يُدرك السوريون أن الساحل السوري، بمدنه وقراه الممتدة على تنوعها، يشكّل لوحة اجتماعية متعددة الألوان تجمع المكونات العرقية والطائفية في نسيج واحد، إلا أن هذا التنوع، الذي يُفترض أن يكون مصدر غنى وقوة، يواجه تحديات حقيقية تتعلق بالتمثيل السياسي والاجتماعي وبتحقيق العدالة في المشاركة. فالمساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص داخل المؤسسات المحلية ليست مطلباً أخلاقياً فحسب، بل هي شرط أساسي لبناء الثقة بين المكونات وضمان الاستقرار الاجتماعي. وعندما تغيب التشاركية الحقيقية، يتولد شعور بالإقصاء والحرمان يهدد السلم الأهلي ويضعف الروابط الوطنية.
في هذا الإطار، ومن خلال حوارات مع خبراء وناشطين من الساحل السوري، تتضح صورة المشهد الحقوقي والسياسي في المنطقة، حيث يُبرز المتحدثون حجم الفجوة في التمثيل، ويدعون إلى تعزيز التشاركية كخطوة لا غنى عنها نحو الاستقرار والتنمية.
يقول الناشط الصحفي حسن العبودي من مدينة جبلة إن قضية تمثيل المكونات في الساحل السوري “قضية حساسة تتطلب معالجة مباشرة للوصول إلى حالة من الاستقرار الشامل على المستويات كافة”. ويضيف أن الساحل يضم مكونات متعددة من العلويين والسُنة والمسيحيين ومكونات أخرى، “لكن واقع المساواة في الحقوق ومشاركة المكونات في المؤسسات لا يعكس هذا التنوع الحقيقي، إذ يوجد تفاوت واضح في التمثيل يؤثر مباشرة على شعور الناس بالإنصاف والعدالة”.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية في درعا.. مطلب مجتمعي لاستقرارٍ سياسي وإنساني دائم
ويرى العبودي أن أسباب هذا التفاوت تعود إلى مزيج من العوامل السياسية والاجتماعية، موضحاً أن “هيمنة بعض الفئات على مؤسسات الدولة تلقي بظلالها على فرص تمثيل الأقليات، إلى جانب تحيزات اجتماعية تظهر أحياناً في التعامل اليومي، ما يولد شعوراً بالإقصاء ويضعف ثقة المكونات بدورها في صنع القرار”. ويشير إلى أن “غياب العدالة في التمثيل ينعكس على الاستقرار الاجتماعي، إذ إن تهميش أي مكون يؤدي إلى مشاعر غضب يمكن أن تتطور إلى توترات أعمق، لذلك فإن تعزيز المساواة وتمثيل الأقليات ليس مطلباً حقوقياً فقط، بل ضرورة لحماية السلم الأهلي”.
ويؤكد العبودي أن المؤسسات المحلية تتحمل مسؤولية كبيرة في إدارة هذا التنوع، لكنها “تعاني من ضعف الشفافية وغياب الآليات الفاعلة لإشراك جميع المكونات”، داعياً إلى إصلاحات بنيوية تعزز الكفاءة والعدالة في التمثيل. كما ثمّن الجهود الإعلامية التي تسلط الضوء على هذه القضايا، مشيراً إلى أن “دور الإعلام محوري في رفع الوعي بحقوق المكونات1، شرط أن يُمارس بمسؤولية وحياد، بعيداً عن الخطاب التحريضي”. وأضاف أن المجتمع المدني يمكن أن يشكّل قوة ضغط نحو الإصلاحات، وأن “نشر ثقافة الحوار بين المكونات هو المدخل الحقيقي لبناء الثقة”.
ويختم العبودي بالقول: “نحن في الساحل السوري نطمح إلى أن نكون نموذجاً للتعايش والتنوع السياسي والاجتماعي، وهذا لا يتحقق إلا ببناء مؤسسات قوية تعددية تضمن المساواة في الحقوق والمشاركة الحقيقية، لأن العدالة في التمثيل السياسي تشكل القاعدة المتينة لمنع الأزمات وإدارة الخلافات بطرق سلمية”.
أما الدكتور هيثم سكاف، خبير العلاقات العامة من مدينة اللاذقية، فيرى أن “الواقع السوري يفرض تحديات جادة، أولها يتعلق بحقوق المكونات التي تُعد أساساً للاستقرار الاجتماعي”. ويؤكد أن “الحديث عن حقوق المكونات في الساحل أمر بالغ الأهمية، لأن غياب المساواة في ظل التركيبة المتنوعة يؤدي إلى خلل في النسيج الاجتماعي”، موضحاً أن “الأوضاع السياسية والاقتصادية تلقي بظلالها على العدالة في التمثيل والمشاركة في صنع القرار، مما يخلق شعوراً بالإقصاء لدى بعض الفئات”.
ويعتبر سكاف أن “التشاركية ليست مجرد حق سياسي، بل أداة لتعزيز العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية. فحين تشارك جميع المكونات في القرار المحلي والوطني، تتحقق العدالة وتُبنى الثقة، ويُحدّ من الاحتقان الطائفي والعرقي”. ويشير إلى أن “نموذج الإدارة الذاتية في شمال سوريا يقدم مثالاً واضحاً على الاستقرار الناتج عن التشاركية الحقيقية، حيث تعمل المكونات ضمن رؤية مشتركة”. كما أشاد بالمبادرات المدنية التي تسعى للحوار بين الطوائف، مؤكداً فعاليتها في خلق أرضية مشتركة للتنمية.
اقرأ/ي أيضا: اللاذقية.. دعوات ومطالبات بإطلاق الحوار الوطني السوري
ويضيف الدكتور سكاف أن “المشاركة الحقيقية تعزز شعور الأفراد بالأمن والانتماء، بينما يولد الإقصاء استقطاباً قد يتحول إلى عنف”، مشيراً إلى أن “التحديات في الساحل لا تزال قائمة، منها النزاعات الإقليمية والفساد والمحسوبيات التي تضعف الثقة العامة”، داعياً إلى “بناء مؤسسات شفافة تضمن تمثيل الجميع على أساس المساواة”.
ويختتم قائلاً: “الإعلام المجتمعي والحوار بين الأفرقاء أساسيان لنشر ثقافة التشاركية واحترام التنوع، والإضاءة على قصص النجاح تساهم في كسر الصور النمطية التي تغذي الانقسام. وإذا ما أُنشئت آليات تضمن حقوق الجميع وتُشركهم في القرار، فإن الساحل السوري يمكن أن يتحول إلى نموذج للتعايش المستدام، وتكون التشاركية ركيزة لبناء مشروع وطني جامع يعزز الاستقرار والازدهار”.
وفي المحصلة، يتبيّن أن ضمان حقوق المكونات وتكريس التمثيل العادل ليس خياراً سياسياً، بل ضرورة جوهرية لاستقرار المجتمع السوري، خصوصاً في الساحل. فالتشاركية والعدالة في التمثيل تفتحان الطريق أمام مجتمع متوازن تسوده المساواة والاحترام المتبادل، وتعيدان للنسيج الاجتماعي تماسكه الحقيقي، لتتحول التعددية من مجرد واقع شكلي إلى أساس لبناء وطن آمن ومزدهر لكل أبنائه.
معن الجبلاوي-اللاذقية

