بعد ترقب وانتظار، أبصرت الحكومة السورية الجديدة النور عقب سجالات عميقة بين مختلف أطياف السوريين. لم تقتصر هذه السجالات على طبيعة الحكومة وأولوياتها في المرحلة المقبلة، بل شملت أيضًا تشكيلة الحكومة نفسها، والتي يُفترض أن تكون أولاً بمستوى توقعات وآمال السوريين، وثانياً قائمة على تمثيل سياسي عادل.
فقد سبقت مرحلة التشكيل الحكومي تطورات متسارعة في المشهد السوري، أبرزها الإعلان عن الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية، ما وضعه السوريون في سياق تحولات سياسية تهدف إلى رسم مسار توافقي بين الإدارة الجديدة وسائر مكونات الشعب السوري وتياراته السياسية. غير أن التشكيلة الحكومية جاءت، وفق مراقبين، بعيدة عن تطلعات السوريين في عدة مجالات.
إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة في سوريا دفع غالبية السوريين للقول إنها لم ترتقِ إلى مستوى التوقعات، مؤكدين الحاجة إلى حكومة شاملة ومتنوعة تُجسد طموحاتهم.
وقد جاء الإعلان عن هذه الحكومة بعد نحو أسبوعين من صدور الإعلان الدستوري، الذي اعتبره كثيرون خطوة نحو منح صلاحيات مطلقة للرئيس في إدارة المرحلة الانتقالية، مع إلغاء منصب رئيس الوزراء وإسناده إلى الرئيس أيضاً، ما أثار المخاوف من تركيز السلطة وإعادة إنتاج ممارسات النظام السابق. ورغم كل ما سبق، فإن هذه الحكومة، التي لم تحقق ما كان يُنتظر منها، تُثير تساؤلات حول مقومات العمل السياسي الناجح الذي يُفترض أن تتبناه في المرحلة الراهنة.
أسس نجاح الحكومة الانتقالية
يقول غالب دركزلي، الخبير القانوني والدستوري، إن البدايات تمنح مؤشرات واضحة لما هو قادم، مضيفًا: “عندما نتحدث عن المؤشرات، يمكن القول صراحة إن مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في شباط/فبراير الماضي خالف توقعات السوريين، وفشل في رسم مسار جديد للمرحلة المقبلة، ثم جاء الإعلان الدستوري، الذي صدم السوريين ببنوده التي فُسّرت على أنها محاولة للاستئثار بالسلطة، وصولاً إلى الحكومة الجديدة التي اعتُبرت نتيجة طبيعية لمسار سياسي مترهّل”. ويضيف: “نحن اليوم أمام حكومة جديدة بمؤشرات جديدة، وهذا يطرح تحديات كبيرة أمامها، خاصة وأنها معنية بملفات شديدة الأهمية، وعلى رأسها الاقتصاد والخدمات، حيث ينتظر السوريون ترجمة هذه التشكيلة إلى خطوات واقعية، بدل أن تبقى تصريحات الوزراء الجدد حبيسة جدران القصر الجمهوري”.
اقرأ/ي أيضاً: الانتقال الديمقراطي في سوريا.. تحديات وهواجس
ويتابع دركزلي حديثه قائلاً إن الإدارة الجديدة “لم تنجح في اختيار وزراء أكفاء أو ذوي خبرة حقيقية في الملفات التي أُنيطت بهم”، مشيراً إلى أن “الحديث هنا لا يقتصر على الوزارات السيادية، بل يشمل الوزارات الخدمية والمعيشية التي تهم حياة السوريين مباشرة”. ويرى أن من أولى العقبات أمام العمل السياسي الناجح هي “أسماء الوزراء وسيرهم العملية”، ويعتبر أن الحكومة الجديدة وبرنامج عملها يفتقران إلى “رؤية استشرافية لمستقبل سوريا والسوريين”.
ويختم بالقول: “بصرف النظر عن وجهة نظرنا كمراقبين ونشطاء، فإننا ننتظر ترجمة آليات العمل التي ستعتمدها الحكومة، وهي مطالبة اليوم بتجاوز البيروقراطية المتخلفة التي كرّسها نظام الأسد لعقود، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة هيكلة الوزارات على أسس حديثة تُسرّع الأداء وتقلّص التعقيد، مستفيدة من الكفاءات الموجودة، وبدعم من الطاقات الشابة المهاجرة”.
أولويات العمل الحكومي الناجح
من جهتها، تقول السيدة عفراء الميدعاني، الباحثة الاقتصادية والمستشارة السابقة في مجلس الوزراء خلال حكومة عماد خميس، إن الحكومة الجديدة “كان من المأمول أن تكون بمستوى تطلعات السوريين، وأن تراعي التنوع السوري والديموغرافي”، لكنها تضيف: “سنُعرض عن هذه القضايا على أهميتها، وسنتعامل مع الحكومة الجديدة كجسد سياسي ناشئ وسنراقب أداءه ونرصد ثغراته بدقة”.
وتتابع السيدة عفراء بقولها: “من وجهة نظري كمستشارة سابقة، فإن البداية لأي عمل حكومي ناجح تكمن في بناء فريق إعلامي محترف على مستوى الحكومة والوزارات، يكون حلقة وصل حقيقية بين الحكومة والشعب، ويعمل على الاستماع لمطالبه ونقلها بدقة”. وتشدد على ضرورة “وضع خطة قابلة للتطبيق تبدأ بتأمين الاحتياجات الطارئة، ثم الانتقال إلى تأمين الأساسيات”، معتبرة أن مكافحة الفساد، ووضع دراسة علمية حول الأجور تضمن حياة كريمة للموظفين، تُعد من الأولويات القصوى، لأنها تُسهم في استقطاب الكفاءات وتحقيق خدمة أفضل للمواطن.
اقرأ/ي أيضاً: ذكرى الثورة السورية.. تحديات المرحلة الانتقالية وآمال المستقبل
وتؤكد الميدعاني على الحاجة الملحة للانطلاق بمشروع إعادة الإعمار من خلال “تشكيل هيئة مستقلة تضع رؤية استراتيجية مستقبلية لسوريا، تتجنب تكرار سيناريو العشوائيات وأحزمة الفقر، وتسعى إلى تطوير المدن وتنمية الأرياف ودعم الزراعة والمزارعين بكل ما هو ممكن”. وتضيف: “لاحقًا، على الحكومة الجديدة أن تعمل على بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية مستقلة عن التأثيرات الخارجية، غير مسيّسة، هدفها حماية الوطن من أي اعتداء خارجي، وضمان الأمن في كافة المناطق السورية بطرق قانونية تراعي حقوق الإنسان”.
وتختم السيدة عفراء بقولها: “ما سبق ليس سهلًا في ظل الترهل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الواضح في الجغرافيا السورية، ويبقى السؤال: هل ستنجح الحكومة الجديدة في تحويل هذه الأولويات إلى واقع ملموس يشعر به السوريون؟ بالتأكيد، تقول السيدة عفراء، هذا يتطلب فترة زمنية لا ينبغي أن تتجاوز الأربعة أشهر، كي نتمكن من تقييم أداء الحكومة الجديدة وقدرتها على نقل السوريين إلى واقع مختلف على المستويات كافة”.
ختامًا، ينتظر السوريون تفعيلاً حقيقياً لتصريحات الوزراء الجدد، ويأملون في أن تشهد البلاد خلال المرحلة المقبلة نهضة شاملة. ورغم ضخامة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، فإن الترقب الشعبي لا يزال قائمًا، على أمل ألّا تُعيد هذه الحكومة إنتاج تجارب الماضي المرتبطة بحكومات النظام السابق.
معن جبلاوي-اللاذقية