واهم من يعتقد، بأن الملف السوري ومجمل تشعباته، بات قريباً من التوصل لحل سياسي، يُنقذ السوريين في الداخل وكذا في دول الجوار واللجوء، فـ استمرار الحرب في سوريا كان كفيلاً بإظهار هشاشة الواقع السوري بعموم تفاصيله، والواضح أن جُزئيات الملف السوري، لم تعد تقتصر على ضرورة تغيير الطريقة التي تتعاطي بها السلطة في دمشق مع المستجدات الإقليمية، بل ثمة تحديات جمة تتعلق بالنازحين، والضرورات المرتبطة بهم دلالياً لجهة الحل السياسي، وفي جانب آخر، فإن الضغوط الاقتصادية التي تُثقل كاهل دول اللجوء، قد فاقمت من معاناة اللاجئين، وأدخلتهم في أتون بازار سياسي، سواء من قبل السلطة في دمشق، أو لجهة دول اللجوء، واستثمار هذه الورقة الإنسانية في إطار مصالحهم السياسية.
قد يهمك: بعد ثلاثة عشر عام من الأزمة .. سوريا إلى أين؟
الحرب السورية في عامها الثالث عشر، أظهرت مؤشرات تتعلق بالظروف التي تشهدها سوريا، والتي تشير صراحة إلى تأزم واضح ومستمر في تفاصيل الملف السوري. هذه المؤشرات كانت ولا زالت السبب الرئيسي الذي دفع بالمزيد من السوريين، إلى البحث عن مخرج ودول جديدة للنزوح، خاصة في ظل انعدام أي مؤشرات أو حلول، تكون سبباً في تعديل الواقع السوري، وبالتالي يرى كثير من السوريين، بأن البلاد تراوح مكانها من دون أي تغييرات مُشجعة على البقاء، ونظراً لتلك الرؤية، وانعدام الثقة بالسلطة في دمشق، وطريقة تعاطيها مع واقع السوريين، وكذا حيال ضرورة تأمين واقع أفضل لعودة أبناء سوريا إلى وطنهم، ثمة هواجس لدى اللاجئين السوريين تتعلق بالعودة إلى الوطن، لا سيما أن تقارير عدة وثّقت حالات سوء المعاملة التي تعرض لها الأشخاص الذين عادوا إلى بلادهم، ما يُظهر بأن الظروف لا تزال غير مناسبة إطلاقًا لتحقيق عودة آمنة وكريمة وطوعية للاجئين السوريين.
صراحةً، اللاجئون السوريون يمتلكون رؤية واضحة لأي وطن يريدون، فغالبية رؤى السوريين ترتكز على ضرورات الأمن والعدالة، بالإضافة إلى ضرورات تتعلق بممارسة ضغوط دولية على السلطة في دمشق، بُغية التوصل إلى حل سياسي يُنقذ سوريا والسوريين، وفي المقابل، فإن ظروف السوريين في دول اللجوء، تتسم بتحديات خطيرة ومتأزمة، لكن ذلك لم يدفع السوريين الى تبني قرار العودة إلى الوطن، وثمة حالات كثيرة أكدت أنه لم يعد لديهم منازل تأويهم بعد العودة، ويرفضون الإقامة في مراكز الايواء المؤقتة، نظراً لرداءة واقع تلك المراكز، والأهم من ذلك كلّه خوف الكثيرين من الملاحقات الأمنية والتضييق عليهم.
اللاجئون السوريون لديهم مخاوف كثيرة تجاوزت وضعهم المُعقد في دول اللجوء، وقد تبدلت منذ العام 2011، هواجسهم وقلقهم من العودة، ومن دواعي قلق الكثيرين هو الخوف على سلامة عائلاتهم ، بالإضافة إلى مصالحهم الاقتصادية وظروف معيشتهم بعد العودة. يقول رشيد وسوف أحد اللاجئين في لبنان، بأن أهم عوامل العودة إلى الوطن، تتعلق بضرورة محاكمة من ارتكب جرائم خلال سنوات الحرب في سوريا، فهؤلاء بحسب توصيف رشيد، يمثلون الخطر الأهم عليهم في حال العودة، ولا يُخفِ رشيد أن العودة إلى الوطن تتطلب أولويات ضرورية على السلطة في دمشق القيام بها.
في ذات السياق، فإن غالبية مَن تم التواصل معهم في مخيمات اللجوء في دول الجوار، أكدوا أن ظروف مغادرتهم لم تتغير، وللعودة شروط محددة لا يرون أملاً في تحقيقها، مثال ذلك، أحد اللاجئين في مخيمات لبنان رفض الكشف عن أسمه خوفاً من ملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة لسلطات دمشق في حال تمت إعادته قسراً، إذ يقول، غادرت أحد أحياء مدينة دمشق أنا وعائلتي تحت الرصاص، وأذكر أنه كان معي أنا وعائلتي عشرات الأشخاص وعائلاتهم، وعند محاولتنا الهرب إلى أحد أحياء دمشق الآمنة نوعاً ما، لم يُسمح لنا بالعبور لأننا وبحسب أحد حواجز الجيش السوري، من مناطق المسلحين، وطلبنا منهم السماح للأطفال والنساء العبور فقط، لكن أيضاً لم يسمحوا بذلك، كل ذلك حدث ونحن في العراء، وبعد منتصف الليل تمكنا من العبور عبر البساتين إلى منطقة المزة في دمشق، ونظراً للظروف حينها، سافرنا الى مدينة حمص، وبعدها قمت أنا وعائلتي ومعنا عشرات العائلات بالتسلل الى لبنان، وما أريد قوله، أنني أتابع مجريات الأمور في سوريا، أملاً بالعودة، لكن صدقني باتت الظروف في سوريا أسوأ مما قبل، وأسوأ من تاريخ عبورنا الى لبنان، صحيح أننا هنا في لبنان نعاني الأمرّين، لكن نبقى بعيدين عن إمكانية الملاحقة الأمنية، ودعني أقول لك بأن أحد أولاد عمومتي، عاد الى سوريا وبعد تواصله معنا من دمشق ليخبرنا أنه وصل، اختفى وحتى اليوم لا نعلم عنه شيئاً، لذلك “خلينا مستورين بخيمة في لبنان” ريثما تنتهي الحرب ويتم التواصل الى حل سياسي يضمن لنا الامان.
