شكل الحوكمة في اللامركزية الديمقراطية. نموذج الإدارة الذاتية
إلهام أحمد .
الجذر التاريخي للامركزية الديمقراطية في سوريا
اللامركزية الديمقراطية كتعريف، هو مصطلح أينع سوريّاً وظهر من عمق الحاجة المجتمعية لحل القضايا العالقة ما بين الدولة كنظام والمجتمع، نهدف من وراء طرح هذا النموذج من الحل لتسهيل سبل التقارب ما بين المتناقضات والبحث عن حلول وسطية ترضي الأطراف لترسيخ الامن والاستقرار بناء على مبادئ أساسية يتفق عليها الأطراف المتصارعة والمتناقضة. لذلك فتأتي اللامركزية الديمقراطية سبيل لتحقيق الحريات واحقاق الحقوق الأساسية للافراد والجماعات. وهو شكل للإدارة في البلد تتبناه الأطراف المختلفة فيما بين بعضها البعض. فشكل الانظمة والإدارات المتعارف عليها دوليا ظهرت لأول مرة نتيجة لحاجة معينة وفي بلد معين وحسب خصوصية المرحلة وذاك البلد، كما حال الدول المركزية واللامركزية والفيدراليات والكونفدراليات. لذلك نحن في سوريا بما اننا نعاني من ازمة نظام لا بد من ان نبحث لسبل إيجابية تحل العقد المتراكمة خلال عقود ماضية من الزمن. اللامركزية الديمقراطية تعطي حييزا واسعا للحريات والقوميات والثقافات والمعتقدات، يوازن بين حقوق الفرد والمجتمع. كما يوازن في عملية التنمية البشرية بين المدينة والريف، ويساوي بالحقوق بين الرجل والمرأة. وهو نظام بديل عن المركزية الذي يأخذ من العاصمة مركزا لكل القرارات والصلاحيات، والحزب الواحد واللغة الثقافة الواحدة أساس له. اللامركزية الديمقراطية يعطي الصلاحيات لادارات مناطقية تشرع وتدير وتقاضي بما لا يتعارض مع الدستور المتوافق عليه من قبل المواطنين في سوريا.
الديمقراطية هي شكل العلاقة المجتمعية الطبيعية المتداولة في حياة الناس لولا ظهور الجشع والتنافس على الملكية والاستملاك من خلال الانظمة المركزية التسلطية. باعتبار ان سوريا هي من احدى الدول الشرق اوسطية، لا تزال اثار مخلفات الحياة الطبيعية مؤثرة في حياة الناس ضمن اطار العادات والثقافات التي تخدم الحياة والمصلحة الجماعية، وهي تقف بالضد من حملات الهجوم التي تقوم بها الانظمة الرأسمالية على مجتمعات المنطقة.
ظهور نزعة الدولة القومية كنظام توحيدي بعد الثورات الشعبية التي اجتاحت الساحات الاوروبية واولها فرنسا، واستيلاء الطبقة البرجوازية على نتائج هذه الثورات شكلت الأساس لقيام الدولة القومية المركزية. تحت شعار حدود الدولة الواحدة التي تسمى الوطن ذو العلم الواحد للقومية الواحدة. بالتالي احتكرت كل مقدرات البلد في خدمة الحزب الواحد او الملك او العائلة. فكل مؤسسات الدولة كتعريف هي لخدمة الشعب، لكن عمليا هي لخدمة الرأس الأعلى وحاشيته في الدولة. بمعنى ان العلة تكمن في الايديولوجيا أولا، وشكل المأسسة ثانيا، وفي التطبيق ثالثا.
