بكل تأكيد بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شباط/ فبراير الجاري، لا نستطيع التنبؤ بالوضع السياسي في سوريا وجوارها الإقليمي، إلا بعد استقرار الصفائح التكتونية الأرضية، وهي المناطق التي تمثل نقاط التقاء أو اصطدام بين الألواح الصخرية أو الصفائح، وتُعرف باسم الفوالق أو الصدوع.
صفائح أدى تحركها وانزلاقها الى إفراغ وإطلاق طاقة كامنة من جوف الأرض سببت فاجعة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا معاً.
وفي ظل هذا الدمار وعلى مبدأ مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد ودون الاكتراث إلى حرمة الدم وهول المصيبة أطل تنظيم “داعش” الإرهابي برأسه من جديد كأفعى تتربص بفريستها دون رحمة وشفقة ليعاود التنظيم تصعيد هجماته في سوريا المنكوبة التي لم تتمكن إلى هذه اللحظة من لملمة جراحها واستيعاب صدمتها، ويزيد التنظيم المشهد دمويةً من خلال هجماته التي كان أكبرها هجوم في بادية حمص وسط سوريا، والذي راح ضحيته عشرات المدنيين.
ما الرسائل التي يريد “داعش” ايصالها ؟
بالخوض في دلالات التوقيت سترى وتدرك بأن هذا العمل الإرهابي نُفّذ تحت عنوان “مجزرة البادية” لضحايا كانوا يعملون على جمع الكمأة.
ماهي إلا رسالة من “داعش” مفادها أنه يريد إثبات وجوده مجدداً مستغلاً الانشغال الدولي بكارثة الزلزال، هجوم التنظيم الضخم بحق الأبرياء والمدنيين العُزّل يثير علامات استفهام كثيرة، ويدق ناقوس الخطر من الانعكاسات السلبية لتزايد وتيرة العمليات الإرهابية على عمليات الإغاثة والاستجابة من المجتمع الدولي، في سياق معالجة تداعيات فاجعة الزلزال التي طالت ملايين السوريين.
قد يهمك: تركيا وحلفاؤها يستغلون كارثة الزلزال لتوسيع وترسيخ التغيير الديمغرافي في عفرين
ماهي أسباب زيادة إيقاع العمليات الإرهابية لتنظيم “داعش” ؟
إيقاع هجمات التنظيم الدموية ازداد في العديد من المناطق ذات السيطرة الرخوة على جانبي نهر الفرات، وهي مناطق ذات سيطرات هشة وضعيفة لقوات سلطة دمشق والفصائل الموالية لإيران، ويمكن أن يُلاحظ وجود التداخل والتماس بين مناطق تواجد للقوات الأميركية المتمثلة في قاعدة التنف، أو مناطق تواجد قوات سوريا الديمقراطية شريك التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
هل من استراتيجية جديدة لداعش أم أن التكتيك لم يتغير؟
لا يوفر التنظيم أي فرصة ولا يوفر أي جهد في الاستمرار بأعماله المعروفة حتى في أشد اللحظات إيلاما وأثبتت التقارير الإعلامية والاستخباراتية على أن “داعش” كثّف من نشاطه على كافة الأصعدة من عمليات الخطف والقتل والهجوم على المستشفيات والتهريب مع انشغال العالم بكارثة الزلزال .
هل يحاول “داعش” إعادة تنظيم نفسه ؟
مع حركة عقارب الساعة يحاول التنظيم المتطرف الاستفادة من كل ثانية في رحلتها نحو الدقيقة، واستثمارها تحت منطلق “الغاية تبرر الوسيلة” فالتصعيد سيد الموقف حتى ولو كان على حساب المفجوعين وصرخاتهم وأنينهم.
الإرهاب والتصعيد من قبل التنظيم في كل الاتجاهات والعمليات وبأكثر من مكان سواءً في مناطق سيطرة دمشق في البادية، أو مناطق قوات سوريا الديمقراطية وكذلك في العراق
كيف لا وهو خيرُ من يستفيد من المصائب ويُبرع في استخدامها مثلما فعل في استغلال أزمات أخرى صحية كانت أو سياسية، وبالتالي فهذا ملعبه وفرصته مع انشغال المجتمع الدولي بكارثة الزلزال، وهو ما يمنحه حرية المجال في التحرك وبالتالي تنفيذ إجرامه.
لا شك أن هذه الظروف مثالية ل”داعش” لإعادة الهيكلة وتنشيط خلاياه النائمة من خلال تنفيذ الهجمات والاغتيالات للترويج من بوابة الدم بأنه موجود وقادر على العودة.
قد يهمك: هل تحرض كارثة الزلزال دمشق لتغيير مقاربتها للحل !؟
إلى أي درجة يستثمر التنظيم الدين في محاولاته الدعائية للاستفادة من الكوارث الطبيعية؟
كما هي العادة من قبل التنظيمات الإرهابية والتي وصفت بـ “الخوارج” في أدبيات الدين الإسلامي الحنيف ولعل الشاهد على هذا الأمر قول الإمام علي بن أبي طالب لإبن عباس عندما أرسله لمناظرة الخوارج “لا تجادلهم بالقرآن فإنه حمال أوجه ولكن خذهم بالسنة “.
كان ومازال الترويج لسرديات التنظيم الإرهابي على رأس الآليات التي تعامل بها مع فاجعة الزلزال الذي أصاب سوريا وتركيا، وخصص مقالاً استفتاحياً من صحيفته الأسبوعية النبأ وعنونه بـ “وما نُرسل بالآيات إلا تخويفاً”، وادعى التنظيم أن “هذا الزلزال يمثل عقاباً إلهياً للناس في سوريا، لإعراضهم عنه”.
استراتيجية التنظيم الإرهابي مبنية على التجنيد والرسائل على البروبغندا الإعلامية والتقنية الرقمية، وهي واضحة بأنها الركيزة الأساسية التي يستثمرها ويتعامل معها داعش مع كافة الوقائع والأحداث المهمة كالأوبئة والزلزال والأحداث السياسية والاقتصادية، في محاولة منه للجمع بين محاولة الترويج لسردياته الإرهابية وشرعنة وعدالة وقدسية نهجه كما يدّعي، والشيء بالشيء يُذكر هنا كما كان ينادي بأن خلافته المزعومة هي على نهج سلف الأمة.
وفي هذا السياق لا تخرج هذه الحالة البروبغندية لحادث الزلزال عن إطار الأفكار السلفية الجهادية، وهي الأفكار التي تربط النكبات والأزمات التي تتعرض لها الشعوب بما تسمى لدى التنظيمات الإرهابية بجاهلية المجتمعات وبأن الزلزال يمثل “عقابًا إلهياً”. وحاشا لله الرحمن الرحيم أن يتعامل مع من خلق بهذه الطريقة وما كل هذه المحاولات من قِبل التنظيم إلا لترهيب الناس وتخويفهم لتطويعهم لخدمة إرهابه، وبشكل عام تدور مقاربات “داعش” وقراءاته للأحداث في فلك شرعنة إدارة التّوحش والإجرام وتغليف كل ذلك بإطار شرعي وفقهي، والدين والله منهم براء.
وعد محمد /إعلامي