نتيجة لذلك، فإن قرار اللجوء بالنسبة للكثيرين لم يكن سهلاً، خاصة أن الدافع الأساسي للنزوح ارتبط بشكل مباشر، بحوادث هددت حياتهم وحياة عائلاتهم، وببساطة تقول علياء نظام من درعا وهي مُهجرة مُقيمة في الأردن، ما دفعني للهرب من سوريا هو البحث عن ملاذ آمن، وتضيف أصبت أنا وأطفالي جراء قصف طال درعا البلد، وتهدم منزلي، وتوفي زوجي، ورغم أن إصاباتنا كانت واضحة على أجسادنا، إلا أن المشافي الحكومية التابعة للسلطة، لم تقم باستقبالنا بل على العكس، تقول علياء “تصور طلبوا لنا الأمن”.
الملفت في ملف اللاجئين السوريين في عموم دول اللجوء، هي حالة عدم الثقة واللايقين بالعودة إلى سوريا، ورغم الظروف التي يعيشون بها، والحالة المعقدة والبيئة المضطربة التي تحيط بهم، إلا أن قرار العودة هو آخر ما يمكن التفكير به، ويترافق ذلك، بالشعور لدى غالبية اللاجئين، بالإحباط العميق نتيجة تخلي المجتمع الدولي عن قضيتهم، وبأن الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري، قادرة على فرض حل سياسي إذا ما أرادت ذلك، فضلاً عن فقدان الثقة بأي مسار سياسي، يكون سبباً في عودتهم إلى الوطن، وتأمين مستقبل واضح لهم ولأبنائهم.
في جانب آخر، ومن الزاوية السياسية، فإن الواقع السياسي لدول اللجوء، كان سبباً في تعميق معاناة اللاجئين، ومع كل مناسبة سياسية في دول اللجوء، كان يتصاعد الخطاب المناهض للاجئين، الأمر الذي أدى إلى تعميق وطأة الضغوط عليهم من أجل العودة إلى بلادهم، من هنا يتعين على الهيئات الدولية بكافة مؤسساتها، العمل من أجل تأمين حقوق اللاجئين في دول اللجوء، ومنع استخدامهم كأداة ضغط سياسية.
واقع الحال يؤكد بأن قضية عودة اللاجئين، باتت جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحل السياسي في سوريا، نتيجة لذلك يواصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، التشديد على ضرورة تسهيل عودة اللاجئين في الإحاطات التي يقدمها أمام مجلس الأمن. مع ذلك، ستواجه عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا المزيد من العراقيل نظراً إلى قلة الموارد، وتدهور الظروف المعيشية وتأزم الوضع السياسي في سوريا، ناهيك عن تزايد الضغوط على اللاجئين أنفسهم.
وربطاً بما سبق، وعطفاً على مبادرات الحل السياسي، كان لافتاً ما قدمته الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، عبر مبادرتين إحداهما تتعلق بالحل السياسي في سوريا، والأُخرى تتعلق بالاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة إلى الوطن ضمن مناطق الإدارة الذاتية، وهنا لسنا بصدد الحديث عن هاتين المبادرتين، لكن رأينا في المبادرتين، عناوين هامة من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، مع الحاجة إلى ضرورة المصالحة والوحدة الوطنية والتعايش، وهذا يُعدّ من النظرة الواقعية للملف السوري، تقدماً هاماً في سياق المبادرات الرامية لإنهاء معاناة السوريين، وإهدائهم حلاً سياسياً يُنقذ ما تبقى لديهم.
قد يهمك: فصائل تركيا تجبر إيزيديي عفرين على اعتناق الإسلام
ختاماً، قضية اللاجئين السوريين، وعموم جزئيات الملف السوري، لا تُحل عبر الشعارات والمؤتمرات، بل ثمة ضرورات تتعلق بالإصرار على الحل السياسي والعيش المشترك، والتأكيد بقوة على أن السوريين قادرون على العمل والعيش معاً كما في السابق، وعدم تحميل طائفة أو عِرق مسؤولية النزاع، والأهم بأن السوريين أنفسهم قادرون على حل خلافاتهم، لكن الرؤى حيال مستقبل سوريا، مؤطرة بجوٍّ من اليأس في أوساط السوريين في الخارج كلاجئين، وحتى السوريين في مناطق سيطرة دمشق، ولعل سردية السلطة في دمشق، لجهة أرساء الأمن والاستقرار لم تعد ذا قيمة أو معنى ليس لدى اللاجئين فحسب، بل لدى عموم السوريين.
عمار المعتوق-دمشق