ولفهم منظور الدولة المركزية لا بد من توصيف العلاقة بينها وبين السلطة، العلاقة وثيقة جدا بين الاثنين، أينما تواجدت الدولة هذا يعني ان السلطة أيضا موجودة، والسلطة تعني السيطرة على كافة مرافق ومقدرات الحياة والمجتمع بدءا من التعليم حتى الجيش والاقتصاد والسياسة والى ما هنالك من مجالات. وعدم ترك مجال للتنفس امام الشعب. فئة صغيرة هي التي تنوب عن المجتمع بالتفكير واتخاذ القرارات. تأليه الدولة هي من صنع أصحاب السلطة. الشعب له دور التبعية فقط. اذا مع وجود كل هذه القضايا لا بد من ان تظهر ردود فعل نتيجة التراكمات التي تشكل أرضية للقيام بثورة ضد السلطة. وتكون لها مطالب بالحقوق والحريات، والمجتمع بطبيعته دائما يبحث عن الأجواء الحرة البعيدة عن المركزية. لذلك تأتي اللامركزية كتعبير عن ما يسعى اليه الفرد والمجتمع. ففي الوقت الذي حاولت أوروبا التخلص من نظام الدولة القومية من خلال تشكيل اتحادها الاوروبي والفيدراليات والكونفدراليات لتزيل كافة الحدود السياسية بين الدول، وتضع نظام الاستفتاء وحرية الاختيار لمدنها وولاياتها كي تختار لاي مركز دولة تنتمي، فهي القت بحملها وكل مشاكلها على مناطق الشرق الاوسط من خلال تشكيل الدولة القومية كحل وحيد لمواجهة نوايا ومأرب الشعوب في المنطقة. فكلما تم تقسيم الامم الى شعوب وقوميات وطوائف، سيكون لهم القدرة على التحكم بمصيرهم اكثر. فتم تقديس الهوية القومية للدولة على حساب الهويات الأخرى. والتي يمكن ان نسميها بالمجازر.
مع بداية قرن الواحد والعشرين بدأت مرحلة حروب جديدة في المنطقة، بدأت من حرب أفغانستان ومرورا بالعراق ومن ثم تونس، ليبيا، مصر، وسوريا، ويوجد دول أخرى على الطريق، ولا زال الصراع مستمر ما بين ان تبقى الانظمة مركزية ام تتحول الى لا مركزية. لكن يبدو ان زمن الانظمة المركزية قد ولى، ولا بد من البحث عن اشكال أخرى بديلة تعبر عن احتياجات وامال الشعوب.
فالدولة القومية المركزية سقطت بكل مفاهيمها، لقد سقطت بالرغم من الدعم الهائل لها المتمثل بالخرائط والتقسيم الجغرافي ودساتير عابرة غريبة وبكل الدعم الاقتصادي السياسي الثقافي وبكل قيم الريع، ليظهر أخيراً بأنه مخلوق غريب لا ينتمي إلى هذه التربة .. إلى الشرق الأوسط، كيف لا وقد أظهرت الأنظمة الاستبدادية مشاركة مع المعارضة العتيقة التي لا تختلف عنها، بأن تخرج أسوأ ما لديها من عنف وطائفية وتدخلات أجنبية، قصد تشكيل ساتر الصد الممانع للتغيير، وتشويه الإرادة الشعبية، وتشويه الحراك الديمقراطي، وكان ولم يزل مشروع الدولة العربية التسلطية والاستبدادية ونخبها السياسية والثقافية من أجل الحفاظ على السلطة باسم أوهام الاستقرار، وأضاليل الاستثناء، وأباطيل الممانعة، وشكّل الارتباط المرضي بالماضي عائقاُ امام إمكانية التحول الديمقراطي المنشود. ولأن كل غريب يرحل وهذا المخلوق الغريب المسمى بالدولة القومية في طريقه إلى الرحيل إنْ لم نقل إلى الزوال، ويحل محلها –هذا الأمر ليس بالسهل- الاستقرار والأمن والتنمية وهي بدورها عناوين الأمة الديمقراطية في إداراتها الذاتية الديمقراطية، والأخيرة ليست مستجدة وليست بالطارئة إنما القديمة الأساسية التي شكلت في محطات فاصلة تاريخية نهوض هذه الشعوب ومتانة الحضارة الديمقراطية التي أنتجتها.. ويبدو الحل في الشرق الأوسط برمته في أبهى حالاته المتمثل بالعودة إلى الجذر التاريخي والمعرفي لأصل شرقنا في اتحاد الشعوب الديمقراطية. لقد فشلت طوارئ النظريات من إيجاد موطئ قدم حقيقي لها وبمجملها كالعمق الاستراتيجي والعمق الديني والعمق القومي والعمق المذهبي والعمق الأيديولوجي المرتبط بإنتاج جديد مستتر لهذه الأعماق، وبأن الحل السوري متمثل بالعمق الديمقراطي للمسألة السورية التي تشكلها تاريخانية مكوناتها القومية والدينية والاجتماعية وغيرها أفراداً وجماعات، والقبول بمثل هذا الفهم يعني قبول حقها بتقرير مصيرها بإرادتها الحرة دون وصاية أو استعلاء أو الاحتكام لمعايير الأقلية والأكثرية أو ما شابه.
