أُسدل الستار على حقبة استمرت أكثر من نصف قرن في سوريا مع سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في تحوّل دراماتيكي غيّر موازين القوى في المنطقة. وتبرز محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية، كمركز محوري في المشهد السياسي الجديد، حيث تمثل تجربتها في المرحلة الانتقالية اختباراً حقيقياً لقدرة سوريا على النهوض من تحت ركام الحرب.
في هذه المدينة الشمالية، التي شهدت أعنف المعارك وأقسى موجات النزوح خلال سنوات الصراع، تتشكل اليوم ملامح مرحلة جديدة يترقبها السوريون بمزيج من الأمل والحذر. فبين أصوات متفائلة ترى في التغيير فرصة تاريخية لبناء دولة ديمقراطية، وأخرى تتوجس من تحديات المرحلة المقبلة، تقف إدلب على عتبة تحوّل مفصلي في تاريخها المعاصر.
عانت إدلب طوال السنوات الماضية من ويلات الحرب، كما أن وقوعها تحت سيطرة قوى متعددة، منها فصائل متشددة، جعل منها منطقة ذات تركيبة معقدة. ورغم ذلك، ظلّت إدلب رمزًا للمقاومة ضد النظام، ولعبت دورًا محوريًا في الثورة السورية.
يرى بعض النشطاء والسياسيين أن سقوط النظام كان الخطوة الأولى نحو بناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة. يقول أحمد الجاسم، ناشط سياسي من إدلب: “نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة، بعيداً عن الاستبداد والقمع”.
اقرأ/ي أيضاً: السويداء ومؤتمر الحوار الوطني.. تطلعات وآمال
من جهته، يرى الناشط محمد العلي أن سقوط النظام يمثل بداية عهد جديد يمكن من خلاله ترسيخ قيم المواطنة الحقيقية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق بسبب الحرب. ويضيف: “المهم الآن هو توحيد الصفوف والاتفاق على مشروع سياسي متكامل يحقق آمال الشعب السوري”.
ضرورة تمثيل جميع السوريين في لجان الحوار الوطني
من جهة أخرى، يشدد بعض السياسيين على أهمية التمثيل الشامل لكل مكونات الشعب السوري في أي حوار وطني مستقبلي. تقول المعلمة ريم السالم والمهتمة بالشأن العام : “المرحلة المقبلة تتطلب توافقاً وطنياً حقيقياً، بحيث لا يشعر أي مكون بأنه مستبعد أو مهمش”.
وتضيف: “يجب أن تتضمن أي حكومة انتقالية تمثيلاً حقيقياً لجميع المكونات لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي”.
اتفاق السوريين على شكل الدولة وهويتها
من بين القضايا التي تثير جدلاً واسعاً في سوريا بعد سقوط النظام هي طبيعة الدولة المستقبلية وهويتها. فبينما يدعو البعض إلى إقامة دولة مركزية قوية، يرى آخرون ضرورة الاتجاه نحو اللامركزية لضمان توزيع أكثر عدالة للسلطة والثروة.
يقول القانوني سامر درويش: “يجب أن يكون شكل الدولة نابعاً من توافق وطني، وليس فرضاً من أي جهة معينة. الشعب السوري هو من يجب أن يحدد مستقبله بنفسه عبر حوار وطني شامل”.
اقرأ/ي أيضاً: الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا: تصعيد عسكري وانتهاكات واسعة
أهمية الاعتراف بتنوع الشعب السوري
يشدد عدد من الناشطين الحقوقيين على ضرورة الاعتراف بالتعددية العرقية والدينية في سوريا، وإيجاد نظام يضمن حقوق الجميع. تقول الناشطة الحقوقية ميساء حسن: “إن أحد الأسباب التي أدت إلى تفكك سوريا هو غياب العدالة الاجتماعية وعدم الاعتراف بحقوق الجميع”. وتضيف: “أي مشروع سياسي جديد يجب أن يضمن حقوق الأقليات، ويحترم التعددية الثقافية والدينية للشعب السوري”.
مع دخول إدلب مرحلة ما بعد النظام، تظل التحديات التي تواجه السوريين كبيرة، ولكن الفرصة سانحة لبناء مستقبل أكثر إشراقًا. وبينما تتعدد الآراء حول شكل الدولة وطبيعة الحكم، فإن النقطة الأهم تبقى في قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم، والعمل معاً نحو بناء وطن يجمع الجميع.
بلال الأحمد- إدلب