لا تزال محافظة حمص تحاول النهوض مجدداً بعد سنوات من الحرب والصراع، إذ تسعى المدينة وريفها إلى إعادة ترميم الواقع السياسي والاقتصادي، خاصة مع التغيرات التي طرأت على المشهد السوري. وعلى الرغم من استمرار الحملات الأمنية وعمليات الاعتقال والمداهمة في بعض أحياء المدينة، إلا أن هناك توافقاً ضمنياً بين سكانها على ترسيخ السلم الأهلي وتجنب الفتن الطائفية التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية.
حراك سياسي ومبادرات اقتصادية
تشهد حمص وريفها حراكاً سياسياً نشطاً، حيث يؤكد محمد درويش، الناشط السياسي وعضو منظمة “يداً بيد”، أن غالبية أهالي المدينة ووجهاءها يسعون إلى تعزيز الاستقرار السياسي ومنع الفوضى. ويشير درويش إلى وجود جهود حثيثة لإعادة تفعيل المنشآت الصناعية الكبرى، إلى جانب ورشات العمل الصغيرة والمتوسطة، بهدف إنعاش الاقتصاد المحلي ضمن الإمكانيات المتاحة.
اقرأ/ي أيضاً: الإعلان الدستوري.. إشكالية التوقيت في المشهد السوري
ويضيف درويش: “الحراك السياسي في حمص يشكل عامل دعم وتأثير في مختلف مناحي الحياة، حيث تطرح الفعاليات السياسية قضايا تمسّ حياة السكان، سواء استجابت الإدارة لهذه المبادرات أم لا. كنشطاء، نعمل على تحسين الواقع الخدمي، من توفير وسائل النقل للريف إلى تنظيم حملات النظافة، مما يعكس دورنا في بناء مجتمع متكامل سياسياً واقتصادياً، مع التركيز الدائم على السّلم الأهلي والمجتمعي”.
مؤتمر الحوار الوطني: آمال ومخاوف
من جهتها، تعلّق الناشطة النسوية إيمان السليم على مساري الحوار الوطني والإعلان الدستوري، مشيرةً إلى أن السوريين كانوا يأملون في الإعلان عن مؤتمر وطني عام بدلاً من مؤتمر الحوار، يعقبه إعلان دستوري يعكس تطلعات الشعب. إلا أن الإعلان الدستوري جاء مخيباً للآمال في كثير من جوانبه، ما أثار حالة من الاستياء بين السوريين.
وتعبّر السليم عن قلقها من سياسات الإدارة الجديدة، قائلة: “مؤتمر الحوار الوطني لم يكن بمستوى الحدث السوري، ولم يُعلن عنه بالشكل المناسب، كما أن الإعلان الدستوري بدا وكأنه إعادة إنتاج للنظام السابق، وهو ما يثير مخاوف السوريين. لمسنا حجم السخط الشعبي على بنوده، إذ إن السوريين يتطلعون إلى عدالة انتقالية حقيقية، بينما تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات لا يخدم تطلعاتهم. على الإدارة الجديدة أن تلعب دوراً إيجابياً في تحقيق تطلعات الشعب نحو سوريا جديدة ديمقراطية”.
تحديات وآمال في مستقبل سوريا
رغم الحراك السياسي المتنامي في حمص، لا تزال هناك تحديات وهواجس تفرضها طبيعة المرحلة الراهنة، خاصة في ظل الإرث الثقيل الذي خلّفه حكم عائلة الأسد. ومع تغير المعطيات، يأمل سكان المدينة وريفها في بناء سوريا ديمقراطية تحترم التنوع وتضمن حقوق جميع مكوناتها. كما تتصاعد المطالبات بوضع دستور يعبر عن جميع السوريين، مع ضرورة التزام الإدارة الجديدة بالحياد وضمان حقوق كافة أبناء الشعب السوري دون تمييز.
اقرأ/ي أيضاً: نساء سوريا صامدات في وجه الإقصاء.. مُطالبات بشراكة سياسية عادلة
وسط هذه التحولات، يبرز دور المجتمع المدني والنشطاء في دعم استقرار المدينة وتعزيز التماسك الاجتماعي، حيث يتطلع الجميع إلى مرحلة جديدة تعيد حمص إلى مكانتها كمركز للحراك السياسي والاقتصادي، في ظل رؤية وطنية شاملة تُلبي تطلعات السوريين نحو الحرية والديمقراطية.
سحر الحمصي – حمص