الإدارة الذاتية الديمقراطية كشكل للامركزية الديمقراطية
العمق الديمقراطي المعاصر للإدارة الذاتية
هنا وفي هذه البقعة الجغرافية من الأرض السورية شمال وشرق سوريا، ثمة توافُقٌ ضمنيٌّ بين كافةِ المكونات المجتمعية السوريّة بشأنِ دمقرطةِ سوريا، تم الإعلان عنه ومأسسته. ويعتبر هذا عيينة من المجتمع السوري ككل، فعمقه الديمقراطي المعاصر بكل آلياته ودواعيه وأهدافه هو يَقينُ هذا الواقعِ وحقيقتُه، والتعبيرُ الجوهريُّ عنه. إنّ مشروع لا مركزية سوريا الديمقراطية، يرسم الإطار المعنيّ بماهية الدستورِ الديمقراطيِّ اللازم لتلبية مَطلَب الدمقرطة المعاصرة من أجل إعادة تأسيس جمهورية سوريا الديمقراطية على تصورات مدنية وآليات تنظيمية جديدة. والدلالات التي اكتستها عبر حقب تطورها، والشروط التي جعلت صيرورتها مفهوما جامعا وأنه هو الدستورُ المُعَدُّ بتوافق مجتمعي، يعمل أساساً بحماية المواطن الديمقراطي والجماعاتِ الديمقراطيةِ في وجهِ النظام الاستبدادي، وكلها قضايا بالغة الأهمية من الناحيتين العلمية والعملية في فهم معنى العمق الديمقراطي للدستور وإدراك مركزيته من أجل خلق لا مركزية الإدارة والحكم في أي نظام سياسي سوري مستقبلي الذي لا يستندُ إلى لغة أو أثنية أو طبقة معينة، ولا يرتكزُ إلى سلطوية الدولة، بل هو متعددُ اللغات ومتنوع الأثنيات، ولا يتيح المجال للتمايز الطبقي، بل يعتمد على الأفراد الأحرارِ والمتساوين. فالمجتمع الديمقراطي يعمل أساساً ببراديغما المجتمع المرن المتألف من الهويات الثقافية المنفتحة الأطراف، وهذا ما تؤكد الفيدرالية الديمقراطية كمرآة نوعية لحقيقة التنوع والتعدد في المجتمع السوري.
مبادئ الإدارة الذاتية الديمقراطية
من الضروري أن تكون الحلول المطروحة لحل الأزمة الراهنة في سوريا، ذات صفة دائمية وجذرية لا تنحصر في إيجاد الحلول للقضايا اليومية والمرحلية، بل يجب أن تساهم في عملية إنشاء سورية ديمقراطية يكون فيها النظام الديمقراطي فاعلاً إلى جانب تحقيق استقرار المجتمع بجميع مكوناته، وإذا اعتبرنا بأن الديمقراطية تشمل الدولة ونظام المجتمع معاً، عندها من الضروري أن تجري عملية التحول الديمقراطي في سوريا بشكل منظم تحددها مبادئ نزيهة يتفق عليها الجميع كشرط أساسي لوضع إطار دائمي للنظام الديمقراطي.
الديمقراطية مصطلح تستخدمه اليوم جميع القوى السياسية والاجتماعية سواء من قبل النظام أو المعارضة، وتقوم قوى الحداثة الرأسمالية بالتدخل في شؤون المنطقة تحت يافطة جلب الديمقراطية ولذلك فإن التحديد الصحيح لجوهر الديمقراطية على شكل أسس ومبادئ أمر ضروري من أجل تحقيق عملية التحول الديمقراطي بشكل سليم.
- مبدأ الأمة الديمقراطية:
الامة الديمقراطية من اهم المبادئ التي تبنى عليها الإدارة الذاتية، وهي تعتبر الروح المغذية لنظام الإدارة، فمثلما نقول ان نظام الدولة القومية مرفوض ولا يعبر عن حقيقة المجتمع السوري المتنوع الثقافات، الإدارة الذاتية أيضا لا يمكنها ان تكون على أساس قوموي او ديني-طائفي. لهذا فالامة الديمقراطية المبنية على أساس تكامل الثقافات والهويات القومية، هي أساس نظام الإدارة الذاتية. ففي ثقافة الامة الديمقراطية لا يوجد انكار لاي هوية قومية او ثقافة دينية مجتمعية. على العكس تماما هناك انعاش للثقافات من خلال ضمان وجودها بقوانين فوق دستورية. البعض يتخوف من ذكر اسم طائفة او قومية، ظنا منه ان مجرد ذكرها يعني التحديث عن الانشقاقات والتقسيم، علما ان عكسه ومن خلال الكبت، تظهر ميول الانشقاقات.
