يشهد السوريون في مختلف المناطق تطوراً في النقاشات حول مستقبل بلادهم، حيث يترسخ في الفكر العام ضرورة الحوار السوري-السوري كسبيل أساسي لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد. هذا الحوار يُعد المفتاح الذي يمكن أن يقود إلى تحديد معالم المستقبل السوري، في ظل الظروف السياسية والاجتماعية المعقدة التي تمر بها البلاد. ومن خلال تصريحات لعدد من السياسيين والمحللين السوريين، تتوضح الرؤى المتنوعة التي تركز على إيجاد حلول جماعية تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع مكونات الشعب السوري.
من خلال هذه النقاشات، يتضح أن الحوار لا يُعد مجرد مطلب سياسي، بل هو أساس لبناء مرحلة جديدة قادرة على تجاوز عقبات الماضي، وإعادة بناء الدولة السورية على أسس من العدالة والمساواة والحرية.
أكد السوريون على أهمية الحوار السوري-السوري كضرورة لمعالجة التحديات الراهنة والعمل على تحديد مستقبل البلاد وذلك خلال تصريحات خاصة للمكتب الإعلامي في مجلس سوريا الديمقراطية.
اقرأ/ي أيضاً: تحالف المكونات.. نموذج التعايش وتجاوز الأزمات رغم محاولات التشويه
شدد المحلل السياسي والمحامي في القضايا الجنائية والعسكرية والجمركية مصطفى رستم من الساحل السوري على أهمية الحوار السوري-السوري كضرورة ملحّة تواكب جميع مراحل الأزمة التي تمر بها البلاد.
وأكد أن الحوار يعد “فصل الخطاب” الذي يجب أن تعتمد عليه سوريا لإيجاد حلول مناسبة في ظل التحديات الراهنة، سواء قبل سقوط النظام أو بعده.
وأوضح رستم أنه إذا لم يتمكن السوريون من تقرير مصيرهم بأنفسهم وتحديد هويتهم ومستقبلهم، فإن وجود النخب السياسية والمعارضة سيكون بلا جدوى. وأضاف: “لماذا كل هذه النخب في سوريا، وما الدافع وراء وجود معارضات وتيارات متعددة، إذا كان من الأجدر بنا الاستمرار في الوضع القائم؟”.
وفي سياق الحديث عن الحوار، أشار رستم إلى ضرورة ضمان تمثيلٍ صحيح لجميع مكونات الشعب السوري، مع التركيز على القضايا المهمة التي ينبغي أن تُطرح على طاولة الحوار مثل شكل الدولة المستقبلية، والإعلان الدستوري، والمرحلة الانتقالية، والعفو العام، واستقلالية القضاء.
كما أكد على أن الحوار يجب أن يتناول جميع العوامل التي أسفرت عن التشوهات المجتمعية الناتجة عن الأزمة، مشدداً على أهمية وضع قانون أحزاب عصري ومتطور يضمن الحرية السياسية، ويجنّب البلاد الوقوع في نماذج تحكمها الزعامات الممولة من الخارج.
وأشار المحلل السياسي إلى أهمية التعامل مع الواقع الحالي، حيث يوجد سلطة جديدة تتولى زمام الحكم. ودعا إلى ضرورة التعاون البنّاء بين جميع الأطراف لتأسيس حياة سياسية سليمة وصحية، لافتًا إلى أنه يتوجب على الجميع أن ينظر إلى المستقبل، متخليًا عن الانفلات الأمني والأخلاقي، وأن يستندوا إلى الشجاعة في المرحلة المقبلة لضمان عدم ظلم أو اضطهاد أي شخص.
دستور البلاد الجديد يجب أن يضمن وحدة سوريا
ومن جهته، دعا أمين فرع حلب لحزب التنمية الوطني أحمد بدر الدين آغا، إلى تشكيل دستور جديد يهدف إلى ضمان وحدة تراب سوريا وأهلها، تحت راية علم يرمز إلى الهوية الوطنية والانتماء.
وأكد بدر الدين على ضرورة تحقيق تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، مشدداً على أهمية العدالة الاجتماعية الكاملة، دون أي تمييز قائم على الدين أو العرق أو الطائفة. حيث قال: “إن مضمون هذا الدستور المرتقب يجب أن يعكس قيم السلام والتسامح، ويكون أساساً لتوحيد صفوف الشعب السوري”.
وأضاف السيد بدر الدين أن الوصول إلى اتفاق حول هذا الدستور سيؤدي إلى إنهاء جميع الخلافات القائمة بين أبناء الشعب السوري، ويضع حداً للتوترات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية.
مستقبل سوريا واعد رغم التحديات والفساد السابق
وفي السياق أعرب وزير الزراعة الأسبق الدكتور الجامعي نور الدين منى من محافظة حماة، عن تفاؤله بمستقبل سوريا، مؤكدا أنه لن يكون أسوأ مما كان عليه في الماضي. وفي تصريحه، أوضح أن العقبة الأساسية كانت “نظام بائت” أسفر عن معاناة كبيرة للسوريين، بما في ذلك الفقر والفساد وسوء إدارة الموارد.
وأشار الدكتور منى إلى الأوضاع القاسية التي عاشها السوريون، بما في ذلك مشاهد السجون والمسالخ البشرية، إلى جانب الفساد الذي واجهته المعونات خلال كوارث مثل الزلزال.
اقرأ/ي أيضاً: كوباني.. المدينة التي حمت الإنسانية من خطر “داعش” تتعرض الآن لتهديدات تركية
واعتبر أن نظام الحكم الذي دام 54 عاماً قد انتهى دوره بعد أن دمّر جميع القطاعات الحيوية، بما في ذلك الزراعة والصناعة والتعليم.
وأوضح الدكتور منى أن المرحلة المقبلة تتطلب التزاما قويا من جميع الأطراف لإعادة بناء سوريا، مؤكدا أن “الهيئة الانتقالية” يجب أن تتشكل من جميع أطياف المجتمع السوري، وذلك من خلال حوار شامل يهدف إلى وضع دستور جديد يعزز قيم المواطنة والمساواة.
وأضاف “إذا تم تحقيق مبدأ المحاسبة والقضاء على الفساد، فسوف تتعافى سوريا” مشيراً إلى أهمية إعادة اللاجئين والمهجرين والمغيبين، وأشار إلى ضرورة تعاون الجميع تحت مظلة وطنية واحدة، خصوصا من الفاعلين الحقيقيين في الشأن السوري.
وأكد الدكتور منى على ضرورة وجود حوار سوري-سوري، داعيا إلى إقامة مؤتمر يضم جميع الجهات المعنية، بما في ذلك مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، من أجل تشكيل هيئة انتقالية بمشاركة فعالة من كل الأطياف.
وشدد على أن “الهيئة الانتقالية والدستورية” يجب أن تكون نتاج حوار شامل، وأن تركز على بناء دولة مدنية ديمقراطية تعزز قيم الاحترام والتنوع الثقافي.
يظهر جلياً أن الحوار السوري-السوري هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا. مع تأكيد الجميع على ضرورة تشكيل هيئة انتقالية تمثل جميع الأطياف السورية، يصبح من الواضح أن بناء دولة مدنية ديمقراطية يتطلب التزامًا جماعيًا وإرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية. إن التحديات التي تواجه سوريا قد تكون جسيمة، لكن الأمل يبقى قائماً في أن يكون هذا الحوار هو الخطوة الأولى نحو إعادة بناء سوريا على أسس من العدالة والمساواة، وتحديد مستقبل يحقق تطلعات الشعب السوري بكافة مكوناته.