في ظل التحديات التي تواجه سوريا والبحث عن مسارات الحل، أكد المحامي السوري الدولي محي الدين لالا، أن الحوار السوري-السوري يشكل ضرورة ملحّة في المرحلة الراهنة، باعتباره المسار الوحيد القادر على تحقيق حلّ مستدام بعيداً عن المصالح الخارجية التي قد تفرض أجندات لا تخدم المصلحة الوطنية السورية.
ومع سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر الجاري، دخلت سوريا مرحلة تاريخية جديدة تتطلب جهوداً استثنائية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وترميم النسيج الاجتماعي. وتواجه البلاد تحديات هائلة تشمل إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، ومعالجة الوضع الإنساني المُلحّ لملايين النازحين واللاجئين، إضافة إلى ضرورة بناء توافق وطني يضمن الاستقرار المستدام.
وتتعدد المبادرات والمقترحات للتعامل مع هذه المرحلة الانتقالية الحساسة، حيث تبرز أهمية الحوار الوطني الشامل كأولوية قصوى لتجنب الفراغ المؤسساتي وضمان انتقالٍ سلس للسلطة. ويتزامن ذلك مع مطالبات محلية ودولية بضرورة إشراك جميع مكونات المجتمع السوري في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
وشدّد لالا على أهمية ضمان جدّية الأطراف المشاركة في الحوار عبر وضع إطار زمني واضح وإشراف منظمات محايدة لضمان الشفافية، مع ضرورة التزام جميع الأطراف بالنتائج من خلال توقيع ميثاق شرف. ودعا إلى تأمين دعم إقليمي ودولي لتشجيع التوافق دون تدخل مباشر في مسار الحوار.
وأوضح أن نجاح الحوار يتطلب ضمان تمثيل عادل لكافة المكونات السورية عبر اعتماد مبدأ الشمولية، بحيث يتم تمثيل كافة المكونات العِرقية والدينية والسياسية دون استثناء. واقترح المحامي الدولي تشكيل لجنة مستقلة لضمان توزيع المقاعد بشكل عادل وفق الحجم السكاني والدور الاجتماعي للمكونات المختلفة، مع ضرورة إشراك المجتمع المدني والشباب والمرأة لضمان تنوع الأصوات.
وفيما يتعلق بالقضايا الجوهرية التي يجب طرحها على طاولة الحوار، أشار لالا، إلى أن إعادة بناء الدولة تتصدر هذه القضايا، وتشمل مناقشة شكل الدولة ونظام الحكم بما يضمن سيادة القانون وتداول السلطة، كما تطرق إلى ملف حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ومعالجة الانتهاكات وطرح آليات للمحاسبة والمصالحة، إضافة إلى القضية الإنسانية المتعلقة بإعادة اللاجئين والنازحين وتعويض المتضررين وإعادة الإعمار.
وحول محاربة الإرهاب والتطرف، دعا لالا إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة للمكافحة، مع التركيز على التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع المعيشي وخلق فرص العمل. وأكد على أهمية إنشاء لجان مختصة لكل قضية مع وضع خطط زمنية للتنفيذ، مشدداً على ضرورة دعم المجتمع الدولي عبر توفير الموارد الفنية والمالية لتحقيق الأهداف المرجوة.
وشدد المحامي لالا على أهمية بناء الثقة بين الأطراف السورية عبر وقف الأعمال العدائية وتحقيق هدنة دائمة تعكس التزام الجميع بالحل السّلمي، مع اتخاذ إجراءات عملية لبناء الثقة وتوفير ضمانات دولية وإقليمية بإشراف منظمات موثوقة لتطبيق الاتفاقات. ودعا إلى اعتماد نهج الحوار التدريجي الذي يبدأ بمناقشة القضايا الأقل تعقيداً لبناء أرضية مشتركة.
وفي ختام حديثه، وجّه لالا رسالة إلى الشعب السوري أكد فيها أن مستقبل سوريا بين أيدي السوريين أنفسهم، وأن الحوار ليس مجرد تنازلات، بل هو وسيلة لبناء وطن آمن وعادل يحفظ حقوق الجميع. وشدد على أن مشاركة الشعب السوري ودعمه للحوار يشكل الضمان الحقيقي للوصول إلى حلول تلبّي تطلعات الأجيال القادمة وتعيد بناء سوريا على أسس من الوحدة والعدل والكرامة.