهم للتهجير القسري مرة أخرى وهذه المرة باتجاه شمال وشرق سوريا.
والآن بعد سقوط النظام السوري وبدء عودة اللاجئين والنازحين السوريين، يريد أهالي عفرين أيضاً العودة إلى ديارهم.
رحلة تهجير محفوفة بالمعاناة
تيسير رشيد مصطفى، أحد المهجرين من مدينة عفرين، اضطر بفعل الهجمات التركية إلى مغادرة مدينته، واستقر مع عائلته في منطقة الشهباء حيث عاشوا في ظروف قاسية على مدى سبع سنوات، محاولين التأقلم مع واقعهم الجديد.
ويقول تيسير: “كنا نسمع وعوداً بالعودة إلى عفرين، لكن الأحداث المتسارعة وتحولات النزاع حالت دون ذلك”، فهجمات الفصائل الموالية لتركيا على مناطقهم جعلت حلم العودة إلى الوطن أكثر صعوبة.
لاحقاً، انتقل تيسير إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث شعر بالأمان للمرة الأولى منذ التهجير. ورغم الاستقرار النسبي، يبقى حلم العودة إلى عفرين هاجساً يرافقه وعائلته.
يزن حسن: لن نتخلى عن عفرين
يزن حسن، شاب آخر من المهجرين، يسرد قصة معاناته منذ عام 2018 عندما بدأت الهجمات التركية على عفرين، والتي خلفت الدمار والمجازر واستهدفت كل من يعبر عن هويته الكردية، قائلاً: “لم يفرق الاحتلال بين مدني وعسكري. كانوا يسعون لمحو هويتنا الكردية”، ويشير يزن بحرقة إلى سياسة التجويع والتضييق التي تعرض لها المهجرون من مختلف الأطراف.
ورغم الحصار والتشريد، يؤكد يزن أن عزيمة المهجرين لم تنكسر. دعم الإدارة الذاتية وأهالي الرقة ساعدهم على الصمود، لكن العودة إلى عفرين تبقى هدفهم الأسمى. ويضيف: “مهما حاولوا إبعادنا عن وطننا، سنواصل النضال من أجل استعادته، بالسلم أو بالقوة”.
فاطمة محمد: نداء من قلب المعاناة
فاطمة محمد، مهجرة أخرى من عفرين، تعبر عن معاناة النساء الكرديات نتيجة ممارسات تركيا وفصائلها. تتساءل بحرقة: “لماذا تُقتل النساء؟ لماذا نُحرم من حقنا في الحياة بكرامة؟”.
تشير فاطمة إلى الانتهاكات التي تعرض لها أهلها، والتي طالت الأرواح والممتلكات، متهمة تركيا بنشر الفوضى والإرهاب في المنطقة. “كنا نعيش بسلام في منازلنا، لكنهم دمروا كل شيء”، تقول فاطمة وهي تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه القضية الكردية.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية في الساحل السوري.. بين محاسبة الماضي وبناء المستقبل
بالنسبة لفاطمة، العودة إلى عفرين ليست مجرد حلم، بل حق مشروع يجب أن يتحقق بضمانات دولية تضمن سلامة وأمن المهجرين.
رسالة المهجرين: العودة بضمانات دولية
مع كل ألم عاشه مهجرو عفرين، يبقى الأمل هو الوقود الذي يمدهم بالقوة للاستمرار والنضال من أجل حقوقهم. إن العودة إلى عفرين ليست مجرد حق إنساني، بل هي استعادة للهوية والثقافة والكرامة التي حاولت السياسات التركية وفصائلها طمسها على مدى سنوات. ومع استمرار دعواتهم للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه مأساتهم، تظل مطالبهم واضحة: عودة آمنة بضمانات دولية تحميهم من التهديدات، وتعيد إليهم ما فقدوه قسراً. عفرين بالنسبة لهم ليست مجرد أرض، بل هي ذاكرة وحلم يرفضون التخلي عنه، وهي وطن ينتظر أبناءه ليعيدوا بناءه بسلام وعدالة.
روزا عبود