Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

بقلم: حسين العزام

انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في المناطق السورية المهمّشة عام 2011، تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حدٍّ للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمّت معظم مناطق سوريا. قُمعت المظاهرات السلمية بالسلاح فارتقى مئات الآلاف من الشهداء، وتشرّد الملايين نزوحاً في الداخل السوري ولجؤوا إلى مختلف بقاع العالم، وتحولت سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

لا يمكن النظر إلى الثورة السورية بمعزل عن الربيع العربي وعمن سبقوها من الدول العربية مما مد الأفق أمام السوريين حول إمكانية إحداث تغيير سياسي حقيقي.
أبرز المراحل التي مرّت بها الثورة السورية:

شهد تاريخ 15 آذار انطلاق الثورة السورية بأول مظاهرة نظّمها ناشطو المجتمع المدني في وسط دمشق، حيث ردّد المتظاهرون شعارات تنادي بالحرية، فسارعت قوات الأمن إلى مهاجمة المظاهرة وفضّها واعتقال عدد من الناشطين المشاركين فيها.

تتالت المظاهرات بعد ذلك وانضمت المدن السورية والقرى إليها تباعاً، وأدى القمع الذي انتهجه النظام في مواجهة المظاهرات السلمية إلى تحول شعاراتها من الحرية والمطالبة بالتغيير إلى الدعوة لإسقاط النظام. لقد كان النظام سبباً في تجييش الثورة. شهدت الثورة السورية تدخل أطراف خارجية لمساندة النظام، وأسهمت في بقاءه والإحالة دون سقوطه.

شاهد/ي: انتفاضة 12 آذار والثورة السورية

ومن هذه الأطراف

_مشاركة مليشيات طائفية في دعم النظام ومساندته عسكرياً منذ بدء الثورة السورية، والحديث عن وجود مقاتلين ينتمي أغلبهم إلى العراق ولبنان وإيران وأفغانستان، يقاتلون إلى جانب النظام السوري، يضاف لذلك المليشيات المحلية المسلحة المدعومة من النظام والتي كانت أكثر عدوانية بمجابهة المحتجين.
_ إيران: تُعد إيران حليفاً سياسياً وعسكرياً للنظام السوري، وأسهمت إلى حدٍّ كبير في إطالة عمر النظام ومنع سقوطه من خلال دعمه على عدة مستويات على الصعيد الاقتصادي والعسكري.

_ روسيا: دعمت روسيا النظام السوري سياسياً ودبلوماسياً منذ بدء الثورة السورية، ثم تطور الأمر لتشارك معه عسكرياً، وتدّعي روسيا شرعية تدخلها من خلال أمرين، الأول أن التدخل كان بدعوة من نظام شرعي وهو النظام السوري، والثاني تستند فيه إلى قرار مجلس الأمن رقم 2249، والذي يتيح للأعضاء اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقمع الأعمال الإرهابية على الأراضي الواقعة تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية في سورية والعراق”.

في الثورة السورية دلالات يتجنب كثيرون الخوض فيها

أولى تلك الدلالات إن المعارضة السورية ثبُت ضعفها في إدارة الثورة السورية، فوق انتهازية كثيرين دخلوا على خط الثورة بحثاً عن المال أو عن مواقع سياسية لما بعد سقوط النظام، وقلة المصداقية والارتزاق، وهي سمات أساسية في المعارضة السورية، التي لا تصدقها عواصم العالم، ولا تأخذ تعهداتها على محمل الجدّية؛ لأن هذه المعارضة مخترقة وموزّعة الولاءات وقابضة للمواقف نقداً، وتحقد أجنحتها على بعضها البعض، فهي معارضة غير قادرة على إدارة هذه الثورة نهائياً، وتسببت بزيادة حريقها دون نتيجة، ولابد من الاعتراف أن وكلاء الثورة كانوا السبب في إفشالها.

أدى هذا الامر إلى عدم شراكة مكونات كبيرة من المجتمع السوري في هذه الثورة. وهي كانت هنا تزيد من سوار الحماية الاجتماعية للنظام من جانب الطبقات المهددة، والتي لم يتم إسماعها أي خطاب تصالحي حقيقي، لإطفاء مخاوفهم اللاحقة. لقد فشلت المعارضة السياسية السورية حتى اليوم في التعبير عن مطالب الشعب السوري وفي تمثيله، كما فشلت في بناء مؤسسات وطنية بديلة في المناطق التي تخضع لها، وذلك بسبب ابتعادها عن جوهر وأساس العمل السياسي المتمثل في الانطلاق من الحاضنة الشعبية لاكتساب المشروعية منها، والعمل على إشراكها في القرار السياسي، وبناء العلاقات والتحالفات مع القوى والفعاليات الشعبية والسياسية داخل سورية، لكنها ما تزال بعيدة عن المأمول، كما أن أجسام المعارضة السياسية ما تزال غير قادرة على إعادة ترميم وإصلاح نفسها مما يشكّل العائق الأبرز أمام تطبيق شعاراتها.

