تلقى أهالي الساحل السوري خبر سقوط النظام بمشاعر مختلطة بين الفرح والتوجس، فقد ترافق الفرح بتحررهم من قبضة عقود من القمع مع قلق عميق من الممارسات التي لطالما هددهم بها نظام الأسد. ومع اللحظة التاريخية للسقوط، كانت المنطقة تواجه تحديات إنسانية كبيرة وأوضاع اقتصادية متدهورة. هذا التقرير يستعرض انطباعات سكان الساحل عن الإدارة الجديدة، وأثر التغيير على حياتهم اليومية، والتحديات التي ما زالت تعيق عملية بناء سوريا جديدة ومزدهرة.
على مدار أكثر من خمس عقود، عمل النظام على تكريس سلطته في الساحل السوري من خلال أساليب القمع والترهيب التي استهدفت الجميع. كانت السلطة الأمنية هي السائدة، ما جعل الأهالي يعيشون في حالة من الاغتراب المستمر عن دولة لم تقدم لهم إلا القمع والتهديد. بيد أن سقوط النظام أحدث تحولاً جذرياً في الواقع، حيث تراوحت آمال السكان بين الانتعاش الاقتصادي وواقع ممارسات السلطة الجديدة التي بدأت تظهر على الأرض.
التحولات الاقتصادية والاجتماعية
بعد سقوط النظام، شهدت أسواق الساحل السوري تغييرات ملموسة، حيث انخفضت أسعار المواد الغذائية وتوفرت المحروقات، فيما ظلت بعض المشاكل، مثل انقطاع الكهرباء، قائمة. ما أضفى على الأجواء بعض الأمل كان انخفاض حدة القلق المرتبط بالتجنيد الإجباري، الذي كان يشكل معضلة كبرى للعديد من الأسر.
كما يقول محمد عبد الرحمن عيسى، متعهد بناء من ريف طرطوس: “انخفضت أسعار مواد البناء وانقض زمن الأفرع الأمنية التي كانت تتقاضى قواتها منا وانفتح السوق على العمل الحر. نأمل نحن كمتعهدين بناء ورجال أعمال في طرطوس أن تكون الإدارة الجديدة بوعودها قادرة على تعزيز ذلك لنتمكن من المساهمة في بناء سوريا الجديدة”.
اقرأ/ي أيضاً: كيف يستغل تنظيم “داعش” التحولات الجارية في سوريا؟
ولم يكن التغيير الاقتصادي وحده هو ما جذب الاهتمام، بل أيضاً بداية الظهور العلني للتجمعات السياسية والمدنية في مدن الساحل، وهي خطوة تعكس تطوراً نحو بناء أسس مدنية بعيداً عن سيطرة السلطة الأمنية. يقول عدنان حسن، محامي ومعارض سابق من الساحل: “لقد شهدت المدينة تجمعات مدنية وسياسية كانت محمية من قبل الإدارة الجديدة، وهو أمر لم يكن ليحدث في ظل النظام. وهذا يعزز من الثقة في التغيير”. هذا الحراك ساهم في تعزيز الثقة لدى السكان، الذين أصبحوا يلمسون تغيراً في طريقة تعامل الإدارة الجديدة مع مطالبهم.
التحديات المستمرة
لكن رغم التغيرات الإيجابية التي بدأت تلوح في الأفق، ما زال الساحل السوري يعاني من العديد من التحديات. أكبر هذه التحديات هو التأثير الكبير للفساد المستشري في الوظائف الحكومية، الذي ترك آثاراً عميقة في حياة الناس. العديد من العائلات تعتمد على الرواتب الحكومية التي كانت أساساً لمعيشتهم. كما أن وجود بعض العناصر الإجرامية المرتبطة بالنظام السابق، والتي تسعى لتقويض استقرار المنطقة، يمثل تهديداً مستمراً، رغم الجهود الحثيثة للإدارة الجديدة في الحفاظ على الأمن.
محمد عزيز ضرغام، وهو أب لثلاثة أبناء كانوا متطوعين في الجيش، قال: “لقد فقد أبنائي الثلاثة وظائفهم بعدما تم تسريحهم من الجيش، وعادوا إلى منزلي. مع العلم أن معظم الأسر في الساحل كان لديها على الأقل متطوع واحد في الجيش. الآن هؤلاء الشباب، إذا لم يجدوا عملاً، سيكونون عرضة لعصابات الجريمة”.
المخاوف من المستقبل
بينما يسعى سكان الساحل للتفاعل مع التغييرات التي يشهدونها، تظل هناك مخاوف من أن تكون هذه التغييرات سطحية أو غير مستدامة. غياب التنظيم السياسي المؤثر في الساحل السوري يزيد من الشكوك، ويجعل بعض السكان يعتقدون أن التحديات السياسية والاقتصادية قد تعيق فعالية الحكومة الجديدة في تلبية احتياجاتهم. إلا أن جهود الإدارة الجديدة في تفعيل اللجان المحلية والتواصل مع المجتمع المدني قد تمنح الأمل في تحسين الواقع على المدى الطويل.
اقرأ/ي أيضاً: مهجرو عفرين.. رحلة ألم وأمل العودة الآمنة بضمانات دولية
ويقول عدنان حسن في هذا السياق: “تدعو الإدارة الجديدة في كل يوم القرى والأحياء إلى تنظيم لجان للتنسيق معها، وتحاول التواصل مع منظمات المجتمع المدني لحل قضايا شائكة مثل نظافة الطرق، الاتصالات، والمياه في العديد من المناطق. كما تواصلت مع رجال دين وناشطين للبدء في تمثيل المدن والمناطق الساحلية. لكننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لنشهد التنظيم السياسي الفعلي في المنطقة”.
رغم الإيجابيات التي يمكن ملاحظتها في الواقع الجديد الذي يعيشه أهالي الساحل السوري، إلا أن الطريق نحو الاستقرار الكامل ما زال طويلاً ومليئاً بالتحديات. إن التحدي الأكبر أمام الإدارة الجديدة يكمن في ترسيخ المؤسسات المدنية والديمقراطية، وإحداث تغيير حقيقي في حياة السكان. وفي الوقت الذي يطمح فيه أهالي الساحل إلى بناء مستقبل آمن ومزدهر، يبقى الأمل معلقاً على قدرة هذه الإدارة على الوفاء بتعهداتها، وتحقيق الاستقرار بعيداً عن إرث النظام الفاسد.