كما إن الحقوق الفردية والجماعية يكملان بعضهما البعض مثل وجهي الميدالية في الأمة الديمقراطية، فهي لا تشمل فقط المواطن بل تشمل أيضاً مجموعات المجتمع المدني والجماعات والأثنيات المختلفة باعتبارها مفعمة بالتنوع في مضمونها، وبقدر ما يصبح المواطن عضواً منظماً في التجمعات المنظمة يغدو أكثر فاعلية في هذا المجتمع.
2- مبدأ الوطن المشترك:
يجب الاعتماد على مفهوم الوطن المشترك كأساس لأي حل ديمقراطي، لأن المفهوم الواقعي للوطن هو ذلك الذي يتشكل من مواطنين ينتمون إلى حقيقة دينية ولغوية وقومية وثقافية مختلفة وليس للمواطنين الذين ينتمون إلى مجموعة دينية أو لغوية أو قومية مهيمنة واحدة، عندها فقط يمكن توطيد الأخوّة والوحدة الطوعية وليس الاجبارية.
إن مفهوم الوطن الذي يولّد الشعور بالانتماء إلى قومية واحدة يشكّل سبباً في إقصاء قسم كبير من المواطنين، وهذا هو السبب الأساسي للإنقسامات المتزايدة في المجتمع. كما أن مفهوم اعطاء شكل واحد للمواطن عائد للذهنية الفاشية، أما التنوع فهو يعبر عن الغِنى في الطبيعة وحياة المجتمع، فالانتماء الحقيقي للوطن هو الارتباط بالأرض والبيئة والتطور بعيداً عن الشوفينية والعرقية. ففي مفهوم الدولة القومية التي اخذ منها الشعب السوري نصيبا تحت ظل سيادة حزب البعث، هو التوحيد بين الحزب الواحد والوطن المشترك، حيث يتم التضحية بالمواطن وهويته في سبيل الوطن المنصهر في هوية الحزب والنظام القوموي. اما في مفهوم المواطنة والوطن المشترك هناك انتماء طوعي لهوية الوطن الجامعة الا وهي الهوية السورية، بناء على أساس الهوية الثقافية التي ينتمي اليها الفرد خلقة.
3- مبدأ الجمهورية الديمقراطية:
اعتبار الجمهورية على أنه نموذج للدولة القومية الواحدة هو تحريف وتشويه للحقيقة وبالتالي هو شكل آخر لإقصاء الآخرين، فالجمهورية الديمقراطية هو الشكل الأمثل لنظام الدولة الجمهورية، ولا يمكن تسمية دولة ما بأنها دولة قومية وديمقراطية في نفس الوقت، لأن هذه الصفات متناقضة في الجوهر، الجمهورية الديمقراطية هي التي تتوافق مع النظام الديمقراطي وتكون مناسبةً لها، أما الدولة القومية تقوم على العكس من ذلك بصهر المجتمع المتنوع ضمن بوتقته. كما أن مبدأ الحل الديمقراطي يتلائم مع الجمهورية لكنه لا يتلائم مع الدولة القومية، لأن المهم هنا هو تحويل أو بناء الجمهورية باعتباره سقف عام يحتضن جميع مكونات الديمقراطية، كما لا يجوز إضفاء طابع أيديولوجي أو قومي أو ديني على نظام الجمهورية أثناء تحقيق التحول الديمقراطي، ومن الضروري جداً اعتبار الجمهورية منظمة سقفية- حقوقية وديمقراطية لكافة المواطنين وتعريفها بميزاتها الاجتماعية والعلمانية بشكل سليم. بهذا الشكل فقط يمكننا تعريف الجمهورية من دون أن نضفي عليها طابعاً قومياً أو دينياً أو ايديولوجياً. فالابتعاد عن التسميات القومية التي تحتوي على مصطلحات تطبع الجمهورية بطابع قومية واحدة (عربية – كردية ) أوعبارات ايديولوجية أو عقائدية (اسلامية سنية – علوية)، سيؤمن التكامل والوحدة في المجتمع بشكل أكثر .