الدور الوظيفي للثورة السورية دولياً

لقد تم توريط الشعب السوري في ثورةٍ هدفها الأساسي تدمير بنية الدولة السورية اجتماعياً واقتصادياً، وهنا تمت إدامة التطاحن بطريقة غريبة بين النظام والمكونات الثائرة، دون حسم نهائي، ولن يكون هناك حسم، إلا بعد أن تتأكد عواصم نافذة أن سوريا لم يبقَ فيها شارع واحد صالحاً، ولا سقف قائم، وهكذا تم قلب الثورة السورية من ثورة على النظام، إلى ثورة على السوريين أنفسهم. والذي يشرعن قتل طرف دون طرف يتورط من حيث لا يحتسب في ذات عقيدة الثأر، ولا يختلف عن خصمه.

الآمال التي بُنيت عليها الثورة

كان الأمل بنجاح الثورة السورية كبيراً لدى السوريين، فالرهان على التخلص من الواقع الذي يعيشونه كان حلماً يراود السوريين. لقد كانوا يدركون أن التكلفة عالية لكن لم يكن لأحد أن يبلغ به الحلم أن سوريا سوف تُدمّر، فقد اعتقدوا أن ذلك ربما لا يعدو عن كونه تعبيراً مجازياً تحتاجه البلاغة العربية في شعاراتها خاصة الأيديولوجية منها، لكن مفاجأة السوريين كانت أكبر من تخاذل المجتمع الدولي الذي اعتقدوا مخطئين أنه سيتدخل لوقف مأساة القرن الواحد والعشرين كما أُطلق عليها، لكنه تواطأ مع النظام لترك سوريا تتحلل رويداً رويداً ويوما بعد يوم حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

يشير تقرير البنك الدولي إلى أن أكثر من 85 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وهم يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة أو الهيئات الخيرية الدولية، هذه سوريا اليوم، يبدو مستقبلها غامضاً جداً بعد أن كان الأمل أن تفتح لها الثورة تاريخاً مختلفاً ومستقبلاً يعكس إرادة السوريين ورغباتهم وآمالهم، لكن قرار النظام في رفض التغيير الذي أراده السوريون قاد سوريا إلى مؤخرة دول العالم في كل المؤشرات والتقارير الدولية خاصة تلك المتعلقة بالأمن أو الصحة العامة أو النمو الاقتصادي أو التعليم، ولا تتفوق إلا في كونها الدولة الأكبر بعدد اللاجئين حول العالم.

التطبيع العربي مع نظام دمشق

تدخل الذكرى السنوية للثورة السورية عامها الثالث عشر، ونحن نقف على حقيقة ضرورة تجاوز كل الشكليات والشعارات إلى العمل الحثيث في البحث عن سُبل تحسين أوضاع السوريين وظروفهم الحالية، وتجاوز جميع المعوّقات التي حالت دون تحقيق الأهداف التي انطلقت، وذلك من خلال العمل التشاركي على البناء من جديد. لقد دفع الشعب السوري ثمناً كبيراً وقدّم تضحيات لم تنتهِ خلال أربعة عشر عاماً، لكنها لم تتناسب مع النتائج التي آلت إليها أوضاع البلاد، فكانت المأساة السورية من أكبر المآسي منذ الحرب العالمية الثانية، أكوام من التعقيدات السياسية سدّت كلّ الفرص في جنيف وأستانا وسوتشي، مما زاد خيبة آمال السوريين في الوصول إلى الحد الأدنى من مطالبهم في الانتقال إلى نظام سياسي بديل، لتزداد هذه التعقيدات مع محاولة بعض الدول العربية إعادة العلاقات مع نظام دمشق وإعادة التطبيع معه. لكن هذه المحاولات العبثية في إعادة العلاقة مع النظام بحجة إيقاف الامتداد الإيراني لن تفلح في إعادته إلى الحضن العربي والدولي بعد عزلة طويلة، فهذا النظام الذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ بعد قتل وتهجير ملايين السوريين؛ غير قادر على إعادة ترميم نفسه أو إنتاج مؤسسات بديلة قادرة على احتواء الفوضى الكارثية التي تسبب بها للشعب السوري وللمنطقة ككل، مما يعني أن الدول الباحثة عن التطبيع لن تستطيع خلق معجزة تعيد إحياء هذا النظام الميت من جديد.

