Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

المتابع للسياسات التركية خلال السنوات الماضية، يدرك تماماً بأن رجب طيب أردوغان لم يقرأ كتب التاريخ السياسي، وربما لم تصله كُتب الفلسفة السياسية، ليعتمد مقارباتٍ منطقية تحدّدها الواقعية السياسية في قراءة التطورات. دليل ذلك، فإن أردوغان كان يعتمد في جُل سياساته الإقليمية والدولية على مقولات مُعلّمية، ويعمل على تطبيقها، لكن غباء الرجل أحياناً يقوده إلى الهلاك، فـ أردوغان ظنّ نفسه بأنه قادرٌ على إعادة تشكيل المشهد الاستراتيجي في المنطقة، وبُغيةً منه في تحقيق التوازن الجيوسياسي وفق منظور مُعلمه نجم الدين أربكان الذي قال يوماً “إذا رأيت أنظار العالم سُلّطت على سوريا فعلم أن الهدف الرئيس هو تركيا”، وغباء أردوغان هيئ له أن العالم كلّه مُتآمر على تركيا، بل وعليه شخصياً، وربما تحذير نجم الدين أربكان مؤسّس الاسلام السياسي من خطر أردوغان، جاء متوافقاً مع غباء الأخير وهذا لا شك فيه، لكن الأهم أن ما قاله أربكان لا يمكن إسقاطه على الواقع السوري وامتداداته في هذا التوقيت، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إسقاط مقولة أربكان على الواقع السوري وتعقيداته الحالية، فـ الظروف التاريخية والسياسية مختلفة ومغايرة شكلاً ومضموناً عن توقيت ما قاله أربكان، وفي هذا أيضاً مناسبة للإضاءة على غباء أردوغان السياسي.

قبل الدخول في عمق ما نريد قوله، ثمة حكمة تقول، إذا أردت أن تعرف الوجه الحقيقي لأي إنسان فاجعله يغضب. وفي كل الأحوال يصعب على أي حاكم أن يتحكم في انفعالاته مدّة تفوق عشر سنوات. لذلك ليست صدفة أن يحدد الغرب مدّة الولاية في دورتين، فـ أردوغان تخطى السقف، ولكل أجلٍ كتاب.

شاهد/ي: رسائل العدوان التركي والرّد عليها

ما سبق يُعد ضرورياً لتوصيف سياسات أردوغان في سوريا، فـ على ضوء المتغيرات والتطورات التي جاءت ناظمة للمسارات السياسية والعسكرية في سوريا، كان لا بدّ من صوغ معادلة تركية تُبقي أنقرة صاحبة الهيمنة والتأثير شمال سوريا. فالطرح التركي لمفهوم المنطقة أو المناطق الآمِنة، وحتى على مستوى الاستهدافات التركية الأخيرة والتي طالت المدنيين والبُنى التحتية في الشمال السوري، فإن كل ذلك لم يأتِ إطلاقاً نتيجة المستجدات في سوريا أو الإقليم، فالمُراقب لتطورات الشأن السوري يُدرِك بأن تركيا لا تُعير اهتماماً للسوريين أو لتطلعاتهم ولا تعمل لحمايتهم، فهذا ليس جوهر الاستراتيجية التركية في سوريا، وإنما تسعى أنقرة وضمن أنماط توزيع الأدوار بينها وبين أدواتها الإرهابية، وإدارة مفردات الصراع السوري، إلى إنشاء منطقة آمنة وفق منظورها الخاص تكون نواة لتقسيم الجغرافية السورية، مع الإبقاء على مستويات الابتزاز السياسي والعسكري لكل القوى والأطراف الفاعلة في الملف السوري.

ربطاً بما سبق، وعطفاً على الإجرام التركي المستمر في الشمال السوري، فإننا نستطيع رصد نقاط ثلاث:

*الأولى – تحاول تركيا من خلال سياساتها في الشمال السوري بلورة جُملة من الأهداف لا سيما تلك المتعلقة بمشروع الإدارة الذاتية وضرورة القضاء عليها بشتّى الوسائل على اعتبار أن هذا المشروع المُهدِّد الحقيقي لتوجهات أردوغان وإرهابييه في الشمال السوري، فضلاً عن محاولة أردوغان تأمين موقع متقدم في أية مفاوضات تمهيداً للبدء بالحل السياسي في سوريا، وذلك ضمن نظريات البحث عن معادلات إقليمية جديدة تؤمّن الحد الأدنى من المكاسب السياسية.

