مع صدور الإعلان الدستوري وتوقيع رئيس المرحلة الانتقالية على بنوده ومضامينه، ظهرت العديد من الآراء حول هذه الوثيقة، لا سيما في ظل المرحلة الدقيقة التي يمر بها المشهد السوري، حيث يواجه السوريون العديد من الاحتمالات التي لا تخلو من الهواجس بشأن مستقبل بلادهم. غير أن توقيت صدور الإعلان الدستوري أثار جدلاً واسعاً، إذ رأى البعض أن بنوده تمثل وسيلة لإعادة إنتاج حكم الفرد الواحد وترسيخ سلطة الاستبداد، في حين اعتبر آخرون أنه يتضمن إيجابيات قد تسهم في رسم مسار سياسي يؤدي إلى إقامة سوريا ديمقراطية تعددية.
الرئيس أحمد الشرع، عقب تسلّمه مسودة الإعلان الدستوري، وصفه بأنه “بداية تاريخ جديد للبلاد”، معرباً عن أمله في أن يمحو “الظلم” الذي تعرّض له السوريون. غير أن الإعلان أثار العديد من الإشكاليات، خاصةً في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه الدولة السورية الجديدة على مختلف الأصعدة، بينما تسعى إلى تأسيس مرحلة جديدة بعد أكثر من أربعة عشر عاماً على اندلاع الثورة.
العبرة في أي قانون هي التطبيق
يؤكد المحامي والخبير القانوني، ناصر الماغوط، أن الدستور، من حيث التعريف، هو القانون الأساسي للدولة، أي أنه “مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بالدولة والسلطة السياسية فيها، من حيث إنشائها، ونظامها الاقتصادي والاجتماعي، وتنظيم السلطات الثلاث والفصل بينها، إضافة إلى كيفية ممارسة السلطة وانتقالها، والحقوق الأساسية للمواطنين”. وبالنظر إلى الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر، يوضح الماغوط أنه يتألف من 53 مادة، مشيراً إلى أهم ما يهم المواطن السوري فيه.
اقرأ/ي أيضاً: نساء سوريا صامدات في وجه الإقصاء.. مُطالبات بشراكة سياسية عادلة
يؤكد الماغوط أن الدستور ينص بوضوح على الحريات العامة والشخصية، وحرية المعتقد، وحرية تشكيل الأحزاب، وعدم جواز اعتقال أي شخص أو توقيفه إلا وفق القانون، وهو أمر إيجابي يجب العمل على ضمان تطبيقه. أما فيما يتعلق بدين رئيس الدولة، فقد حافظ الإعلان على ما نصت عليه الدساتير السورية السابقة، بأن يكون دين الرئيس الإسلام، وأن يكون الفقه الإسلامي مصدراً أساسياً للتشريع.
ويشير إلى أن الإعلان الدستوري منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، وهو ما قد يكون ضرورياً في المرحلة الانتقالية، نظراً لحاجة البلاد إلى رئيس قوي قادر على ضبط الأوضاع. لكنه يؤكد أن هذا الوضع يجب أن يكون مؤقتاً، حيث سيُعاد النظر في هذه الصلاحيات بمجرد استقرار الأوضاع.
وفيما يتعلق بصلاحيات الرئيس ومسألة محاسبته، يرى الخبير القانوني ناصر الماغوط أن هناك إشكالية في عدم تضمين الإعلان الدستوري آلية واضحة لمساءلة الرئيس في حال تجاوزه للحدود الدستورية أو ارتكابه الخيانة العظمى، كما هو معمول به في معظم دساتير العالم. كما أن السلطة القضائية، رغم التأكيد على استقلاليتها، لا تزال خاضعة عملياً لنفوذ رئيس الجمهورية، الذي يرأس مجلس القضاء الأعلى، ويعيّن وزير العدل، الذي يشغل بدوره منصب نائب رئيس المجلس، مما يحدّ من استقلالية القضاء.
ويختم الماغوط حديثه بالإشارة إلى مبدأ قانوني عالمي ينص على أن “قانوناً رديئاً مطبّقاً بشكل جيد أفضل من قانون جيد مطبّق بشكل رديء”، مؤكداً ضرورة الالتزام بتطبيق المبادئ الدستورية بصرامة لضمان الأمن والاستقرار، وحماية الحريات في سوريا، خاصة في ظل التدخلات الخارجية التي تؤثر على المشهد السوري.
الإعلان الدستوري لا يستحق التعليق!
من جانبه، عبّر الناشط الحقوقي إلياس طرية عن تحفظاته حيال الإعلان الدستوري، مشيراً إلى أن اعتماده الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع قد يؤطّر العديد من مبادئ حقوق السوريين ويهدد تنوع المجتمع السوري. ويؤكد طرية أن الفقه الإسلامي، رغم كونه محل احترام، يبقى في النهاية مجموعة اجتهادات شخصية، واعتماده كمرجعية للتشريع قد يؤثر على مدنية الدولة وديمقراطيتها، وهو ما يتعارض مع تطلعات السوريين.
ويرى طرية أن استخدام مسمى “الجمهورية العربية السورية” في الإعلان الدستوري يكرّس الطابع القومي العربي للدولة، مما قد يؤدي إلى تهميش القوميات غير العربية، مثل الكرد والسريان آشور والتركمان وبقية القوميات. كما أن اشتراط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام يُقصي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، مما يتناقض مع مبدأ المواطنة، خاصة أن سوريا الجديدة يجب أن تقوم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مواطنيها.
اقرأ/ي أيضاً: الاقتصاد السوري يرزح تحت وطأة الفوضى السياسية
ويطالب طرية بتمثيل حقيقي لكل السوريين، وإعطاء أصحاب الكفاءات الفرصة للعب دور في قيادة الدولة، بدلاً من الاستئثار بالسلطة.
إن جوهر الدستور لا يكمن فقط في نصوصه القانونية، بل في قدرته على توحيد السوريين وحماية حقوقهم وضمان توافقهم. ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون الدستور الجديد هويةً جامعةً للسوريين، وليس مجرد مجموعة من البنود القانونية. لكن الإعلان الدستوري، بصيغته الحالية، جاء مخالفاً لتوقعات السوريين، ولا يعكس تطلعاتهم نحو دولة ديمقراطية عادلة، بل قد يكون سبباً في تعميق الخلافات بدلاً من حلها.
عمار المعتوق- دمشق