الوثيقة السياسية

بعد مرور أكثرَ من قرنٍ على المعاهدات والاتفاقات الدولية التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى، ورسمِ خرائطَ جديدةٍ للمنطقة بعيداً عن تطلّعات وطموحاتِ شعوبها ومن ثم انتزاع الأنظمة الاستبدادية القوموية السلطة في هذه البلدان الناشئة، انفجرت الأزمات البنيوية والحروب الداخلية في المنطقة من جديد وتمركزت بأبشعِ صورها في سوريا، حيث دخلتْ  الأزمةُ عامها  الثالث عشر وما زالت آلةُ الحرب تحصد الأرواح وتنشر الموت والدمار في ظلّ عدم قدرة السوريينَ والمجتمع الدولي في التّوصل إلى صيغٍ توافقيةٍ وبلورة مشروعٍ سياسي يُفضي إلى مخرجٍ من النفق المظلم الذي دخلته البلاد على الرّغم من عقد عشرات المؤتمرات التي لم تمثّل كافة القِوى الوطنية السورية، فعنفُ النظام الاستبدادي والعنف المضاد للجماعات الإسلامية المتطرفة أدّيا لمقتلِ مئات الآلاف من السوريين ومثلهم من المفقودينَ، وأكثر من مليوني مصاب ومعوّق وملايين المهجّرينَ، ودمارٍ شبِهِ كاملٍ لمعظم المدن والبلدات والقرى وبُناها التحتية.

  • ونتيجةً لما آلت إليه الأمور، ظهر بما لا يدعو مجالاً للشّك أن الحِراك الشعبي الثوري الذي بدأت شرارتُهُ الأولى في أواسط أذار  2011 م، افتقر لقيادةٍ كفؤة قادرة على توجيه عملية التغيير والتّحول الديمقراطي لأسباب عديدة، أهمّها غياب الرؤية الصحيحة للواقع السوري ولآفاق مستقبله، والافتقارُ لاستراتيجيات وخطط سليمة لتطوير هذا الحِراك مما حوّلها إلى أزمةٍ معقّدة، وكذلك عدم الاعتماد على القِوى الذاتية المُتاحة ممّا سمح للتدخّلات الخارجية باستباحة السيادة السورية حتى بات الخارجُ هو العاملُ الحاسم في كثيرٍ من الأحيان والمتحكّمُ في إدارة الأزمة، أصبحت سوريا بذلك ساحةً لتدخّلاتٍ لا حصر لها، وتعدّدت مصادر التمويل لدرجةٍ مكّنت هذه المصادر من استخدام الساحة السورية لتصفية حساباتها ولخدمة مصالحها الاستراتيجية والتكتيكية، وبالتالي توفّرت الأرضية الخصبة لظهور ونموِّ التيارات الأصولية الراديكالية المتطرفة التي سيطرت فيما بعد على قِوى المعارضة  السورية الهشّة وغير المنظّمة كفاية، بدءاً من “القاعدة” و”جبهة النصرة” ووصولاً إلى “داعش” كأخطر منظّمات إرهابية تطرّفية دموية تخوض الحرب باسم الدّين ضد كلّ القِيم الإنسانية.

إن أحداثَ السنوات السابقة في سوريا والمنطقة أكّدت أن الثورة في هذه المرحلة وفي مثل هذه الأوضاع تحتاج دون شكٍّ إلى برنامجٍ متكاملٍ واضح الملامح يجسّد روح العصر، ويؤمن مشاركة الشعوبِ والمكوّنات المختلفة بشكل فاعل ومسؤول في بناء نظامٍ ديمقراطي وحمايته وتطويره.

إن الحلَّ السياسي للأزمة السورية يكون بتطبيق القرار 2254، والقرارات الأممية ذات الصّلة وبمشاركة كافة القِوى والمكوّنات السورية، هو الحلّ الأمثل القادر على أن يضعَ حدّاً للمأساة وبناءِ سوريا المستقبل على أُسسٍ ديمقراطيةٍ تعدّدية لا مركزية.

إن بناءَ الهوية الوطنية الجامعة المؤسسة على المواطنة الحرّة الواعية تشكّل مرتكزاً لبناء سوريا المنشودة، وتمكّن جميع المكوّنات من تحقيق ذاتها في الوطن المشترك الذي يحمي الجميع دون إقصاءٍ أو تسلّط.

 إن المطالبةَ بأن تكون سوريا لا مركزية لا تعني الغاء المركز، بل إن المركز سيلعب دوراً من كونه أداةً تحكّم إلى وسيلة تنسيق وتوحيد بين جميع الأقاليم التي تشكّل الكل، مع احتفاظه بإدارة وظائف أساسية محدّدة تحمل الصفة الاستراتيجية العامة.

