تمرّ سوريا بمرحلة مفصلية تستدعي إشراك جميع مكونات المجتمع في العملية السياسية وبناء السلام، ومن بين هذه المكونات، تمثل المرأة السورية ركيزة أساسية لا يمكن تجاهلها في أي مسعى لتحقيق التعافي الوطني والاستقرار والسلام الدائم.
عانت النساء السوريات من ويلات الحرب والنزوح والعنف، ما جعل مشاركتهن في صنع القرار ضرورة لضمان شمولية عملية السلام وتلبية احتياجات جميع فئات المجتمع. كما يُسهم تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار في تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان للجميع.
المرأة السورية ترفض التهميش وتطالب بدور فاعل
تطالب النساء السوريات اليوم بحقوقهن في المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد. في هذا السياق، تؤكد الناشطات والسياسيات على ضرورة إشراك المرأة في صياغة الدستور وضمان حقوقها القانونية والسياسية.
أنجيل الشاعر، الكاتبة والناشطة المدنية في مجال حقوق النساء، تؤكد أن المرأة السورية ترفض التهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مطالبةً بدور فاعل في عملية التعافي الوطني. وتقول: “نحن نمرّ بمرحلة مفصلية من تاريخ سوريا، ونريد وطناً معافى شافياً من جراحه. لذلك، نريد أن يكون لنا بصمتنا في هذا التعافي من خلال دستور يضمن حق المواطنة لجميع مكونات الشعب السوري دون استثناء، ويضمن حقوق النساء في المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات”.
اقرأ/ي أيضاً: إدلب.. تحديات المرحلة الانتقالية وتطلعات المستقبل
وتضيف أن مشاركة المرأة السياسية ووصولها إلى مراكز صنع القرار أمر ضروري لتحقيق السلام المستدام، خاصة في مرحلة بناء السلم الأهلي. كما تشدد على ضرورة تعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، وضمان حقها في العمل ومنح الجنسية لأبنائها، إلى جانب وضع قوانين جديدة تحمي النساء والفتيات من العنف، خصوصًا العنف الأسري.
مشاركة المرأة ضرورة ملحّة
من جهتها، تؤكد سوسن كامل محرز، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة “كون” للتنمية والخدمات الاجتماعية والإسكان، وعضو قيادة حزب الشباب للبناء والتغيير، أن مشاركة المرأة في الحياة العامة لم تعد خياراً بل أصبحت ضرورة لتفعيل طاقات المجتمع السوري. وتقول: “إن مشاركة النساء في مختلف المجالات تعزز من عملية البناء والتنمية والتعافي في المجتمع”.
وأوضحت أن المرأة السورية تمتلك من القدرات ما يؤهلها للمشاركة الفاعلة في الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأضافت: “إن وعينا كأفراد يرتبط بوعي المجتمع، ويجب أن ندرك أن هناك نساء ناجحات وأخريات في رحلة بناء الذات، تماماً كما هو الحال لدى الرجال”.
وشددت على أهمية دمج المرأة في العمل السياسي باعتباره السبيل الأمثل لتنمية وعيها واستثمار قدراتها، داعيةً إلى منح المرأة الفرصة لإثبات جدارتها وإبداعها. كما أكدت دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز التعاون بين الجنسين، مشيرةً إلى ضرورة تطوير العمل المدني من خلال الورشات التدريبية وتبادل الخبرات مع المنظمات الفاعلة محلياً ودولياً.
التحديات والحلول
في السياق ذاته، أكدت منى السيد، الناشطة الثقافية وعضوة لجنة منصة الحوار الوطني النسوي السوري، على أهمية دور المرأة في المرحلة الحرجة التي تمرّ بها سوريا. وقالت: “نحن مقبلون على تأسيس جديد للدولة، ويجب أن تتضافر جهود النساء وتتحد لفرض نظام يضمن العدالة والحرية للجميع دون تمييز، ويكفل مشاركة سياسية متساوية بين المرأة والرجل، وهذا ما تنصّ عليه الديمقراطية”.
اقرأ/ي أيضاً: السويداء ومؤتمر الحوار الوطني.. تطلعات وآمال
وأشارت إلى أبرز التحديات التي تواجه المرأة السورية، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والفقر، إضافةً إلى الموروث الاجتماعي والديني الذي يكرس بعض القيم السلبية تجاه المرأة. كما لفتت إلى المعوقات السياسية والقانونية، مثل غياب الديمقراطية والقوانين التي تحد من العمل السياسي للمرأة، مشددة على ضرورة سنّ تشريعات تعزز مشاركتها في مختلف الميادين.
واقترحت منى السيد خطوات عملية لضمان تمثيل عادل للمرأة، أبرزها اعتماد نظام الكوتا كإجراء مرحلي، والعمل على تغيير ثقافي طويل الأمد من خلال الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. كما أكدت أهمية تمكين المرأة سياسيًا ليكون دورها فاعلًا وليس شكليًا.
دور المجتمع الدولي
أما فيما يخص دور المجتمع الدولي، فقد شددت منى السيد على ضرورة دعم جهود النساء السوريات عبر المنظمات الأممية المعنية بحقوق المرأة، داعيةً إلى الالتزام بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية التي تنصّ على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
تشير التجارب الدولية إلى أن المرأة تلعب دورًا محوريًا في تحقيق المصالحة الوطنية، لا سيما في الدول التي شهدت نزاعات وحروبًا أهلية. وفي سوريا، يمكن للمرأة أن تكون عاملاً رئيسيًا في تعزيز السلام والمصالحة المجتمعية.
مشاركة المرأة السورية في العملية السياسية وبناء السلام ليست مجرد مطلب حقوقي، بل هي ضرورة لتحقيق التعافي الوطني والاستقرار. فالمرأة السورية، التي أثبتت قدرتها على الصمود والإبداع، تطالب اليوم بدور فاعل في رسم مستقبل البلاد. ومن خلال دستور يضمن حقوقها وقوانين تحميها من التمييز والعنف، يمكن للمرأة أن تكون شريكًا أساسيًا في بناء سوريا الجديدة.