4- مبدأ الدستور الديمقراطي:
بالرغم من أن الدمقرطة حركة سياسية لا تستند إلى دستور مصاغ وإنما يتم صياغته بمشاركة كافة مكونات المجتمع وهي لا تتحول إلى نظام حكم دائمي ومستقر، فالدساتير الديمقراطية هي تعبيرِ حقيقي لتوافق الدولة مع المجتمع الديمقراطي ولا يمكن للفرد أن يحقق حريته ويضمن حقوقه إلا من خلال مجتمع ديمقراطي لأنه ليس بمقدوره بمفرده حماية حقوقه في مواجهة قوى الدولة المتزايدة.
الدستور التوافقي الديمقراطي أداة لا يمكن الاستغناء عنها لإخراج الدولة باعتبارها مؤسسة بيروقراطية تخلق المشاكل باستمرار وتحويلها إلى عامل يؤمن الحلول للقضايا الموجودة، فالدستور الديمقراطي بخاصيته التي تجعل من النظام فاعلاً تقدم خبراتها وتجاربها في خدمة المجتمع، وهي أرضية سليمة لتلاحم النظام والمجتمع.
يتطلب صياغة دستور ديمقراطي تتحقق فيه الديمقراطية ضمن إطار المعادلة التالية: ( الديمقراطية + الدولة ) وتبذل جهوداً عملية ونظرية وافية أثناء مرحلة صياغة الدستور، بحيث تخدم المجتمع أكثر من الدولة لان الدولة هي أيضا لخدمة المجتمع وليس المجتمع لخدمة الدولة،
بالطبع ان سوريا التي أصبحت على المحك، وتعاني من زيادة النفوذ الخارجية المتدخلة بالشان الداخلي، وضعف القرار والإرادة الوطنية، لابد انها بحاجة لدستور يحافظ على وحدة أراضيها، وتماسك مجتمعها من قبل السوريين ككل وبارادة طوعية وقناعة وانتماء وحسن وطني جامع. فبعد سبعة أعوام من الازمة السورية، بات من الواضح ان الدستور الحالي، لا يعبر عن عمق الازمة الموجودة، باعتباره هو السبب الرئيسي من ظهور الازمة. فالدستور الذي يسمي دين الدولة، وقوميتها، وجنسيتها، لابد انه يقصي القسم الكبير من المجتمع السوري ويحرمه من حقوقهن ويعرضه لعملية الصهر ترتقي لمستوى جرائم ضد الانسانية. وخلال سنوات الازمة أيضا، ظهر ان الإصرار على الدستور الحالي يزيد من الانقسامات في المجتمع السوري، وحتى في الجغرافيا أيضا. وهذا يشكل خطرا جديا على مستقبل سوريا وما سيأتي معه من مجازر جديدة.
فالدستور المتوافق عليه من قبل السوريين، هو الحل الأمثل، الدستور الديمقراطي الذي يعتمد على اللامركزية الديمقراطية لنظام حكم، بادرات مناطقية ذات صلاحيات إدارية وامنية واقتصادية وثقافية. يمكن اعتماد اللامركزية في جوانب التشريع حيث المناطق بحاجة لان يكون لها القوانين التي تحتاجها وتعبر عن حقيقتها الثقافية والاجتماعية. حتى في مجال العدالة أيضا يحب ان تكون اللامركزية أساسا في اصدار الاحكام ومعاقبة الهاربين من العدالة، علما ان القوانين ليس بإمكانها حل كافة القضايا، انما لحان الصلح هي القادرة على لعب دورها بشكل فعال، فنظام الإدارة الذاتية قامت بتفعيل هذه اللجان، عوضا عن القوانين اصبح للاخلاق دورا بارزا في حل القضايا الاجتماعية.
القوانين الدستورية ستنظم العلاقة اللامركزية بين حكومة المركز والإدارات الذاتية في كافة مجالات الحياة.
٥- مبدأ وحدة الحقوق والحريات الفردية والجماعية:
مبدأ الحريات والحقوق يلعب دوراً مصيرياً في إيجاد الحلول لقضايا الدمقرطة، لكن الفارق بين الطابع الفردي والجماعي في الممارسة العملية المخالفة لطبيعة المجتمعات ستعقد القضايا عوضاً عن إيجاد الحلول لها، وهناك أمثلة لا تحصى على هذه الحقيقة التي يمكننا ملاحظتها في التجارب العالمية، فالفرد بدون التجمعات البشرية لا يمكنه العيش في أي مكان أو زمان بشكل طبيعي وحر، لأن الفرد بدون المجتمع يفقد معناه، كما أن تجريده من حقوقه وحريته يجعله مفتقداً لقوته التطبيقية والعكس صحيح، عندما لا ترى الحقوق والحريات المكتسبة ممارستها العملية في حياة التجمعات البشرية وأفرادها، فهي عديمة المعنى، لأن الحريات والحقوق لا تتحقق بدون التجمعات ولا الأفراد، لذا فإن حرمان المجتمعات من الحقوق والحريات الجماعية يجعل أفرادها معرضين للمصير ذاته بمعنى آخر، لا توجد حرية فردية بمعزل عن الحرية الجماعية.
الدولة المبنية على أساس ديني، جنسوي، قوموي، تعرض من خارج هذه الأطر للتهميش والصهر، لذلك نرى نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاعية ضئلة جدا بحيث لا تساوي ٢٠ بالمئة، بطبيعة الحال يصبح المجتمع والنظام ذكوريا. وتتمحور الحقوق والحريات حول الرجل فقط، وتحرم المرأة من حقوقها وهذا ما نعاني منه حاليا في سوريا. ومع استمرار سنوات الحرب، طرأ على المجتمع السوري تغييرات جمة، عملية التشييع التي يتعرض له المجتمع يحد من الثقافات القديمة ويطغي عليها واخلاقيات وثقافات الطوائف الدخيلة. ومن ناحية أخرى انتشار ثقافة الطائفة السنية التي تتجاوز حدود حركة الاخوان وباتجاه الدعشنة، أصبحت سائدة في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة والمدعومة من دول الخليج وتركيا. هي أيضا أصبحت تفرض نوع معين من الحقوق والحريات على المرأة وكافة افراد المجتمع وجماعاته. بالإضافة الى تطور الفكر العلماني الديمقراطي في مناطق شمال وشرق سوريا، والحييز الذي قدمته الإدارة الذاتية بالنسبة لحقوق وحريات الافراد والجماعات. وخاصة حقوق المرأة واعتمادها الحياة الندية التشاركية مع الرجل أساسا في كافة مجالات الحياة. وهكذا أيضا وضع الأديان، بدل ان ان يتسبب الدستور بحروب ونزاعات دموية بين الأديان، عليه ان يراعي حقوق الافراد والجماعات بممارسة عقائدهم بحرية، كملتقى الأديان في مناطق الإدارة الذاتية الذي يور الحوار وروح التسامح ما بينها، ويغير من النظرة التاريخية الخاطئة التي بثتها الأيديولوجيات.
الابعاد في الإدارة الذاتية:
- البعد الثقافي:
يحتوي المجتمع السوري ككل، وشمال وشرق سوريا كخصوصية، تنوعا ثقافيا وغنى حضاري، يعتبر غنى ونقاط قوة بالنسبة لسوريا، ان كان وجد النظام الذي يحافظ على التوازن بين ويسعى لاحيائها وتطويرها بشكل مستمر، لكن ان تم اقصاؤها والتمييز بينها، فهي تشكل نقطة ضعف بالنسبة لاي بلد يملك هذا التنوع الثقافي، سيعرض البلد لخطر التنافر بين شرائح المجتمع والتنازع بينها. لذلك تحافظ الإدارة الذاتية على الثقافات الموجودة وتحيي الهويات المكبوتة والمهمشة، لتحولها الى نقطة قوة وتماسك بين المجتمع. لان احياء الثقافات والحفاظ عليها من الانحلال والانصهار يفتح المجال اما الانتماء الطوعي للهوية الوطنية الجامعة (الهوية السورية) لذلك التعلم باللغة الام من احد المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها الإدارة الذاتية، وتسعى لان تكون مبدأ فوق دستوري في الدستور السوري، فالهوية السورية ستكون عرضة للخطر مالم تعتمد على الهويات المحلية سواء كانت قومية او ثقافية. هكذا هي حرية ممارسة العقائد الدينية أيضا، عندما يتم فصل الدين عن نظام الحكم وتصبح العقيدة هي اجتماعية بعيدة عن السياسة، ستنتهي كل النزاعات والصراعات على السلطة تحت مسمى الدين او الطائفة. ففي نظام الإدارة الذاتي هناك مجال خاص لملتقى الايان تتعايش مع بعضها.
