عمليات وحالات الاعتقال التعسفية بحق المدنيين تتكرّر في شمال غربي سوريا على يد الفصائل المعارضة الموالية للاحتلال التركي في مناطق نفوذها التي تسميها بـ “المحرر”، اذ يُعتبر الحيز الجغرافي المسيطر عليه من قبل هذه الفصائل والذي يشكل ما نسبته 10.98% من مساحة سوريا بؤرة للفساد والإهمال ومسرحا للجريمة المنظمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
جريمة منظمة واعتقالات ممنهجة
تستكمل فصائل المعارضة المسلحة ” الجيش الوطني ” المدعوم من أنقرة نهجها التخريبي في المنطقة، ذاك النهج القائم على التغير الديمغرافي وتهجير السكان الأصلين منها والتّنكيل بمن تبقى منهم عبر عمليات القتل المتكررة أو عبر حالات الاعتقال التعسفية الممنهجة.
اشتهرت تلك الفصائل على مدى السنوات السابقة بالتناحر الدائم والاقتتال الدامي فيما بينها وعلى الرغم من أن جميع الفصائل تنضوي تحت ما يسمى بـ “الجيش الوطني”، إلا أنه لا يجمع تلك الفصائل إلا قاسم القتل والاقتتال والخطف والاعتقال والنهب والارتزاق.
شاهد/ي أيضًا: من دمشق.. السوريون يشيدون بمبادرة الإدارة الذاتية
أدت تلك العوامل والأسباب الى زرع الفوضى وانعدام الأمان في تلك المناطق التي تحكمها فصائل “الجيش الوطني” وأشعلت فتيل الغضب لدى المدنيين والحاضنة الشعبية، لتخرج الكثير من الأصوات والاحتجاجات التي تطالب بإلغاء سطوة الفصائل والانتهاكات المتكررة بحقهم.
لكن سرعان ما تقابل تلك الأصوات المنددة والاحتجاجات الرافضة لسلوك الفصائل بالاعتقالات التعسفية والتغيب القسري والتعذيب في السجون التي تصل غالبيتها للموت تحت التعذيب كما حصل مع الشاب باسل محمد جاكيش، المنحدر من ريف حماة حينما اعتُقل على يد الفصائل برفقة صديقه مطلع الشهر الحالي ومات تحت التعذيب في سجن ما تسمى بالشرطة العسكرية بمدينة اعزاز.
كما تطال الاعتقالات النساء والشباب والإعلاميين والصحفيين بل وحتى عائلاتٍ بأكملها دون مراعاة لحرمة البيوت أو التفريق بين طفل وامرأة، وكبير أو صغير كما حصل مع عائلة الصحفي رزق العبي وزوجته، وعائلة ياسر العاني التي لم تخرج من سجون تلك الفصائل إلا بدفع مبالغ مالية مقابل إخراجها.
دويلات يحكمها الاحتلال والترهيب
يُعرف عن المنطقة غياب السلطة القضائية بل وحتى المؤسسات الحقوقية، ويعود لذلك لأن المنطقة المسيطر من قبل تلك الفصائل بشمال غربي سوريا مقسّمةٌ ما بين الفصائل نفسها بحسب سيطرة كل فصيل، بحيث يجد السوريون أنفسهم مقسمين إلى دويلات يتزعمها قادة الفصائل، ولكل فصيل سجن خاص به يحكمه فكر “راديكالي ” يبيح لنفسه القتل الفوري والاعتقال التعسفي.
ولكل فصيل منهم له سجنه وأسلوبه الخاص باستغلال المدنيين ومعاقبتهم. وقمع أي مظاهرة احتجاج أو اعتراض على سياستهم، مثل الاعتراض والغضب الشعبي الذي ظهر مؤخراً بسبب التطبيع التركي مع السلطة في دمشق واعتقال مدنيين قاموا بمظاهرة ضد سياسة الحكومة التركية ورفض الوصاية التركية على المنطقة.
وبحسب العنصر ضمن تلك الفصائل ” ع ن ” فإن لـ “الجيش الوطني” سجون عرفت بممارسة الانتهاكات المتكررة كان منها سجن كفرجنة المعروف بانه مركز لتجمع ما تسمى “أمنيات الجيش الوطني” وفيه غرف خاصة ومنفردة لتعذيب المعتقلين بكل الطرق المتاحة والتجويع والضرب والتعذيب المستمر.