 إن الحوارَ السوري – السوري، هو الطريقُ الناجح من أجل وقف نزيف الدم السوري وإنهاء حالة الانقسام التي تعاني منها سوريا وتشتّت قواها السياسية، والتي تسببت في هدر طاقات المجتمع السوري، وبناء سوريا على أُسس إقرار الهوية الوطنية المركّبة والتشاركية والتّنوع المجتمعي والثقافي والديني والإثني للنسيج السوري، وتحقيق العدالة والحرية والمساواة .

إن مجلسَ سوريا الديمقراطية الذي تأسّس في 8-9/12/2015 في ديريك يؤكدُ على المبادئ التالية :

  • الشعبُ في الجمهورية السورية وحدةٌ سياسيةٌ مجتمعية متكاملة، عمادُها المواطنة الحرّة الواعية المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز بين أبنائه، وهو حرٌّ على أرض دولته ويعتز بعمقه الحضاري والثقافي الثري والمتنوّع، ويبني دولته على هذا الأساس بمشاركة جميع مكوّناته دون تمييز أو إقصاء،  والشعب السوري كصيرورةٍ تاريخيةٍ يعبّر عن التفاعل والوفاق المجتمعي بين شعوب أصيلة في المنطقة من عربٍ، كرد، سريان اشوريين، تركمان، شركس، أرمن، ولجميع مكوّناته الحقّ الكامل بالتّمتع بالحقوق القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية.

  • الحفاظُ على وحدة الأراضي السورية واحترامُ سيادتها وعدم جواز التنازل عن أي شبرٍ من أراضيها والعمل على تحرير أراضيها المحتلة.

  • اعتمادُ مبدأ حسن الجوار والعلاقات المبنية على أساس المصالح المتبادلة.

  • الإقرارُ بالتّنوع المجتمعي السوري والاعتراف الدستوري بالحقوق القومية لكلٍّ من الشعب الكردي، السرياني الآشوري، التركماني، الارمني، وحلّ قضيتهم حلّاً ديمقراطياً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية.

  • الانتقالُ من حالة الاستبداد السياسي والذهنية الشوفينية والنظام المركزي والدولة القومية إلى نظامٍ ديمقراطي تعدّدي لا مركزي.

  • التأكيدُ على صياغة دستور ديمقراطي توافقي بمشاركة جميع السوريين من أجل تحقيق تطلّعات وطموح الشعب السوري.

  • مناهضةُ الفكر التكفيري وثقافة التطرّف بكافة أشكاله.

  • التأكيدُ على أن حريةَ المرأة أساسٌ وضمانةٌ لكافة الحريات، وضمان المشاركة الفعّالة للمرأة في كافة مراحل العملية السياسية.

  • اعتبارُ التمثيل بالمناصفة بين الجنسَين في كافة مجالات الحياة مبدأٌ أساسي لتحقيق الحياة العادلة الحرّة في المجتمع السوري، وضمان ذلك في الدستور.

  • تبنّي سياسة اقتصادية على أُسس الإيكولوجيا والعدالة الاجتماعية وتحقّق العدالة والتوزيع العادل للثروات والتنمية المتوازنة والمستدامة.

  • التعليمُ باللغة الأم حقٌّ أساسي يقوّي النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات السورية.

  • الجيشُ السوري هو المؤسسة الوطنية التي ينحصر بها حملُ السلاح ولا تتدخل بالسياسة.

  • الشبابُ قوّة فاعلة في المجتمع يجب تمثيلهم في النظام الديمقراطي المنشود تمثيلاً حقيقياً وازناً، وهم طليعة لعملية التغيير الديمقراطي وتمثيلهم بنسبة 25% في كافة المجالات.

  • ضمانُ حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وبشكل خاص ضحايا الحرب المدمّرة التي عاشتها وتعيشها سوريا خلال سنوات الحرب.

  • حمايةُ حقوق الطفل حسب القوانين والأعراف الدولية ووضع مشاريعَ لإنقاذهم من تبعات التهجير والعسكرة والأمّية .

  • الشهداءُ هم القيمة المعنوية للثورة والمجتمع، الاهتمام بعوائلهم ورعايتهم واجبٌ أخلاقي وقانوني.

  • تمكينُ المجتمع من امتلاك أدوات وعي حماية ذاتية في مواجهة مخاطر الاستبداد والاستلاب والقهر .

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.