منذ وقت مبكر، حددت محافظة السويداء مسارها السياسي والوطني عبر الحراك السياسي الذي شهدته على مدى عام ونصف قبيل سقوط نظام الأسد. وبعد السقوط، وجدت السويداء في المرحلة الجديدة فرصة لإعادة البناء والتأسيس لسوريا المستقبل. فقد فرضت التطورات السياسية والعسكرية في البلاد إيقاعاً جديداً على أهالي السويداء، يتطلب ترجمة هذا الزخم إلى خطوات عملية تساهم في صياغة مستقبل سوريا. يشكل هذا الإيقاع نقطة توازن ضرورية لضبط عمل الإدارة السورية الجديدة، بحيث يتلاءم مع تطلعات جميع السوريين، ويحول دون تكرار سياسات الاستئثار بالقرار السياسي التي انتهجها النظام السابق.
ترقب وإطار عمل سياسي
مع سقوط نظام الأسد، دخلت السويداء مرحلة الترقب إزاء التطورات السياسية، ورغم تأييد أهلها لعملية التغيير، فإن الهواجس ما زالت قائمة، خاصة فيما يتعلق بضمانات حماية حقوق الأقليات في الدولة الجديدة. ويبرز القلق من إمكانية تهميش المحافظة وأهلها في النظام الجديد، لا سيما بعد رفضها لمؤتمر تنصيب الرئيس المؤقت، ما أثار مخاوف من تحييدها عن المسار السياسي السوري.
في هذا السياق، يؤكد الناشط المدني فاضل محيثاوي أن مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده جاء صادماً لغالبية السوريين، إذ كانت التوقعات تتجه نحو مؤتمر أوسع يضم مختلف المكونات. ويشير إلى أن موقف السويداء من المؤتمر لم يُحسم بعد، إذ لا تزال المشاورات مستمرة بشأن آليات المشاركة والمطالب التي ينبغي طرحها لضمان تمثيل حقيقي وفاعل.
ويضيف محيثاوي أن تصريحات السيد أحمد الشرع، التي شدد فيها على خصوصية السويداء وحق أبنائها في اتخاذ قراراتهم السياسية والإدارية، لا تتوافق مع الواقع الحالي. ويرى أن الإدارة الجديدة مطالبة بتجنب القرارات التي قد تؤدي إلى إرباك المشهد السوري، والاعتماد على الحوار مع المكون الدرزي بدلاً من فرض سياسات بالقوة. ويشدد على أن مبدأ الشراكة الوطنية يجب أن يكون أساس العمل، مؤكداً أن أهالي السويداء يرفضون تكرار ممارسات الاستبداد، وأن بيان الشيخ حكمت الهجري جاء ليؤكد أن السويداء جزء أصيل من النسيج السوري، وأن أي مؤتمر لا يعكس التنوع السوري ويضمن مشاركة جميع مكوناته سيكون استمرارًا لنهج التهميش.
ويختم محيثاوي بالتأكيد على أن التهميش مرفوض تماماً، وأن اللجان المدنية في السويداء تطالب بأن تكون الشخصيات المشاركة في المؤتمر ممثلة لجميع أطياف المجتمع السوري. ويحذر من أن أي مؤتمر لا يلبي تطلعات السوريين قد يدفع التيارات السياسية في السويداء وشمال وشرق سوريا إلى اتخاذ خطوات بديلة، من بينها الإعلان عن مؤتمر وطني أكثر شمولا وتمثيلا.
مرحلة حساسة تتطلب حراكاً سياسياً فاعلاً
وضع بيان الشيخ حكمت الهجري الأسس التي ينبغي أن تستند إليها الإدارة الجديدة في التحضير لمؤتمر الحوار الوطني. وتؤكد المحامية والناشطة النسوية نسرين القاسم أن أبناء السويداء، الذين حملوا السلاح دفاعاً عن محافظتهم قبل سقوط النظام، لديهم رؤية واضحة للمرحلة المقبلة. وترى أن موقفهم ليس رفضاً للإدارة الجديدة في حد ذاته، بل هو تعبير عن رغبتهم في إدارة تحقق تطلعات السوريين وتلبي آمالهم.
وتشير القاسم إلى أن أبناء السويداء مستعدون لتسليم سلاحهم بمجرد تشكيل جيش نظامي تحت سلطة دولة ذات معالم واضحة. وعند استقرار المؤسسات وإعادة بناء هيكلية الدولة سياسيا وأمنيا، سيكونون على استعداد تام للانخراط في الدولة الجديدة والتعاون مع إدارتها، لكن ضمن رؤية سياسية واضحة تؤسس لسوريا ديمقراطية وتعددية.
وتضيف أن بيان الشيخ الهجري يعكس موقف السويداء في ظل المرحلة الانتقالية، ويدعو إلى بناء جسور الثقة بين أبناء الوطن، وتجنب أخطاء الماضي التي قادت إلى الفساد والاستبداد والانقسامات. وتشدد على ضرورة إقامة دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتصون استقلالية مؤسساتها، لضمان مستقبل مستقر وعادل لجميع السوريين. وترى أن مؤتمر الحوار الوطني يجب أن يكون وسيلة انتقال نحو سوريا الجديدة، من خلال وضع أسس دستورية واضحة، وإطار سياسي ينظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
تبدو مواقف أبناء السويداء متّسقة مع رؤية الشيخ حكمت الهجري، إذ يواصلون تعزيز الحراك الشعبي والمشاورات لضمان مشاركة فاعلة في الحوار الوطني. ورغم بعض المخاوف، فإن المحافظة تسير في اتجاه تعزيز التعاون مع الإدارة الجديدة، سواء فيما يتعلق بآليات الحوار الوطني أو إدارة المحافظة وفق نهج سياسي وأمني متوازن. ولم يدعُ بيان الهجري إلى مقاطعة الحوار، بل قدم تصورا واضحا لمسار ديمقراطي شفاف. وفي ظل هذا المشهد، تظل السويداء في حالة ترقب لمواقف الإدارة الجديدة إزاء مطالبها، ما سيحدد طبيعة مشاركتها في رسم ملامح المستقبل السياسي لسوريا.
عمر الصحناوي- السويداء