يترقب أهالي محافظة حماة، كما هو حال السوريين في مختلف المحافظات، ترجمة فعلية لسقوط نظام الأسد، أملاً في الوصول إلى سوريا جديدة تقوم على العدالة الانتقالية والمشاركة الحقيقية في صياغة المشهد السياسي المقبل. ويؤكد أبناء حماة، من خلال الحراك السياسي الذي تشهده المحافظة، أن سوريا يجب أن تكون لكل السوريين، وأن المطالب الشعبية والمجتمعية بشأن مستقبل البلاد ينبغي أن تتحول إلى واقع ملموس لبناء دولة ديمقراطية تعددية. ويرى كثيرون أن الدستور المقبل ينبغي أن يكون وثيقة تفاهم بين الإدارة والشعب، في ظل ترقّب واسع للخطوات السياسية القادمة، لا سيما فيما يتعلق بالحكومة، وسط انتقادات واسعة للإعلان الدستوري وما انطوى عليه من تناقضات سياسية.
مخاوف مشروعة
فداء سخيّة، من منظمة “سوريات قادرات”، تؤكد أن محافظة حماة، لا سيما المدينة، تعيش حالة من الهدوء والاستقرار، مشددة على أن السوريين لا يملكون رفاهية الانشغال بمرحلة النظام السابق، بل يتطلعون إلى بناء مسار جديد بعد سقوط الأسد، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة. وترى أن ما يجري في حماة يشكل تطوراً نوعياً ومهماً، وأن الحراك السياسي مستمر، إلا أن المنظمة، ومن خلال أنشطتها وجلسات النقاش، تسلط الضوء على عدة قضايا جوهرية، من أبرزها أن شريحة واسعة من المتقاعدين العسكريين والمدنيين لم يحصلوا بعد على مستحقاتهم المالية، مما يشكل تهديداً مجتمعياً ينبغي على الإدارة والحكومة الجديدتين التعامل معه بجدية وضمان صرف المستحقات في أقرب وقت ممكن.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية في سوريا… آليات مُعقدة وتحديات جسيمة في طريق التعافي
وتضيف فداء أنه رغم رفض السوريين تأطير النقاش ضمن “الطوائف والأقليات”، إلا أن أي انتهاكات بحق أي مكون في ريف حماة تستوجب ردعاً صارماً من الإدارة الجديدة، مع ضرورة محاسبة المتورطين بشكل علني، باعتبار ذلك ركناً أساسياً لتحقيق السلم الأهلي وبناء سوريا جديدة. وتشدد على أن من الضروري أن تدرك الإدارة الجديدة رفض السوريين لتكرار سياسات الإقصاء والتهميش التي اتبعها النظام السابق، إذ لا يمكن بناء دولة حقيقية دون ضمان مشاركة كافة التيارات السياسية والمكونات المجتمعية. وتوضح أن الاستقرار السياسي هدف رئيسي، لكنه لن يتحقق إلا من خلال تعاون الإدارة الجديدة مع جميع السوريين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لرسم خارطة طريق تؤسس لدولة ديمقراطية تعددية. وتؤكد أن دعم السوريين للإدارة الجديدة يجب أن يكون مشروطاً بعدم انحرافها عن هدف إعادة الحيوية إلى الحياة السياسية والاقتصادية.
وتشدد فداء على أن مقومات الانتقال الديمقراطي في سوريا تنبع من رغبات السوريين أنفسهم، مشيرة إلى أن الإعلان الدستوري جاء مخيباً للآمال ومخالفاً لتطلعاتهم في كثير من جوانبه. وتوضح أن هناك مخاوف حقيقية بين أهالي حماة، لا سيما أن العديد من المسيحيين في المدينة شعروا بالإقصاء بعد صدور الإعلان الدستوري، خاصة فيما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية، مما يتعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية. وتؤكد أن بناء سوريا الجديدة يجب أن يستند إلى الديمقراطية والتعددية واحترام المكونات وتنوع المجتمع، وهو ما يتوجب على الإدارة الجديدة أخذه بعين الاعتبار.
وتختم
فداء بالقول: نعلم كسوريين أن هناك مهام صعبة وتحديات كبيرة تنتظر الحكومة الجديدة، ورغم صعوبة الملفات التي تحتاج إلى معالجة سريعة، إلا أن الحكومة اليوم مطالبة بتقديم إحاطات عن عملها في مختلف القضايا التي تهم السوريين. ولا نريد أن تبقى هذه الحكومة حبيسة مكاتبها كما كانت الحال في حكومات النظام السابق، بل نريد عملاً جاداً وسريعاً للنهوض بواقع السوريين، والأهم أن تدرك الحكومة الجديدة أن السوريين اليوم يراقبون أداءها ولن يصمتوا عن أي تقصير.
ترقّب للمسارات السياسية في سوريا
عاطف الشعراني، عضو تجمع “سوريا الحرة”، يرى أن الاستقرار السياسي يشكل الركيزة الأساسية لبناء سوريا الجديدة، لكنه يشير إلى أن المسارات السياسية التي أعقبت سقوط النظام، مثل مؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري، لا تبشر بالخير.
اقرأ/ي أيضاً: بعد فترة “كمون” .. هل يسعى “داعش” إلى استعادة قوته في سوريا؟
ويضيف الشعراني أن السوريين كانوا يترقبون إعلاناً دستورياً يعكس تطلعاتهم، إلا أنهم صُدموا بمضامينه، التي كرست سلطة الفرد الواحد، وهو ما خرج السوريون ضده في الأصل. ويرى أن الإعلان الدستوري، بصيغته الحالية، يضع السلطة بيد طرف واحد، مما يجعل أي حراك سياسي عديم الجدوى ما لم يتم تصحيح المسار السياسي.
ويؤكد الشعراني أن التيارات السياسية لديها مطالب واضحة، تتمثل في تحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء السلم الأهلي، ووضع دستور حديث يشكل أساساً لبناء دولة ديمقراطية. ويختم قائلاً إن السوريين يترقبون أداء الحكومة الجديدة، ويأملون أن تكون على قدر المسؤولية، وفي الوقت ذاته عليها أن تسرع في معالجة أزمات السوريين على مختلف المستويات، لا سيما في الجانب المعيشي والاقتصادي، فالمسار الجاد في العمل هو الطريق الحقيقي لبناء سوريا ديمقراطية تعددية.
في الختام، يؤكد أهالي محافظة حماة أن التغيير ينبغي أن يبدأ من رأس الهرم، وأن الإصلاح السياسي والمشاركة الفاعلة لكافة السوريين في صنع القرار هما السبيل الوحيد لبناء سوريا جديدة. ورغم التحفظات الواسعة على الإعلان الدستوري، إلا أن هناك ضرورة للإسراع في تأسيس مسارات سياسية جديدة، على رأسها التحضير لمؤتمر وطني عام، تشارك فيه جميع الأطراف السياسية، إلى جانب الأقليات ومختلف الطوائف، لضمان تحقيق الاستقرار السياسي وبناء مستقبل سوريا على أسس عادلة وديمقراطية.
ضياء العاصي- حماة