- البعد الاجتماعي:
المجتمع هو حالة إنسانية تختلف عن تجمع القطيع بالوعي، عندما يكون هناك وعي للحياة، وهناك عدل وتوازن ومساواة بين الرجل والمرأة، بين المجتمع والطبيعة، بين المدينة والريف، بين الفرد والمجتمع، يمكننا ان نسميه مجتمعا، وبدون ذلك تكون حياة القطيع هي الطاغية، لذلك حقوق وحرية المرأة تعتبر العماد الأساسي لحرية المجتمع والطبيعة والفرد. تعتمد الإدارة الذاتية حرية المرأة والمساواة بين الجنسين ركن أساسي للحياة السليمة الحرة، الحياة التشاركية الندية في المجتمع، الرئاسة المشتركة في مراكز القرار هو الأساس. والحقوق المشمولة في هذا البعد أيضا لا بد ان تكون في مبادئ فوق دستورية. فذا البعد له جوانب صحية وبيئية أيضا، تشمل الشبيبة والرياضة وضروة ان يتم اعطاءها المجال للعب دورها في رسم سياسات المجتمع الديمقراطي، وتحديد المستقبل والرفع من المستوى الاجتماعي، وعدم تركها عرضة للسياسات الدخيلة. الاهتمام بالمسنيين لخبرة وتجربة حياة غنية والاستفادة منها في مجالات متنوعة تهتم بها الإدارة الذاتية من خلال مشاريع خاصة.
٣- بعد الحماية الذاتية في الأنظمة الديمقراطية:
تـأكّد علمياً بأن كل كائن يملك نظاماً دفاعياً خاصاً به بشكل طبيعي، اعتباراً من الأحياء ذات الخلية الواحدة ومروراً بالإنسان والنباتات والحيوانات. لذا فأن المجتمعات البشرية التي تمتلك مستوىً راقياً من الذكاء لا يمكنها التخلي عن آلية الحماية الذاتية، فالحروب المندلعة مرتبطة عن قرب بالمفاهيم المنحرفة عن الحماية الذاتية التي خلقتها الأنظمة الحضارية في التاريخ، ففي المجتمعات الطبيعية اعتبرت عملية الحماية الذاتية من المهام الأولية للدفاع عن كيانهم ووجودهم تجاه الهجمات المميتة لقوى الطبيعة الخارقة، وفي مواجهة الصراعات التي كانت تنشب فيما بينها، وفي مراحل الحضارات الهرمية والامبراطوريات، لجأت المجتمعات الديمقراطية والأفراد الأحرار إلى الدفاع عن أنفسهم واعتبروا مبدأ الحماية الذاتية حقاً مقدساً لهم لمواجهة عمليات الاضطهاد والاستغلال الناجم عن عناصر الحداثة الرأسمالية ( الدول القومية، المؤسسات الرأسمالية والصناعوية )، لذا توجد حاجة ملحة لإيجاد حلول لمشاكل الحماية الذاتية لكافة مكونات الشعب من الأفراد والجماعات الحرة.
إن الافتقار لنظام دفاعي ذاتي في المجتمع لا يمهد السبيل أمام العبودية الاقتصادية فحسب، بل يؤدي إلى استفحال البطالة والأمراض الاجتماعية أيضاً، والأنكى من ذلك يجلب مخاطر الإبادات العرقية، الثقافية والجسدية، وعلى هذا الأساس فان الهجمات الناجمة عن النظام الحداثوي الرأسمالي تجبر المجتمعات الديمقراطية بشكل عام والأفراد الأحرار بشكل خاص على الدفاع عن ذواتهم، وفي حال إخفاق آلية الحماية الذاتية فإنهم لا يتعرضون فقط لخطر فقدان حريتهم بل يتعرضون لخطر الزوال أيضاً. انطلاقاً من هذه الحقائق ،يتوجب على المجتمع الديمقراطي ان يطور آليته في الحماية الذاتية عبر تنظيم كافة شرائحه.
