في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس الى دمشق في زيارة تستمر ليومين وسط تسريبات عن الزيارة قيل بأنها استثنائية في المضمون والأهداف، وذلك في حالة من سوء الأوضاع المعيشة والاقتصادية، التي تؤطر يوميات السوريين.
لسنا بصدد تسليط الضوء على العلاقة الإيرانية السورية، ولسنا بصدد التّعمق في ماهية تلك العلاقات بشقّيها السياسي والجيواستراتيجي، لكن ما يهمنا ويهم غالبية السوريين، التوصل الى حلّ سياسي واقتصادي، يُجنّب السوريين المزيد من الانحدار، لا سيما بأن إيران بوصفها قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في الملف السوري، وتربطها علاقات استراتيجية مع تركيا، وتتمتع باقتصاد قوي مكّنها من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، لكن كل ذلك، لم يُغير من واقع السوريين السياسي والاقتصادي أي شيء، فضلاً عن أن إيران تمتلك جُملة من الاوراق الذهبية في سوريا، وترتكز على أرضية اقتصادية صُلبة، لكن يبدو بأن إيران تبقى حليفة للسلطة في دمشق، وشأنها كشأن السلطة، لا تُعير اهتماما لواقع السوريين البائس.
قد يهمك: عودة سياسية في توقيت مُبهم.. العرب وسوريا وسنوات الدم
زيارة رئيسي إلى دمشق، ترتكز في المضمون على أمرين اثنين. الأول، تعزيز حضور إيران الاقتصادي في سوريا، ليس من زاوية دعم صمود السوريين ودولتهم، بل لتغطية فاتورة التدخل في سوريا خلال السنوات السابقة، ورغم استحواذ إيران على مفاصل مهمة في الاقتصاد السوري، إلا أنه ثمة ضرورات اقتصادية جديدة، تتعلق برغبات إيران البدء في التنقيب والاستحواذ على حقول الغاز في الساحل السوري، بالإضافة إلى حقول النفط في منطقة جبال القلمون، وبذلك تضمن تسديد فاتورة تدخّلها في سوريا ولا ضير من إعطاء الفُتات للسلطة في دمشق، شرط ضمان بقاء حمايتها للسلطة.
وضمن المُعطى الأول، فإن زيارات المسؤولين الإيرانيين لم تنقطع إلى دمشق، وفي المقابل ثمة تعهدات إيرانية تتعلق بتعزيز الاقتصاد السوري، ورفده بمقومات الصمود، لكن لا شيء على أرض الواقع، ولعل ما أعلنه وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهردار بزر باش، أن العلاقات الإيرانية السورية تحتاج إلى اتخاذ قرارات كبرى، فإن هذه الصراحة والمكاشفة تدفعنا للسؤال، ما القطب المخفية التي تمنع أو تعرقل تفعيل العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية لتصل إلى مستوى ماهي عليه العلاقات السياسية، بل والاستراتيجية؟ والأهم ما الذي يمنع إيران من مساعدة السوريين؟.
المُعطى الثاني، ينطلق من العلاقة الاستراتيجية بين طهران وأنقرة، لتكون زيارة رئيسي إلى دمشق، عنواناً للضغط على السلطة، بُغية تقديم تنازلات لـ أردوغان، وربما لقاءه برعاية إيرانية، من أجل توظيف لقاء الأسد مع أردوغان، في سباق الأخير الانتخابي، لا سيما بأن بقاء اردوغان في السلطة، يُعد أيضاً ضرورة إيرانية لاستكمال مفردات وعناوين السيطرة على الجغرافية السورية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك من يرى بأن إعادة العلاقات العربية مع السلطة في دمشق قد يكون مساراً للابتعاد عن إيران، وتقديم مغريات الى مسؤولي السلطة للعمل على تحييد إيران، وكف يدها، والأهم إخراج فصائلها من الجغرافية السورية، الأمر الذي تراه طهران ووفق المقولة الشعبية “طلعنا من المولد بلا حمص”، وبالتالي فإن رؤية إيران في هذا الإطار تتمثّل بالضغط على السلطة في دمشق لإبقاء تحالفها قائماً، ولضمان بقاء سلطتها الاقتصادية على الموارد السورية، شأنها في ذلك شأن روسيا وتركيا.
قد يهمك: السوريون ينتظرون حصاد صبرهم.. ولكن!
في الواقع فإن سوريا تتصدر اليوم المشهد العربي، وهناك حالة من الانفتاح العربي تُجاه دمشق، وبصرف النظر عن جدية هذا المشهد الذي تحكمه رغبات السلطة في دمشق. لكن يبدو أن هناك تطورات تتعلق بمفهوم الحل السياسي في سوريا ضمن رؤى ترتكز على إعادة اللاجئين واخراج كافة الفصائل من سوريا، الأمر الذي اعتبرته طهران تهديداً لوجودها في سوريا وعليه، فإن زيارة رئيسي قد تكون أشبه بوضع حدّ للسلطة في دمشق، ومحاولة إبقاء الأخيرة تحت العباءة الإيرانية.
حقيقة الأمر، غالبية السوريين لا يعوّلون كثيراً على تلك الزيارة. لكن تبقى العِبر في خواتيم الأمور.
عمار المعتوق-دمشق