شاهد/ي: إصرار غربي بضرورة إشراك مسد في الحل السياسي لضمان سوريا موحّدة ديمقراطية

الموقف الدولي من الثورة السورية

ضمن هذه المعطيات، هناك مَن يحاول ترحيل أسباب هذا الواقع السياسي شديد التعقيد إلى العوامل الخارجية فقط، عبر تحميل المسؤولية للمجتمع الدولي وخذلان دول أصدقاء الشعب السوري، خاصة الدول صاحبة التأثير الأكبر في الملف السوري، كالولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا وإيران، باعتبارها الدول التي عملت على تدويل الملف السوري وتهميش الأطراف المحلية، ووضع مصالحها في سوريا أولوية دون أن تعبأ بمصالح السوريين.

ومما لا شك فيه أن للعوامل الخارجية تأثيراً سلبياً كبيراً على الملف السياسي والميداني طوال هذه السنوات، إلا أنّنا لا يجب ألا نغفل عن أن أساس العمل السياسي يرتبط بالعامل الذاتي وأداء المعارضة السياسية، بالنظر إلى نوع وحجم العمل المطلوب ليتناسب مع قضية بحجم الثورة السورية التي غيّرت تاريخ المنطقة بالكامل، في حين أن الأداء المترهل للمعارضة فسح المجال للوصول إلى النتائج الكارثية التي وصلنا إليها اليوم، الأمر الذي يفرض عدم الهروب من تحمّل المسؤولية بل العمل بشكل شجاع لبناء الصورة الحقيقية والسعي نحو البدائل القابلة للتجسيد على أرض الواقع، من أجل العمل على تحقيق مطالب الثورة السورية.

تجربة الإدارة الذاتية وما تم تحقيقه في ظل الأوضاع التي تمر بها سوريا

في مناطق شمال شرق سوريا كانت الإدارة الذاتية أولاً ولاحقاً بقية المناطق التي تم تحريرها لها موقف مغاير عما يحدث في سوريا حين اتخذت لنفسها نهجاً ثالثاً ونأت بنفسها عن النظام والمعارضة. ومن خلال مجلس سوريا الديمقراطية طرحت مشروعها للحل السلمي الديمقراطي والحوار السوري-السوري وغير المشروط.

وتُعتبر مناطق الإدارة الذاتية من النماذج الفريدة في تجارب الحُكم في سوريا يحتذى به على كافة الصّعد. تبدو الواقعية السياسية في سوريا الخيار الأضمن للإبقاء على مشروع الإدارة الذاتية، وتعتبر الإدارة الذاتية إنجازاً تاريخياً لكافة مكونات المجتمع السوري وبشكل خاص التي كانت مهمّشة منها. لقد عملت الإدارة الذاتية على توحيد الصف بكافة مكونات الشعب السوري، ومشاركة المرأة في العمل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والخدمي والعسكري، وأولت الشباب دورهم الريادي، واثبتت وجودها بمحاربة الإرهاب من داعش وتوابعها. لقد حققت الادارة الذاتية تطوّراً كبيراً في مجالات عدّة، وذلك بعد ان اعتمدت النظام الإداري الديمقراطي، والذي يقود من خلاله الشعب نفسه بنفسه، وهذا ما وفّر لجميع مكونات المنطقة العيش المشترك والحقوق والواجبات المتساوية. بالرغم من تعرّض مناطق الادارة الذاتية إلى حرب مفتوحة من قبل الجماعات المتطرفة والاحتلال التركي والنظام السوري والتهديدات المستمرة، إلا أن القوات العسكرية والأمنية استطاعت تأمين الأمن والأمان لمنطقة الادارة، ومواجهة المخاطر بكل بسالة، وذلك بفضل التدريب والإيمان بتجربة الإدارة الذاتية. قد لا تكون الظروف الأمنية والاقتصادية في منطقة الادارة الذاتية بمستوى المطلوب، إلا أنها بالتأكيد نموذجاً متطوّراً لسورية المستقبل.

رغم صعوبة الواقع الحالي وتعقيد الملف السياسي، إلا أن ذلك يفرض على كل أطياف المجتمع السوري مسؤولية العمل معاً، لمواجهة كل الاستحقاقات السياسية والأمنية والاقتصادية القادمة بما تستوجبه من تغييرات ضرورية وواقعية في مختلف المجالات، وتعزيز مجموعة الأسباب الجوهرية لإنجاح العمل والمتمثلة بالعمل الجماعي والتشاركي لتطبيق قيم وأهداف الثورة السورية في بناء المجتمع وتمكينه اقتصادياً وسياسياً، وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، الأمر الذي سيرغم الدول على إعادة النظر في رؤيتهم المتغيرة تجاه الثورة العظيمة للشعب السوري.

المشاركة