النموذج المتطور في مناطق الإدارة الذاتية ليس بنموذج مؤقت ظهر نتيجة ظروف الحرب كما يتوقعه او يحلله البعض، الحماية هي حاجة مجتمعية، وليس بالضرورة ان تكون الحماية مسلحة، انما الحماية لها جوانب متعددة، سياسية، قانونية، ثقافية، وعسكرية. عند تطبيق اللامركزية في نظام الحوكمة هذا يعني، ان الامن الداخلي سيكون تابعا للإدارة الذاتية وسيكون موظفيه من سكان تلك المنطقة. الجيش أيضا يمكن توظيف المجندين من سكان المنطقة في الحماية، لكن كنظام الجيش بشكل عام هو تابع للإدارة المركزية، وتكون القيادة المحلية جزء من منظومة الدفاع المركزية.
٤- الاقتصاد في الإدارة الذاتية الديمقراطية
يقوم النظام الاقتصادي في الإدارة الذاتية الديمقراطية على مبدأ الاكتفاء الذاتي لكل إدارة على حدى. كما يهدف الاقتصاد هنا لتحقيق التنمية الشاملة العادلة والمستدامة المرتكزة على تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية. اقتصاد الإدارة الذاتية أيكولوجي مجتمعي يهدف لتأمين الحاجات الإنسانية وضمان مستوى معيشي كريم لجميع المواطنين، من خلال زيادة الإنتاج وكفاءة النشاط الاقتصادي، وضمان اقتصاد تشاركي يتم فيه تشجيع المنافسة وفقا لمبدأ الإدارة الذاتية الديمقراطية “لكل وفق عمله”، ومنع الاحتكار وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكفالة الأشكال الوطنية لملكية وسائل الإنتاج، والحفاظ على حقوق العمال والمستهلكين، وحماية البيئة، وتعزيز السيادة الوطنية، وضمان اقتصاد المرأة في كافة جوانبه. الثروات الطبيعية الموجودة في سوريا هي ثروات وطنية وهي ملك للشعب السوري، تشرف كل منطقة إدارة ذاتية على رسم سياسات اقتصادية خاصة بها ضمن خطط الاكتفاء الذاتي، وهي تتشارك في رسم السياسة الاقتصادية العامة عن طريق لجان البرلمان.
٥- دبلوماسية الإدارة الذاتية
في سوريا وحدها 41 انتماء اثني وقومي وديني وطائفي وعقائدي. ولأن سوريا بكل هذا التنوع جزء من محيطها الإقليمي والعالمي؛ فإن دبلوماسية الإدارة الذاتية الديمقراطية تنحو نحو المجتمعية. من حيث أنها تشير أداةً للسياسة الخارجية السورية، إلى قيام سوريا بإداراتها الذاتية بالانخراط وبناء العلاقات مع المجتمع المدني في المجتمعات والبلدان الأخرى، الذي يضم في طياته علاوة على العلاقة الناظمة ما بين البلدان؛ النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، منظمات المرأة، والأكاديميين، والإعلام المستقل، والعامة بشكل أوسع، بل لا بد من أن تستهدف حماية مؤسسات المجتمع المدني. وهذا نراه بأنه يقوم بدورين ابقاء الحكومة السورية في نظامها السياسي الديمقراطي أكثر ديمقراطية وفي الوقت نفسه أن يكون لنا دوراً ما في التأثير على محيطنا بالأكثر ديمقراطية. يجب أن تكون للإدارات الذاتية دورا محورياً في رسم وتنفيذ السياسة الخارجية السورية؛ انطلاقاً من شأنها السيادي الكلي وانعكاساتها المباشرة على عموم سوريا. وفي ذلك وعلى سبيل المثال يجب اعادة النظر في كل اتفاقية نسجت دون أخذ الاعتبارات لمصلحة شعب سوريا بكافة تكويناته. العلاقات الخارجية تكون الدولة مختصة بها، لكن هذا لا يعني ان لا تمارس الإدارة الذاتية ديبلوماسيتها على المستوى المحلي ومع القوى الخارجية بما لا يتنافى مع الدستور والمصلحة السورية العامة.
سلك العدالة:
للإدارة الذاتية مجال العمل في القضاء من خلال مجالس العدل ولجان الصلح التي تعتمد الصلح الاجتماعي في اغلب القضايا التي لا تضمن الجرائم والحق العام. المحاكم تكون محلية مع توحيد قوانين الجزاء في كامل البلاد.