وأضاف قائلا، “إن كل تلك الفصائل تأتمر بأوامر جهاز الاستخبارات التركي، الذي يتحرك في المنطقة كيفما يشاء وهو المسؤول الأول عن أي تحرك للفصائل وفي كثير من الأحيان يمارس فرض سيطرته دون الرجوع لهم وسط خرقه للقوانين الدولية وكل الأعراف الإنسانية، يُحال المعتقل من الأراضي السورية الى الأراضي التركية عبر جهاز الاستخبارات التركي دون معرفة الفصائل نفسها، مما يضع المعتقل بحكم المغيّب قسرا”.
سجون ومعتقلات للجميع
يعيش السوريون بشمال غربي سوريا في حالة طوارئ دائمة ورعب يلاحقهم من كل حدب وصوب بسبب الممارسات الممنهجة والانتهاكات المتكررة والتي تطال كل مناهض ومعارض للتدخل التركي أو لسياسة وسلوك هذه الفصائل ولا يقتصر الأمر على المناهضين والمعارضين فحسب وإنما تطال أيضا أصحاب المِهن والعقارات والتجار والمزارعين من أجل فرض الأتاوات واستباحة أرزاق المدنيين.
وفي سياق الحديث عن المعارضين والمناهضين للاحتلال التركي ولسلوك فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة تتبع الفصائل سياسة الاعتقال أو القتل لكل مناهض ومعارض لها، فلا يحتاج الأمر إلا قوى عسكرية مدججة بالسلاح تقتحم بها منازل المعارضين لها وتسوقهم للمعتقلات المنتشرة بكثرة في جميع مناطق سيطرتها، ولكل معتقل سجونٌ خاصة يُساق إليها بحسب نوع التهمة الموجهة له.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعتقل كل مَن هو “عسكري ” سواء كان ضمن صفوف “الجيش الوطني” ومناهض لسولك الفصائل، أم مَن هم من المنشقين عن سلطة دمشق ومعارضين للتدخل التركي ووصاية حكومة الاحتلال التركي على المنطقة، ويُقاد المعتقل ذو الصفة العسكرية إلى سجن ما يسمى بـ” سجن الشرطة العسكرية ” في مدينة عزاز بريف حلب الشمالي، وهو سجنٌ خاص لكل من يحمل صفة عسكرية.
ويُعتقل أيضا كل مَن يرفض إعطاء الفصائل نسبة من محصولهم الزراعي أو الرافض لتدخل الفصائل في حياتهم وأشغالهم، وأكثر المعتقلين بهذا الخصوص هم من “المكون الكردي” الذين تعرضوا ويتعرضون للتغير الديمغرافي منذ العام 2018″ .
شاهد/ي أيضًا: شمال غرب سوريا.. فلتان أمني وتغلغل عناصر “داعش” في صفوف “الجيش الوطني”
ويُقاد المعتقلين بهذا الخصوص الى سجون خاصة ومُعدّة مسبقا كسجن ” راجو” أو سجن ” عفرين المركزي”، والذي يشرف على كليهما المخابرات التركية، وتكون التُّهم الموجهة لهم لتبرير اعتقالهم ” التواصل مع شمال شرقي سوريا أو التعامل مع الإدارة الذاتية”، متناسين وضاربين بعرض الحائط سلوكهم الإجرامي الذي هجّر غالبية سكان المنطقة الأصلين خدمةً للمحتل التركي وتنفيذاً لأجنداته.
وفي ذات السياق يتم اعتقال النشطاء والصحفيين والإعلامين الذين يوثّقون انتهاكات تلك الفصائل ويصل الأمر حتى اعتقال كل من ينتقد سلوك الفصائل من المدنيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
باختصار يمكن القول بأن فصائل ما يسمى بـ “الجيش الوطني”، هو أبعد ما يكون عن الوطنية بحسب ما وصفه السوريون، إذ إن ممارساته الممنهجة منذ سنوات ليست إلا ترسيخا لسطوة الاحتلال التركي على المنطقة وعملا لتنفيذ أجندته ومخططاته للمنطقة، وليست تلك الانتهاكات والممارسات محض صدف بل هي سياسية متّبعة لدفع المدنيين وسكان المنطقة الأصلين نحو الهجرة وترك المنطقة.
تيم الأحمد / شمال غرب سوريا.