الكهرباء لغز حيّر السوريين، ولا تزال معضلة الكهرباء هاجساً يؤرقهم. فـ قبل سنوات، ومع ازدياد التردي الواضح فيما يخص التيار الكهربائي، كانت رواية السلطة، ترتكز على استهداف الفصائل المسلحة، لمراكز التحويل الكهربائي، واستهداف خطوط التوتر ونقل الكهرباء، الأمر الذي قالت عنه السلطة، إنه السبب الرئيس في تردي واقع السوريين الكهربائي، لكن وبعد انتهاء العمليات العسكرية، واستعادة السلطة لمناطق واسعة من الجغرافية السورية، وبعد وضع يدها على حقول الغاز المُغذّية للمحطات الحرارية، لا زال الواقع الكهربائي في سوريا، يسير من سيء إلى أسوأ، الأمر الذي يطرح جُملة تساؤلات، حيال توجهات السلطة في هذا القطاع، والمؤكد أن سياساتها تُجاه السوريين، تعتمد على إفقارهم وإذلالهم أكثر فأكثر.
شاهد/ي أيضًا: هواجس السوريين.. بين المأمول داخلياً والمطلوب إقليمياً
في مناسبات عديدة، أوضحت السلطة في دمشق، أنه لا يمكن القبول بتعميم نظام الأمبيرات في المناطق السورية، نظراً لتكاليفه المرتفعة، ولا تريد السلطة بناءً على توصيفاتها، إرهاق السوريين عبر دفع الأموال على تأمين خدمة هي في الأساس من مسؤوليتها، والواجب عليها تأمين تلك الخدمة، لكن السلطة تُثبت من جديد بأن السوريين خارج اهتماماتها، وبأنها لسيت “الأم الرؤوم بالسوريين”، وتسعى في كل مناسبة للضغط عليهم، وإجبارهم على السير في سياستها، وإلا لن ينعم السوريون برفاهية الحصول على الكهرباء.
وعلى الرغم من أن تجربة الأمبيرات ليست حديثة العهد، فـ محافظة حلب عاشت هذه التجربة المريرة، ولعل حكاية محافظة حلب والأمبيرات، تُميط اللثام عن استراتيجيات السلطة في إذلال وإفقار السوريين، فالمحافظة التي قيل عنها عصب الاقتصاد السوري، وأن حلب بعد تحريرها من المسلحين، ستنعم بكل ما لذ وطاب من الدعم الحكومي والكهربائي، لا سيما أن رأس السلطة زار برفقة وفد حكومي رفيع المستوى، المدينة المنكوبة، وافتتح في طريق زيارته العديد من المرافق المهمة، فضلاً عن وضع محطات الطاقة الكهربائية، وإعادة افتتاح المحطات الحرارية، لتنعم المحافظة الاقتصادية بالنور، والسلطة ستُعيد الألق لتلك المحافظة التي تُعد العاصمة الاقتصادية للدولة، لكن بقي السوريون في حلب، تحت رحمة مافيا الأمبيرات، والسلطة غائبة عن مناشداتهم بوضع حدٍّ لواقع الكهرباء المُزري.
وكالعادة، فإن تصريحات السلطة شيء، والواقع شيء أخر، فبعد آلاف الزيارات الحكومية، لا تزال حلب تعيش تحت سلطة مافيا الأمبيرات، وها هم زعماء مافيا الأمبيرات، ينقلون تجربتهم إلى المحافظات السورية، وتحديداً في دمشق، ليكون الأمر واضحاً، لجهة أن السلطة تُشرعن الفساد، وتطلق يد أزلامها، لتمكينهم من رقاب السوريين، في توقيت ينبغي بموجبه، أن تضطلع السلطة بمهامها، حيال تأمين واقع أفضل للسوريين، وتأمين المستلزمات التي تُحافظ على كرامتهم، خاصة أن”أبواق السلطة” يروّجون لواقع سياسي جديد، عنوانه العريض الانفتاح الاقتصادي، لكن يبدو أنه انفتاح يطال فقط تلك الدوائر المُقرّبة من السلطة.
واقع الحال يؤكد، بأن نظام الأمبيرات هو بديل السلطة لتأمين الكهرباء في مناطق سيطرتها، والمفارقة أن هذه السلطة، نفت في أكثر من مناسبة منح تراخيص رسمية للعمل بهذا النظام، لكن فوجئ السوريون، في بعض مناطق دمشق، بتجهيزات تدخل في تهيئة العمل بنظام الأمبيرات، ما يؤكد بأن السلطة تكذب، وقد منحت بالفعل تراخيص لبعض المُقربين منها، الأمر الذي يؤكد، بأن منح التراخيص لا يُعد اعترافاً رسمياً من قبل السلطة، عن عجزها في تأمين الكهرباء للسوريين فحسب، بل ثمة جهات تتعامل مع السلطة، لها منافع من نظام الأمبيرات، وبكل تأكيد، سيتم تقاسم الأرباح التي تبلغ ملايين الدولارات، مع السلطة.
وتأكيداً لِما سبق، في حلب مثلاً تبلغ تعرفة الاشتراك بالأمبير الواحد ما بين 25-40 ألف ليرة سورية حسب ساعات التشغيل، ووجود تغذية كهربائية حكومية من عدمه، فيما هي في بعض مناطق ريف دمشق تتراوح ما بين 5-6 آلاف ليرة. وهي في جميع الحالات أعلى بنسب خيالية تصل في أدنى حالاتها إلى 1000% عن تعرفة الاستهلاك المعتمدة للكهرباء الحكومية، وحتى عن تكلفة إنتاج الكيلو واط الواحد حكومياً، وتالياً فإن هناك أرباحاً فاحشة يتم تحصيلها من تجارة الأمبيرات، وبالتالي فإن تلك النفقات والأرباح كان يمكن استثمارها في إعادة تدعيم منظومة قطاع الكهرباء الحكومية، ودعمها لاستعادة حضورها وتوفير خدماتها المدعومة للمواطنين الذين بات 91% منهم مصنّفين في خانة الفقر، وأكثر من 12 مليون شخص داخل مناطق السلطة، هم بحاجة إلى مساعدة عاجلة.
شاهد/ي أيضًا: الإعلام السوري.. بين ضرورات السلطة ورغبات السوريين
من المؤسف القول، بأنه ومع تراجع ساعات التغذية لشبكة الكهرباء في مناطق سيطرة السلطة، وفقدان الأمل بتحسّنها، بعدما تبخرت وعود السلطة بتحسين الواقع الكهربائي أكثر من مرة، بدأ نظام الأمبيرات ينتشر كالنار في الهشيم، في محافظات ومدن كانت في الأساس بعيدة عن يوميات الحرب، وبذلك تحولت الأمبيرات إلى خيار لابدّ منه لغالبية السوريين، وتحديداً أصحاب المصالح، على اعتبار أن الكهرباء هي العصب الرئيس للعمل، لكن يبدو أن نظام الأمبيرات سيكون مُقتصراً على شريحة اجتماعية محددة، وقادرة على تحمّل تكاليفه الباهظة، لكنه بذات التوقيت، سيكون لنظام الأمبيرات نتائج كارثية على شريحة أوسع تكاد تشمل غالبية السوريين، لا سيما أن هؤلاء عاجزون عن تأمين قوت يوميهم، فما بالكم بدفع مبالغ كبيرة للأمبيرات. كل ذلك وتبقى السلطة في دمشق، تسير في سياسات شرعنة الفساد، وإرهاق السوريين، واستغلال حالة الانفتاح السياسي عليها، للضغط أكثر فأكثر على السوريين.
عمار المعتوق-دمشق