وسط الركام الذي خلفته سنوات من الحرب، تستفيق حمص اليوم على واقع مُثقل بالتحديات، بين محاولات إعادة الحياة، وأزمات اقتصادية خانقة، وانقسامات اجتماعية لم تندمل بعد. ورغم انحسار المعارك، لا تزال المدينة، التي كانت ذات يوم القلب النابض لسوريا، تعيش في ظلال الخوف والحذر، بينما يحاول أهلها إعادة ترتيب حياتهم وسط الفوضى المستمرة.
لطالما كانت حمص، بموقعها الاستراتيجي في قلب سوريا، بوصلة للأحداث الكبرى التي عصفت بالبلاد. خلال الحرب، شهدت المدينة معارك ضارية انتهت بسيطرة النظام السوري عليها بعد سنوات من القتال العنيف. اليوم، ورغم استعادة بعض ملامح الحياة الطبيعية، لا تزال المدينة تعاني من آثار النزاع، حيث تبرز التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية كعقبات تحول دون تعافيها الكامل.
الواقع الأمني: بين التحسن التدريجي والتحديات القائمة
رغم انتهاء المواجهات العسكرية الكبرى، لا تزال حمص تواجه تحديات أمنية متفرقة. فالمدينة، التي شهدت دماراً واسعاً خلال سنوات النزاع، تمر بمرحلة إعادة ترتيب أوضاعها الأمنية، في ظل سعي الجهات المسؤولة إلى تعزيز الاستقرار وفرض القانون. ورغم الجهود المبذولة، لا تزال بعض الحوادث الأمنية مثل السرقات والاعتداءات الفردية تشكل مصدر قلق للسكان، الذين يترقبون خطوات أكثر فعالية في هذا المجال.
اقرأ/ي أيضاً: نساء سوريا ومواجهة التحديات… من التهميش إلى تحقيق العدالة
يقول أحد سكان حمص، طلب عدم ذكر اسمه: “هناك تحسن في الوضع مقارنة بالسنوات الماضية، لكن لا يزال المواطنون بحاجة إلى المزيد من الضمانات الأمنية لعيش حياتهم بشكل طبيعي.”
الاقتصاد في أزمة: تحديات إعادة الإعمار وفرص محدودة
رغم الحديث عن مشاريع اقتصادية مستقبلية، لا تزال حمص تعاني من آثار التراجع الاقتصادي الحاد. البطالة المرتفعة، وضعف الاستثمار، وارتفاع تكاليف المعيشة، كلها عوامل تزيد من معاناة السكان. الأسواق تعاني من نقص بعض السلع الأساسية، فيما يواجه أصحاب الأعمال صعوبات تتعلق بتوافر الموارد وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
يقول أحد التجار المحليين: “هناك حركة تجارية محدودة، لكن لا تزال الأوضاع صعبة. نأمل أن تتخذ الجهات المعنية خطوات فعالة لدعم النشاط الاقتصادي وإعادة الحياة إلى الأسواق.”
النسيج الاجتماعي: محاولات لرأب الصدع
تعاني حمص، كغيرها من المدن السورية، من آثار التغيرات الديمغرافية والاجتماعية التي خلفتها الحرب. وعلى الرغم من عودة أعداد من النازحين، لا تزال عملية المصالحة المجتمعية تتطلب جهوداً أكبر لتعزيز التعايش واستعادة الروابط الاجتماعية التي تأثرت خلال السنوات الماضية. ومع ذلك، هناك محاولات متواصلة لتجاوز مخلفات النزاع، سواء من خلال المبادرات المحلية أو عبر اللقاءات التي تهدف إلى تعزيز الثقة بين مكونات المدينة.
مؤتمر الحوار الوطني: جدل حول التمثيل والنتائج
في إطار الجهود الرامية إلى دفع عملية الحوار الوطني، عُقد مؤتمر للحوار في 25 شباط/فبراير الجاري، بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والمدنية. إلا أن المؤتمر لم يحظَ بإجماع واسع، حيث وُجهت إليه انتقادات تتعلق بمدى تمثيله لجميع الأطراف المعنية.
يرى الناشط السياسي كمال الأسعد أن “المؤتمر كان خطوة ضرورية، لكنه لم يكن شاملاً بالقدر الكافي، مما أثر على مصداقيته.”
أما الناشط الحقوقي لؤي المحمود، فيشير إلى أن “الحوار مطلوب، لكن يجب أن يكون قائماً على أسس واضحة تضمن مشاركة حقيقية لمختلف الأطياف السياسية والمجتمعية.”
من جهتها، تقول الصحفية المستقلة ريم حسن: “هناك حاجة لحوار وطني شامل، والمؤتمر كان خطوة أولى، لكنه بحاجة إلى تطوير ليكون أكثر تأثيراً في المشهد العام.”
رغم أن مؤتمر الحوار الوطني كان محاولة لفتح قنوات التفاوض بين مختلف الأطراف، إلا أنه افتقر إلى شمولية التمثيل، حيث غابت عنه العديد من القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة. اللجنة التحضيرية نفسها وُجِّهت إليها انتقادات بعدم التوازن، كما أن مخرجات المؤتمر لم تحمل أي التزامات حقيقية أو خارطة طريق واضحة.
اقرأ/ي أيضاً: إدلب.. تحديات المرحلة الانتقالية وتطلعات المستقبل
يقول المحلل السياسي سامر العلي: “المؤتمر لم يكن سوى محاولة لإضفاء شرعية على حلول مُعدة مسبقاً، بدلاً من أن يكون ساحة حقيقية للنقاش حول مستقبل سوريا.”
في ظل هذا المشهد المعقد، يظل السؤال الأهم: هل يمكن لحمص أن تستعيد مجدها كمدينة نابضة بالحياة ومتنوعة الألوان؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تعتمد بشكل رئيسي على مدى جدية الإدارة السورية الجديدة في تحمل مسؤولياتها وإيجاد حلول فعلية لمشاكل المدينة، وليس الاكتفاء بالشعارات أو الحلول الترقيعية. مصير حمص، مثل مصير سوريا بأكملها، مرهون بقدرة صناع القرار على تجاوز المصالح الضيقة والعمل من أجل مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.
بين حطام الحرب وآمال المستقبل، تبقى حمص نموذجاً مصغرًا لما تعيشه سوريا بأكملها: بلدٌ أنهكته الصراعات، لكنه لم يفقد بعد الرغبة في النهوض من جديد.
سحر الحمصي – حمص