عقد مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، اليوم، ندوة حوارية في مدينة القامشلي تحت عنوان “العدالة الانتقالية في سوريا وآفاق تطبيقها”، بمشاركة واسعة ضمّت 60 سيدة من ممثلات الأحزاب السياسية والحركات النسوية، ومنسقية المرأة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى شخصيات مستقلة وإعلاميات.
وأدارت الندوة كل من: جيهان خضرو، رئيسة مكتب المرأة في “مسد”، وهندرين محمد إدارية مكتب المرأة في القامشلي، ورشا النزال إدارية مكتب المرأة في الحسكة.
جيهان خضرو: العدالة ليست ترفًا بل شرط لإعادة بناء الثقة
واستُهلت الندوة بكلمة افتتاحية ألقتها جيهان خضرو، أكدت خلالها أن “الحديث عن مستقبل سوريا لا يمكن أن يكون صادقًا دون تناول العدالة الانتقالية”، ووصفتها بأنها “ليست ترفًا سياسيًا بل ضرورة لإعادة بناء الثقة بين السوريين”.
وأضافت أن “العدالة الانتقالية يجب أن تكون شاملة ومحايدة ومرتكزة على حقوق الضحايا”، مشددة على أن المرأة السورية يجب أن تكون في قلب هذه العملية لا كضحية، بل كشريكة فاعلة في تصميم الحلول وصناعة القرار.
وتابعت: “نحتاج إلى عدالة تُفصَّل على مقاس الوجع السوري الحقيقي، عدالة تُنصف الناجيات من العنف الجنسي، وتُعطي للمرأة حقها في القيادة”.
نقاشات موسّعة حول آليات العدالة وضرورة إشراك النساء
وركزت مداخلات الحاضرات على أهمية تضمين النساء في لجان الحقيقة كقاضيات، ومدعيات عامات، وصانعات قرار، وعلى اعتبار العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندرة) جريمة يجب التعامل معها بجدية ضمن استراتيجيات العدالة الانتقالية.
كما ناقشت الندوة أهمية البدء بخطوات عملية لتطبيق العدالة الانتقالية من خلال لجان توثيق وجمع الحقائق، بالتوازي مع ترسيخ الوعي العام بهذه المفاهيم. وشددت الحاضرات على أن العدالة الانتقالية لا تعني فقط المحاسبة القضائية، بل تشمل جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، والمصالحة المجتمعية.
سياق سياسي معقّد وإرث ثقيل من الجرائم
وتطرقت النقاشات إلى السياق السياسي السوري ما بعد هروب بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، مشيرة إلى تعقيدات المشهد وتعدد الفاعلين الدوليين والإقليميين، إضافة إلى الانقسامات المجتمعية.
واعتبرت المشاركات أن سوريا تعاني من إرث ثقيل من الانتهاكات الممتدة منذ انقلاب 1963، مرورًا بحكم عائلة الأسد، وصولًا إلى الثورة السورية عام 2011، وأن البلاد بحاجة إلى صياغة نموذج وطني خاص بها للعدالة الانتقالية، يستفيد من التجارب الدولية دون أن ينسخها حرفيًا.
كما تم التأكيد على أن ملف العدالة الانتقالية يجب أن يُبنى على قاعدة وطنية شاملة، مع إشراك حقيقي للضحايا، خاصة النساء، في جميع مراحل العملية من التوثيق إلى المصالحة.
النساء.. من التهميش إلى صدارة العدالة
وبرز خلال الندوة تأكيدٌ على ضرورة كسر نمط تغييب المرأة عن مواقع صنع القرار، واعتبارها عنصرًا محوريًا في صياغة مستقبل سوريا، لا سيما في مجال العدالة الانتقالية. ودعت المشاركات إلى إعطاء النساء الدور القيادي المستحق في بناء آليات العدالة ومؤسساتها، بما يضمن مشاركة فعلية وتحقيق مساواة حقيقية.
توصيات ختامية لتعزيز مسار العدالة
وفي ختام الندوة، تم التوافق على مجموعة من التوصيات، أبرزها:
إشراك حقيقي لكافة مكونات المجتمع السوري في عمليات العدالة الانتقالية.
تشكيل لجان تحقيق وتوثيق وطنية جامعة.
تقديم الدعم الدولي الفني والمادي في مجال العدالة الانتقالية.
إشراك واسع للضحايا وذويهم، وخاصة النساء والأطفال.
إصلاح تدريجي للمؤسسات القضائية والإدارية.
تقديم تعويضات عادلة للضحايا.
تمثيل المرأة في كل مراحل عملية العدالة الانتقالية.
ضمان عودة آمنة وكريمة للمهجّرين.
تفعيل منظمات المجتمع المدني والحركات النسوية على الأرض كفاعل رئيسي.