في ظل ما تشهده مناطق سيطرة السلطة من تدهور مستمر في جُلِّ الخدمات، فإن السوريين لا يزالون يرزحون تحت رحمة السلطة وتُجَّارها. ويبدو هذا جليًا في توظيف أزمات السوريين واستثمارها، بما يفاقم الأزمات ويعززها، في مقابل سرقة السوريين “بالقانون”. ولعل أزمة الكهرباء التي تشهدها مناطق السلطة لا تزال لغزًا حيَّر السوريين!
أزمة الكهرباء التي يشهدها السوريون عصيَّة على الحل، وذلك ليس من زاوية أن السلطة غير قادرة، أو أن المنظومة الكهربائية في سوريا تعاني جرّاء نقص المعدات بحسب ما تروّج له السلطة. إلا أن ذلك المشهد جاء وفق ترتيب السلطة وحيتانها، فأزمة الكهرباء وحاجة السوريين لها أنعشت جيوب حيتان المال المقربين من السلطة.
تقنين كهربائي جمَّد حياة السوريين مع ازدياد ساعات التقنين في مناطق سيطرة السلطة، والتي وصلت إلى ما يقارب 20 ساعة قطع خلال الـ 24 ساعة. الأمر الذي دفع بغالبية السوريين إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، وتحديدًا الذين يعملون في صناعات محددة، وحتى المواطنين الذين اكتووا بحرارة الصيف. وربطًا بذلك، فإن السوريين يدركون بأن سوق الألواح الشمسية يسيطر عليه مقربون من السلطة. تأكيد ذلك جاء عبر مرسوم رئاسي يُجبر من يرغب بتركيب ألواح الطاقة الشمسية بشرائها من مصادر محددة، فضلًا عن أن الألواح المشتراة ينبغي أن تكون ممهورة بخاتم وزارة التجارة الداخلية.
اقرأ/ي أيضاً: أصوات لا تُخمد.. قصص من قلب احتجاجات إدلب
ما سبق أكده لنا مهند ن. (63 عامًا)، يملك محل أدوات كهربائية في أحد أسواق دمشق، حيث قال إنه في الآونة الأخيرة نشطت دوريات التموين التي تداهم المحلات التي تبيع منظومات الطاقة الشمسية، وتقوم بمصادرة المعدات، رغم قيامنا باستيرادها وفق شهادة استيراد مصدقة أصولًا من وزارة التجارة الداخلية. لكن تلك الدوريات أخبرتنا صراحة أن هناك قرارًا بمصادرة تلك المنظومات تحت ذريعة عدم مطابقتها للمواصفات القياسية السورية. وعند التدقيق في هذا القرار توصلنا إلى أن طريف الأخرس “ابن عم زوجة رئيس السلطة” والمتهم بالتهرب الضريبي، يقوم باستيراد كميات كبيرة من ألواح الطاقة الشمسية، ليكون هو المصدر الرئيس لكل تجار المنظومات الكهربائية البديلة.
ما سبق يؤكد بأن هناك شخصيات تسيطر على سوق أنظمة الطاقة الشمسية، وهي شخصيات لها صلة وثيقة مع مركز صنع القرار في السلطة، لذلك فإن هؤلاء فوق المساءلة القانونية، ويقومون باستيراد ألواح طاقة شمسية من النوع الرديء، لكن يقومون ببيعها إلى التجار على أنها أورجينال وأصلية!
اقرأ/ي أيضاً: سياسات “تحرير الشام” الاقتصادية تخنق سكان إدلب
واقع مأساوي
مصادر عديدة أكدت بأن حجم الأموال التي تُضخ في سوق أدوات ومعدات أنظمة الطاقة الشمسية تقدر بملايين الدولارات، كما أن تكلفة تركيب لوح شمسي واحد مع معداته بغية تشغيل الإضاءة المنزلية فقط تصل إلى ما يقارب الـ 5 ملايين ليرة سورية، وترتفع التكلفة لتصل إلى ما يقارب الـ 13 مليون ليرة سورية وأكثر، في حال تركيب منظومة شمسية من أجل استخدام براد وشاشة تلفزيون، وربما تصل إلى الـ 50 مليون ليرة سورية لأغراض الحفظ والتبريد. وهذا ما يجعل حيتان المال المقربين من السلطة يكسبون سنويًا ما يقارب الـ 15 مليون دولار! بحسب مصادر محلية.
وكما العادة فإن السلطة والفاسدين المقربين منها “يأكلون البيضة والقشرة” كما يقول السوريون. فالسلطة لديها القدرة على تغيير الواقع الكهربائي لكنها لا تريد، بل وقادرة على وضع حدّ لأزمات السوريين، لكن ذلك لا يتناسب وفساد السلطة. وبين هذا وذاك فإن معاناة السوريين تتفاقم، ولا حلول لأزمة الكهرباء طالما بقيت السلطة وبقي المقربون منها. صحيح أن نسبة كبيرة من السوريين يلجؤون إلى تركيب منظومات الطاقة الشمسية لاستمرار أعمالهم، وذلك بعد سحب قروض بمئات ملايين الليرات السورية، لكن الصحيح أيضًا أن غالبية السوريين في هذا التوقيت هم بلا كهرباء. فمن يضع حدًا لواقع السوريين المأساوي؟
عمار المعتوق-دمشق