دخلت الأزمة السورية عامها السادس وتبدو على شكل صراع وأزمة مستعصية دفعت بالسوريين للبحث في جميع الاتجاهات عن وطن يؤويهم,
وحشرت البلاد في نفق مظلم غابت عنه المخارج الآمنة, بينما الخراب والدمار وهدر دماء السوريين لا يزال مستمراً بالتوازي مع جلسات التفاوض في جنيف بين الأطراف المتصارعة على السلطة والمدّعية حصرية تمثيلها للسوريين زوراً وانتحالا, بعيداً عن طموحات وإرادة السوريين في التغيير الديمقراطي الحقيقي،
مما يبقي المفاوضات وعلى مدى ثلاثة جولات متتالية عبثية وغير مجدية, كونها تفتقد مشروعاً منهجيا ورؤية حقيقية للتغيير وكذلك تفتقد تمثيلاً حقيقياً ووازناً للشعب السوري.
واليوم وبعد إعلان وفد الرياض تعليق مشاركته في المفاوضات, تنهار الهدنة المعلنة وتستعر المعارك من جديد, بينما يصرّ المبعوث الدولي السيد دي مستورا على الاستمرار في المفاوضات بمن حضر مدعوماً في ذلك بمواقف الأطراف الدولية التي تحاول ترقيع ولملمة ما تم تمزيقه خلال الأعوام الستة من عمر الصراع، في دلالة واضحة وإضافية على دخول المفاوضات في طريق مسدود.
ومما يثير الاستغراب والدهشة حقاً هذا الإصرار على استمرار المفاوضات بأطراف غير مؤهلة لإنجاح العملية السياسية لا من ناحية امتلاكها لمشروع وطني يحظى بقبول السوريين ولا من ناحية تمثيلها الحقيقي على الأرض, في نفس الوقت الذي يتم فيه إقصاء وتغييب قوىً ديمقراطية أثبتت فاعلية مشروعها الوطني الديمقراطي وتمثيلها لقوات عسكرية على الأرض ذات كفاءة وقدرة عالية على حماية مناطقها ومحاربة الإرهاب والتطرف,
وهذا مما يشكك في مصداقية وجدية المفاوضات ومما يدفع النظام إلى الانتشاء والتصلب أكثر في عدم التجاوب مع المبادرات الدولية لحل الأزمة في سوريا.
وبالفعل بنتيجة استعصاء المفاوضات في جنيف وتسجيل النظام نقاط سياسية لصالحه كطرف مستمر في المفاوضات وكذلك تسجيله نقاطاً عسكرية في خضم انهيار الهدنة في معظم المناطق السورية, اندفع في خطوة متهورة نحو كسر التوازن الدقيق والحساس في قامشلو في محاولة منه للسيطرة على المدينة من خلال دفع الفصائل المسلحة التابعة له للهجوم على المدنيين وتهديد أمنهم واستقرارهم ومناوشة حمايات المدينة مما دفع بقوات الأسايش إلى ردع هذه الاعتداءات والدخول في مواجهات قوية مع القوات التابعة للنظام وتأمين حياة المواطنين وحمايتهم من أية تهديدات ومن أية جهة أتت,
هذه المواجهات التي استمرت عدة أيام لم تتوقف إلا بتدخلٍ ووساطةٍ من وجهاء المنطقة الذين نجحوا في إعلان الهدنة أولاً، ومن ثم تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين النظام والإدارة الذاتية الديمقراطية.
ومن هنا يمكن التأكيد على أن الطرف المحاور أو المفاوض عندما يمتلك رؤية ومشروعاً واضحاً وقوة تمثيلية حقيقية فهو قادر على حل النزاعات بشكل جذري.
إننا في مجلس سوريا الديمقراطية وإيماناً منّا بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية, أيدنا ودعمنا على الدوام المبادرات الدولية والأممية في هذا السياق, وأبدينا استعدادنا وقدرتنا الحقيقية للمساهمة في إنجاح العملية السياسية التفاوضية برؤية ومشروع وطني ديمقراطي حقيقي, واستطعنا كسب ثقة معظم المرجعيات الدولية والإقليمية ذات العلاقة بامتلاكنا لعوامل و مقومات المفاوض الوازن الذي أشارت إليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ورغم ذلك سايرت القوى الراعية للمفاوضات الابتزازات التركية المصرّة على استبعادنا من مفاوضات جنيف اعتقاداً من هذه القوى بضرورة استيعاب تركيا ولجم دورها التخريبي في الأزمة السورية مما وضع مفاوضات جنيف بالضد من مضامين قرارات مجلس الأمن الدولي التي تشير إلى أن العملية التفاوضية تتم بين السوريين وبقيادة السوريين وإرادتهم،
لتبقى العملية التفاوضية في جنيف رهينة السياسات التركية وخطوطها الحمراء ودورها الإقليمي الهدّام المدعوم والمتحالف مع البعض الإقليمي الآخر. ولذلك فإننا نعلن للرأي العام:
أولاً- إننا كمجلس سوريا الديمقراطية انتظرنا طويلاً وأتحنا الفرصة كاملة للأطراف الدولية كي تتجاوز الفيتو التركي وتفرض مصلحة السوريين عبر مفاوضات سورية سورية يتمثل فيها المجتمع السوري بكل تنوعاته, وبذلنا الجهد الممكن في سبيل تحقيق ذلك ولكننا لم نلقى إلا التسويف والوعود المعسولة فقط.
ثانياً- التزمت قواتنا ( قوات سوريا الديمقراطية ) بالهدنة ( وقف العمليات العدائية ) منذ إعلانها, حرصاً منها على تذليل كافة العقبات أمام إنجاح العملية السياسية في جنيف وإنهاء المأساة السورية مع الاحتفاظ بحق الرد على الاعتداءات المحتملة، بخلاف معظم القوى المسلحة الأخرى على الساحة السورية.
وتعرضت مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ولا سيما حي الشيخ مقصود بحلب لاعتداءات وهجوم لا يزال مستمراً بكافة أنواع الأسلحة بما فيه الأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفة المدنيين والتجمعات السكنية المكتظة ومرتكبة فيها مجازر بشعة في ظل صمت مطبق من رعاة الهدنة والمفاوضات و دون إدانة علنية لها.
قوات سوريا الديمقراطية التي رسّخت نفسها دولياً كعنوان لقوات ناجحة في مكافحة الإرهاب وحررت مناطق شاسعة من سيطرة تنظيم داعش وحققت انتصارات عظيمة في هذا المجال وحمت مناطقها، وتصدت أيضاً لاستبداد النظام البعثي ومحاولاته الإخلال بأمن مناطقها – تستبعد من العملية التفاوضية بينما يتم تمثيل واستدعاء أطراف محسوبة على الإرهاب والسماح بمشاركة ممثل مجموعة جيش الإسلام (محمد علوش) التي استخدمت الكيماوي في الشيخ مقصود كما استخدمته سابقا في الغوطة الشرقية بدمشق والتي تمطر الأحياء المدنية في العاصمة بالقصف اليومي.
ثالثا- كشَفَ مسار المفاوضات في جنيف عن أنه غير قادر على التحرر من هيمنة القوى الإقليمية وسطوتها, وأنه مصرّ على الموقف الرافض تجاه القوى الديمقراطية الحقيقية للمعارضة الداخلية, علاوة على عدم قدرته فك شفرة التعقيدات في المصالح الإقليمية والدولية وعدم اكتراثه بمصلحة الوطن والشعب السوري وتمسكه بالصراع على السلطة وبالتالي فشل المفاوضات بين أطرافها.
وبالارتكاز على التوجه الأممي في توصيفه للمفاوضات بأنها عملية سياسية سورية يقودها السوريون بأنفسهم, يكون من المناسب كخطوة جادة بالاتجاه الصحيح كسر حصرية العملية السياسية المتشرنقة في جنيف،
والبحث في الحل السياسي ضمن إطار الوطن السوري وبين الأطراف والقوى الداخلية للمعارضة السورية المؤمنة بالحل السياسي وبالمستقبل الديمقراطي التعددي اللامركزي لسوريا الموحدة، وتهيئة المناخات الملائمة لإجراء المفاوضات بين أطرافها.
وبهذا الهدف قمنا ولا نزال بتطوير الحوار مع بعض الأطراف المعنية وذات الصلة وسنواصل العمل في هذا الاتجاه من أجل تحقيق الحل السياسي السوري السوري.
26/4/2016
الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديمقراطية