تشهد الساحة السورية تحديات متصاعدة تطال مختلف أبعاد المشهد الوطني، ما يستدعي من الفاعلين المحليين تكثيف الجهود لمواجهة هذا الواقع بما يلبّي تطلعات السوريين نحو الاستقرار السياسي والمجتمعي. في هذا السياق، عقدت الأطراف المحلية في محافظة السويداء مؤتمرها العام الأول، في تجربة سياسية ومجتمعية لافتة على مستوى سوريا، هدفت إلى تكريس دور المبادرات المدنية في تعزيز الحوار الوطني والإصلاح السياسي، في ظل بيئة معقدة تفرض تحديات على أي حراك مستقل.
وتأتي أهمية هذا المؤتمر من الرمزية السياسية والدينية التي تمثلها السويداء، والتي تعرضت في الآونة الأخيرة لمحاولات تهدف إلى تهميشها وإقصاء دورها عن المشهد الوطني. وقد شكّل ذلك دافعاً للعمل على مسارين متوازيين: أولهما إعادة التوازن السياسي والاجتماعي إلى المحافظة في ظل حالة اللا استقرار، وثانيهما خلق مسار سياسي ينطلق من السويداء باتجاه دمشق، يقوم على مبدأ التشاركية والانخراط في العملية السياسية السورية.
اقرأ/ي أيضاً: اللامركزية في سوريا.. رهان إعادة التوازن السياسي والاجتماعي بعد النظام المركزي
جاءت فكرة المؤتمر استجابةً لسعي الفعاليات المحلية إلى بلورة حلول تعبّر عن تطلعات أبناء المحافظة، مع الحفاظ على قدرٍ من الاستقلالية السياسية. وبحسب مراقبين، فإن المؤتمر شكّل خطوة لتوحيد الجهود السياسية والتنظيمية في السويداء، والمطالبة بالديمقراطية واللامركزية، وتمخض عنه انتخاب لجنة أمانة عامة تمثل مختلف القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والمدنية، إلى جانب طرح رؤية بديلة للوضع السياسي في البلاد.
سوريا موحدة… والسلم الأهلي أولوية
وحول طبيعة المؤتمر وأهدافه، قالت ميساء العبدالله، عضو اللجنة التحضيرية وعضو الأمانة العامة للمؤتمر الوطني في السويداء، إن “هذا المؤتمر مبادرة مدنية سياسية تهدف للوصول إلى التغيير المنشود”. وأشارت إلى أن فكرة المؤتمر “انبثقت من الحالة المدنية، وعدم الانحياز لأي طرف، وجاءت بمباركة من شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري”.
وأضافت العبدالله أن المبادرة أسهمت في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف في السويداء والسلطة، وتمكنت من خلق قناعة مشتركة لدى المشاركين من خلال دعوة شخصيات تحظى بقبول شعبي واسع، ما جعل المبادرة أكثر قبولاً على الصعيد المجتمعي رغم التحديات. وأكدت أن مخرجات المؤتمر عبّرت عن رؤى واعية تؤمن بإمكانية التغيير، خاصة أن المؤتمر سيتواصل مع جميع الأطراف. وبعد تشكيل الأمانة العامة، تم إنشاء ثلاث لجان رئيسة: اللجنة السياسية، اللجنة الأمنية، ولجنة السلم الأهلي والخدمات، ومن المقرر لاحقاً تشكيل لجنة إعلامية تكون الجهة الوحيدة المخولة بنقل مواقف المؤتمر إلى الرأي العام، بالإضافة إلى لجنة أهلية تتولى التواصل الداخلي داخل المحافظة، بينما تضطلع اللجنة السياسية بالتواصل مع السلطة كوسيط، في إطار من الحوار، بهدف الوصول إلى شراكة في بناء مؤسسات الدولة.
وبيّنت العبدالله أن اللجنة الأمنية ستضم جميع الأطراف وتهدف إلى تعزيز السلم الأهلي، فيما ستؤدي اللجنة الخدمية دور الوسيط بين المؤسسات والمكتب التنفيذي في المحافظة، بحيادية تامة، من أجل الوصول إلى سوريا موحدة، تكون فيها مسألة المركزية أو اللامركزية مسألة دستورية، ويكون القرار النهائي بيد الشعب السوري.
نحو رؤية وطنية جامعة لمستقبل سوريا
من جهته، أوضح سلمان أبو راس، الناشط السياسي والمشارك في المؤتمر، أن فكرة انعقاد المؤتمر جاءت انطلاقاً من دافعين: الأول صياغة رؤية وطنية جامعة تتقاطع مع تطلعات غالبية السوريين نحو دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية، والثاني ضرورة توحيد الخطاب في السويداء، خاصة في ظل تباين وجهات النظر داخل المحافظة، سواء حيال الواقع السوري أو طرق التعامل مع الإدارة الجديدة. وأشار أبو راس إلى أن المرحلة السابقة شهدت تأزماً واضحاً في العلاقة مع حكومة دمشق، وتوتراً متصاعداً في المناطق ذات الغالبية الدرزية، وهو ما جعل انعقاد المؤتمر استجابة ملحّة للواقع المعقد الذي تعيشه البلاد، ومحاولة للحفاظ على أمن السويداء واستقرارها من خلال العمل المشترك.
اقرأ/ي أيضاً: العدالة الانتقالية بين التطبيق والواقع السوري
في المقابل، شدد هيثم شاكر، أحد منظّمي المؤتمر، على أن سوريا اليوم أحوج ما تكون إلى حماية قائمة على توافق وطني شامل يضم جميع السوريين ويكرّس مبدأ التشاركية في إدارة الملفات الكبرى، بما في ذلك العملية السياسية. وقال: “أكدنا خلال المؤتمر على ضرورة الإسراع في تحقيق العدالة الانتقالية، وإقرار دستور وطني يضمن حقوق السوريين بجميع انتماءاتهم، ويحفظ التنوّع القومي والديني في البلاد”.
ولفت شاكر إلى أن الكلمات التي أُلقيت خلال المؤتمر، رغم حالة التوتر السياسي، ركزت على أهمية إشراك كل السوريين في المسارات القادمة، وضرورة مراجعة بعض بنود الإعلان الدستوري. وأكد أن “سوريا لا يمكن أن تُدار بلون سياسي واحد”، وأن المؤتمر شدد على وجوب التشاركية والانخراط الجماعي في العملية السياسية، لبناء دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية.
عمر صحناوي- السويداء
