بصرف النظر عن حجم الكوارث بشقيها السياسي والطبيعي، التي ألمَت بالسوريين وعلى امتداد الجغرافية السورية، لكن ما يجمع السوريين اليوم، وعلى اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، هو الجانب الإنساني المتعلق بتجاوز تداعيات الحرب، ومؤخراً المتعلق بتجاوز تداعيات الزلزال المُدمر، ليكون بذلك الجانب الإنساني، وفي هذا التوقيت الذي تمر به سوريا، هو الجانب الأعلى قيمة وأهمية، على الأقل بشقه العاطفي والوطني. لكن حتى اللحظة والواضح، أن الجانب الإنساني الذي يبحث عنه السوريون ليكون واقعاً، تؤطره تحديات سياسية جمّة بالنسبة للأطراف الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري، الأمر الذي يضع أحلام السوريين في مهب الريح، إضافة إلى ترجمة ذلك، عبر مقاربة غالبية القوى الإقليمية والدولية للكارثة السورية، وفق المنظور السياسي، ولعل الأهم من هذا وذاك، فإن لغة دمشق بجانبيها السياسي والإعلامي، لا تزال ضمن أطر إقصاء المناطق الواقعة خارج سيطرتها، الأمر الذي يُهدد وبشكل مباشر، توجهات السوريين، وبحثهم عن مخارج لواقعهم.
نتفق أن الجانب الإنساني الذي يُجمع عليه السوريون، قد لا يكون مثار اهتمام من قبل القوى الإقليمية والدولية، ما يعني ووفق وجهة نظر تلك الدول، أن الجانب الإنساني هو الأقل أهمية، والأهم من ذلك، أن الجانب الإنساني يُعد أداة رابحة للاستثمار، سواء من قبل السلطة في دمشق، أو القوى الإقليمية والدولية، وذلك بُغية تمرير سياسات ترتبط بأجندات يُراد فرضها واقعاً على السوريين. ومع الكارثة التي حلت بالسوريين وجغرافيتهم، طفت على سطح أحلام السوريين، مسألة العقوبات الغربية والأميركية خصوصاً، وضمناً القرار الذي اتخذته وزارة الخزانة الأميركية يوم 9 شباط وبعدها البريطانيون، بما أسموه تخفيف العقوبات استجابة لكارثة الزلزال، والحقيقة أنهم أظهروا النية لتخفيف انتقائي للعقوبات لن يخدم عموم السوريين بقدر ما سيخدم أطرافاً معينة على رأسها المتشددون والفاسدون الكبار المرتبطون بالسلطة في دمشق، هذا على الأقل ما ظهر واضحاً خلال الأسبوع الماضي.
قد يهمك: الفصائل الموالية لتركيا تصادر المساعدات وتسرق الخيام
وبعد القرار الأمريكي بأيام، برزت مسألة المعابر مع تركيا وطريقة التعامل معها، ومن ثم ظهرت أيضاً مواقف إنسانية لقوى سياسية سورية أصرت على إسقاط أي ذكر لمسألة العقوبات، وهذا كلّه مجتمعاً يحتاج إلى فهم على المستوى السياسي وليس الإنساني فقط. وبذلك فإن تفسير سلوك القوى الإقليمية والدولية على أن وراءه دوافع إنسانية محضة هو ضرب من العبث الذي لا أساس له، وربطاً بذلك، فإن أي حديث عن حل سياسي في سوريا، أيضاً يُعد ضرب من العبث، ومحاولة البعض استثمار الواقع الحالي، وربطه بالمناخات السياسية التي أعقبت الكارثة، أيضاً هي غير واقعية. كل ذلك يمكن ربطه بجُزئيتين، الأولى أن دمشق لا تزال تُكابر وتناور، وتضع العصي في عجلات أي حل سياسي قادم، عبر سياسات واستراتيجيات، وتتابع موقفها الرافض لاي انفتاح على القوى السياسية الديمقراطية الداعية للانتقال السلمي الديمقراطي في البلاد، وبالتالي فإن تعنت دمشق لن يؤدي إلى أي حل، بل على العكس فإن رجالات السلطة في دمشق، يتراقصون على أوجاع السوريين، ويستثمرون ما افرزه الزلزال، في تعزيز سلطتهم وسطوتهم.
أما الجُزئية الثانية، فهي مرتبطة حُكماً بالقوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري، وهنا نتحدث صراحة عن روسيا وإيران وضمناً المجتمع الدولي، وعليه فإن روسيا وإن كانت تدفع باتجاه حل سياسي، فإن ذلك يجب أن يكون على مقاس مصالحها، وكذا ايران التي ترى عودة العلاقات العربية مع دمشق، تهديداً لمصالحها ومنطقها السياسي التوسعي في المنطقة، أما المجتمع الدولي لديه مطالب واضحة، تتعلق بسياسات دمشق تُجاه الداخل السوري، ومن ثم علاقة دمشق مع إيران، وموقفها من الحرب الروسية الأوكرانية. نتيجة لذلك، لا يتوقع في هذه المناخات، أي حل سياسي يُنقذ السوريين من كارثتهم.
حقيقة الأمر، ومن باب البروتوكول السياسي والإنساني، فإن خطاب رئيس السلطة في دمشق، بشار الأسد، الذي قارب جوانب الكارثة، لم يكن كافياً ليحرّض السوريين على توحيد موقفهم أولاً، ولم يكن كافياً ليُرمّم جراح السوريين ثانياً، لكنه كان موجهاً وبشكل مباشر للدول التي هبَت لنجدة السوريين، وهذا لا يُعد مساراً لبداية جديدة، بل على العكس، فقد كان واضحاً تعمد الأسد عدم ذكر المناطق الواقعة خارج سيطرة سلطته، لا سيما إدلب و مناطق شمال وشرق سوريا، وهذا في اللغة السياسية، يعني عدم الاعتراف بالواقع كما هو، وعدم قبولهم بالواقع الحالي، ضمن منظومة الدولة، الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة مستقبلاً.
قد يهمك: الثابت في سياسة دمشق لم يستثني كارثة الزلزال
ختاماً، من المنطقي أن تكون الكوارث جامعة للأوجاع، ومُرممة للآلام، لكن الكارثة السورية لم ولن تُقدم أي حل للسوريين. وباختصار، لا ينبغي المراهنة على أي حل سياسي خارجي، أو حلول سياسية أو اقتصادية من جانب دمشق.
عمار معتوق- دمشق