*الثانية – بصرف النظر عن هواجِس النظام التركي من التطورات في سوريا، أو تلك الذرائع المتعلقة بتهديد الأمن القومي التركي، لكن الواقع أن تركيا تقوم بتمثيل دورها السياسي جيداً، إذ تسعى من خلال سياساتها إلى قضم الجغرافية السورية، وإعادة خلط الأوراق السورية مع التطورات الإقليمية، والعمل على رسم ملامح استراتيجية جديدة تناسب الإرهاب التركي في السياسات والممارسات ضمن مشهدية الشمال السوري.

*الثالثة – التباينات والتجاذبات التركية الداخلية. من هنا يسعى نظام أردوغان إلى البحث عن انتصار عسكري وهمي يُبرّد هواجس الأتراك، لذلك بات واضحاً أن محاولات تأسيس منطقة آمنة حسب المواصفات التركية في شمال سوريا، أو لجهة استمرار سياسة الإرهاب واستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية في الشمال السوري، لا يعدو عن كونه جائزة ترضية للأتراك ومنتقدي النظام التركي.

الشمال السوري ومشروع الإدارة الذاتية مضماراً لأهداف أردوغان

في سياق التطورات الاستهدافات التركية الإرهابية لـ مناطق شمال وشرق سوريا، فانه لم يعد محوراً للنقاش ما يقوم به أردوغان في تلك المناطق، إذ بات واضحاً أن السياسية التركية في الشمال السوري تنطلق من محددات واضحة، يسعى بموجبها أردوغان إلى إبقاء عموم الشمال السوري مضماراً لأحلامه العثمانية، وخططه التوسعية، خاصة أن دوافع أردوغان، باتت واضحة المضمون والأهداف في مناطق الإدارة الذاتية، والتي تحددها رغبات تركيا بتحييد مشروع الإدارة الذاتية وخلق حالة من اللا استقرار والفوضى مدعومة بتدمير البنى التحتية في تلك المناطق.

إلى ذلك، فإن دوافع أردوغان في عموم الشمال السوري، تتسق وجهوده السياسية والعسكرية والأمنية، للحفاظ على تواجد قواته وإرهابييه في مناطق الشمال السوري، وإبقاء تلك المناطق كرهينة لتحقيق أوهامه بإقامة إمارة إسلامية تسبح في فضائه وتترجم أحلامه.

شاهد/ي: الانشغال العالمي بحرب غزة وانتهاز النظام التركي لضرب الشمال الشرقي السوري

بهذا المعنى فإن ما يحدث في مناطق الإدارة الذاتية، لا يُمكن السكوت عنه، أو التعاطي معه وفق آليات سياسية، أو نظم البيانات المُنددة، وانتظار مساعدة دمشق وحلفاؤها، لا سيما أن ما يحكم العلاقة التركية مع روسيا وإيران، لا يمكن النظر اليه عبر البوابة السورية فقط، وإنما هم شركاء استراتيجيون، وتربطهم علاقات اقتصادية عميقة، لكن في المقابل، فإن ما يحدث من استهداف ممنهج للبنى التحتية السورية، وإرهاب المدنيين وقتلهم بدماء باردة من قبل تركيا، والإمعان في سياسة التتريك لعموم الشمال السوري، إنما يضع الكرة في ملعب السلطة وكذلك روسيا وإيران وحتى الولايات المتحدة، فضلاً عن عموم المجتمع الدولي، إذ لابد من العمل على وقف الإرهاب التركي، وتقديم أردوغان كـ مجرم حرب.

ما يجري في الشمال السوري بكل عناوينه ومشاهده، يُلخّص بعبارة واضحة، وهي أن أردوغان مستمرٌّ في سياساته، وهو يحاول من خلال ذلك القضاء على حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعيشها مناطق الإدارة الذاتية، وفي المقابل فإن أردوغان يسعى إلى تحقيق انتصار سياسي يستثمره في معاركه السياسية في الداخل التركي، لكن في المقابل، فإن أردوغان وجنونه تخطَّيا السقف وليعلم أردوغان أن “لكلّ أجلٍ كتاب”.

عمار المعتوق

سياسي وكاتب سوري

المشاركة