بقلم: جيهان خضرو
نستقبل الذكرى السنوية الثانية عشرة لثورة 19 تموز/ يوليو ، تلك الحركة التي انطلقت من مدينة المقاومة كوباني لتنتشر في أرجاء شمال وشرق سوريا، حاملة معها تطلعات التغيير. إنها حركة شعبية سعت لتحقيق آمال السوريين في المنطقة نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.
على مدى اثني عشر عاماً، حققت هذه الثورة مكتسبات جوهرية، أبرزها تأسيس الإدارة الذاتية؛ هذا النموذج الفريد مكّن السوريين من جميع الأطياف والمكونات من المشاركة الفعالة في صنع القرار، متجاوزين بذلك عقوداً من التهميش والإقصاء. استطاعت كل القوميات والمكونات في المنطقة، وبشكل ديمقراطي، أن تجد مكانها في نظام الإدارة، فباتوا أصحاب القرار الحقيقيين.
لعل أبرز ما يميز ثورة 19 تموز/ يوليو هو دور المرأة الريادي فيها. فلم تكن المرأة مجرد مشاركة، بل كانت في طليعة الصفوف، قائدة ومناضلة في شتى الميادين. من ساحات القتال إلى أروقة السياسة، ومن الاقتصاد إلى الثقافة والمجتمع، برزت المرأة كعنصر فاعل وأساسي في بناء المستقبل. إن وصف ثورة 19 تموز/ يوليو بأنها “ثورة المرأة” لم يأتِ من فراغ، بل جاء تتويجاً لنضال المرأة وإصرارها على نيل الحرية لنفسها ولمجتمعها.
اقرأ/ي أيضاً: أوهام القضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية
تجاوزت الثورة حدود التغيير السياسي لتحدث تحولاً عميقاً في النسيج الاجتماعي. فقد نجحت في كسر القوالب الجامدة وتحرير المجتمع من قيود الماضي، مؤسسة لثقافة جديدة قوامها الحرية والتعددية والتعايش. خلال سنوات الثورة، اكتسب الشعب حق الحرية والتعبير والفكر والتنظيم على مستويات غير مسبوقة.
إن نموذج الأمة الديمقراطية الذي تبنته الثورة قد أثبت نجاعته في التعامل مع التنوع العرقي والثقافي في المنطقة. فنرى اليوم الكُرد والعرب والسريان الآشور والأرمن والتركمان والشيشان وغيرهم يعيشون جنباً إلى جنب، متّحدين في مواجهة التعصب والفاشية الدولتية. هذا النموذج حطم النهج السائد لعقود من التسلط القومي وسلطة الدولة المركزية.
لم تقتصر إنجازات الثورة على الجانب السياسي والإداري والعسكري، بل امتدت لتشمل الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وهي بذلك تجسّد روح الانتفاضة السورية التي اندلعت قبل ثلاثة عشر عاماً، ساعية لتحقيق سوريا ديمقراطية تعددية تحت مظلة الهوية الوطنية الجامعة.
ورغم ما تحقق، فإن مسيرة الثورة لا تزال مستمرة. فالتحديات كثيرة والمهام جسيمة، تتطلب من الجميع التكاتف ورصّ الصفوف. ويقع على عاتق السوريين، بمختلف انتماءاتهم، مسؤولية الحفاظ على مكتسبات الثورة وتطويرها، مع ضرورة مقاومة كافة أشكال الاحتلال والتدخل الخارجي.
التجربة التي قدمتها ثورة 19 تموز/ يوليو في الإدارة الذاتية تستحق الدراسة والتمحيص، إذ قد تشكل نموذجاً يُسهم في رسم ملامح مستقبل سوريا. ومع ذلك، فإن حلّ الأزمة السورية يتطلب رؤية أشمل وأكثر توازناً. يبدو أن السبيل الأمثل يكمن في إطلاق حوار وطني شامل، يضم مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد. هذا الحوار ينبغي أن يستند إلى مبادئ الحل السلمي والتوافق الوطني، مع الأخذ بعين الاعتبار القرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما القرار الأممي 2254.
اقرأ/ي أيضاً: الحوار السوري.. ضرورة ملحة لمستقبلٍ مشترك
إن هذه المقاربة الشاملة قد تفتح آفاقاً جديدة لتجاوز الأزمة وبناء سوريا موحّدة تحترم التنوع وتضمن حقوق جميع مكوناتها.
في الختام، نتوجه بنداء صادق إلى المجتمع الدولي للاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية كنموذج سياسي وإداري رائد. فقد أثبت هذا المشروع قدرته الفائقة على الحفاظ على وحدة النسيج الوطني السوري بكل مكوناته، وسط ظروف بالغة التعقيد.
إن ثورة 19 تموز/ يوليو ليست مجرد حدث عابر في تاريخ المنطقة، بل هي مشروع حضاري متكامل يرسم ملامح مستقبل سوريا على أسس راسخة من العدالة والحرية والمساواة. وعلى الرغم من العقبات والتحديات التي تواجهها، تبقى هذه الثورة منارة أمل تضيء الطريق لكل من يتطلع إلى التغيير الإيجابي والبناء في الشرق الأوسط.
فلنعمل معاً، يداً بيد، على ترسيخ مكتسبات هذه الثورة وتطويرها، ولنجعل من تجربة شمال وشرق سوريا نموذجاً يحتذى به في بناء مجتمعات حرة، عادلة ومتسامحة. فبوحدتنا وإصرارنا، نستطيع أن نحوّل حلم سوريا الديمقراطية التعددية إلى حقيقة ملموسة، تنعم فيها الأجيال القادمة بثمار نضالنا وتضحياتنا.
جيهان خضرو
رئيسة مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطية