تتسم جغرافية منطقة دير الزور المحاذية للحدود العراقية بالعديد من المزايا الاستراتيجية وخصوصا تلك الواقعة شرق نهر الفرات والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما جعل منها هدفا لمخططات بعض القوى الواقعة على سرير نهر الفرات الغربي كالميليشيات الإيرانية وقوات السلطة في دمشق، والتي دأبت على انتهاز الفرص لخلق البلبلة ونشر الفتن من خلال بعض الشخصيات المؤثرة التابعة لتلك الميليشيات وهذا ما حصل بالفعل عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة تعزيز الأمن وملاحقة بعض المطلوبين للعدالة، كمروّجي وتجار المخدرات وبعض الخلايا التابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي، ومن ضمنها كان اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري المدعو أحمد الخبيل، أبو خولة ضمن الأطر القانونية مما أدى إلى استغلال بعض العملاء لهذا الحدث واستثماره في تنفيذ بعض الأجندات المرتبطة بأهداف السلطة في دمسق وحلفائها ومنها العمل على إشاعة المهمة التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، بأنها حملة ضد العشائر العربية في المنطقة، خصوصا مع تسلل عناصر تابعة لـ “الدفاع الوطني” ومن الميليشيات لزيادة التوتر وتعبئة أبناء القبائل في دير الزور.
تجييش إعلامي لقلب الحقيقة
استخدمت القوى المتآمرة تجييش الإعلام بصورة غير مسبوقة وقادت حملة شرسة للتحريض على قوات سوريا الديمقراطية، من خلال التركيز على أن ما يجري في منطقة دير الزور من اقتتال هو بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما دحضه موقف شيوخ وأبناء العشائر والقبائل في المنطقة.
شاهد/ي: غليان الساحل السور ي وتدابير السلطة لاحتوائه
أكد الشيخ ماجد العراك، شيخ قبيلة السادة الشيخ عيسى، على فشل الجهات المعادية في ترسيخ هذه الفكرة بأذهان أبناء المنطقة حيث قال، “نحن نعلم ويعلم أبناء دير الزور الكرام بأن ما يحصل حاليا ما هو إلا إعادة هيكلة لمجلس دير الزور العسكري، نتيجة لشكاوى واستياء الأهالي في المنطقة من بعض المنفلتين بمجلس دير الزور العسكري، وإطلاق قوات سوريا الديمقراطية لحملة تعزيز الأمن جاء عند رغبة ومطالب أهالي دير الزور أنفسهم”.
وفي ذات الاتجاه أكده الشيخ أكرم المحشوش، الناطق باسم قبيلة الجبور، إن القبائل والعشائر العربية ليست بعيدة عن المجريات السياسية منوّها بأن ما يحدث في دير الزور ليس اقتتالا بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر، كما يروّج له الإعلام المحسوب على الجهات التي تقف وراء الفتنة، مبيّنا أن مقولة قوات قسد وأبناء العشائر غير صحيحة حتى لفظيا لأن قوام قوات سوريا الديمقراطية مرتكزة على تنوع قومي مثير، ويمثل فيه أبناء العشائر والقبائل الغالبية العظمى فكيف يمكن أن يكون اقتتال عشائري!
القبائل العربية تُفشل مخططات الحاقدين
كان التحريض ضد قوات سوريا الديمقراطية واضحا وصريحا من بعض الشخصيات التي برزت في الأحداث الحاصلة في دير الزور كـ نواف البشير، شيخ قبيلة البقارة سابقا والمنضوي تحت إمرة أجهزة السلطة الأمنية، والذي يدين بالولاء لإيران التي تعمل على نخر وإفساد المجتمعات وضرب هويتها، حيث ظهر من خلال عدة مقاطع مصوّرة وهو يحرض أبناء قبيلته وباقي القبائل على الانضمام لبعض المنفلتين أمنيا ومساندتهم في مقاتلة الكرد.
وقد برز صوته بكثرة لخلق الفِتن والعمل على تأجيج الانفلات، وهذا ما بان بشكل واضح وجلي عبر إرساله عناصر تابعة له، عملت على تخريب وضرب البُنى التحتية في المناطق الساخنة لإيهام أبناء المنطقة بأن قوات سوريا الديمقراطية هي من فعلت ذلك، وقد استغرب الشيخ فواز الزوبع الملحم، رئيس مجلس قبيلة الجبور، هذه الممارسات وخروج مثل هذه التصريحات المعيبة والمخجلة، فهذا منافي لعادات وقيم وأخلاق أبناء القبائل العربية فكيف له أن يخرج ويحرض ضد إخوتنا الكرد، فنحن في خندق واحد ويجب عليه أن يعلم بأن العرب والكرد أخوة يجمعهم تاريخ عتيق لا يفرّقه شخص كنواف البشير وغيره.
وتابع “نحن كقبائل نرفض مثل هذه الخطابات جملة وتفصيلا، ولن تؤثر فينا إطلاقا مثل هذه التصريحات الداعية إلى الفتنة والخراب، وحتى العقلاء من منطقة دير الزور لم ولن يتأثّروا بمثل هذا الشحن العِرقي الذي يمارسه نواف البشير وغيره، ونقول لمن لايعلم ويحاول الاصطياد بالماء العكر، نحن نعلم بأن عدد القرى والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية يبلغ 127 قرية وناحية، وعدد القرى التي شهدت أحداثا لا يتجاوز خمسة أو ستة قرى، فأين الاقتتال العشائري ضد قوات سوريا الديمقراطية أو اقتتالا عربيا كرديا”.
إدارة دير الزور في يد أبنائها
تعالت أصوات بعض المحرّضين على وجوب إدارة أبناء منطقة دير الزور للمؤسسات وغيرها وهذا يتناقض تماما مع ما يتم الترويج له، فأبناء دير الزور هم من يتولّون إدارة المجلس العسكري والمؤسسات المدنية في المنطقة ولهم فيها الإدارة الفعلية، وهذا ما يُثبت قطعا عدم وجود نوايا لتغيير البنية الإدارية وانتزاعها من أيدي أبنائها ولطالما كانت دير الزور ولازالت بيد أبنائها المتشاركون زراعيا وخدميا واقتصاديا مع كافة مناطق شمال وشرق سوريا، ولايوجد إداري واحد من باقي مناطق شمال وشرق سوريا يشغل منصبا في دير الزور.
فمع الانتهاء من الحملة العسكرية التي شارك بها أبناء دير الزور على تنظيم “داعش” والقضاء على آخر جيوبه تم تأهيل المؤسسات الخدمية والتعليمية، وإحداث مجلس دير الزور المدني الذي كان مسؤولاً عن كافة مفاصل الحياة في المنطقة وكان كادره الوظيفي بكل أفرعه مؤلفا من أبناء دير الزور، وهذا ما أكده وجهاء وشيوخ العشائر في منطقة الجزيرة فقد اكد الشيخ محمد فرحان الطائي، أحد شيوخ قبيلة طي العربية، عندما قال “لكل من يحاول أن يصور ما يحصل حالياً بطريقة تخدم مصالحه وارتباطاته المشبوهة، فلن تسير الأمور حسب رغباته وأهوائه ونقول له بأنك مكشوف وسنقف سدا منيعا في وجه كل المتآمرين”.
شاهد/ي: الساحل السوري يغلي ودعوات للإضراب والتظاهر
وأضاف، “منطقة دير الزور يحكمها ويديرها أبناؤها وهم أبناؤنا وأهلنا ومهما كانت هناك من أخطاء لدى قوات سوريا الديمقراطية أو الإدارة الذاتية، يمكن تصحيح هذا المسار عبر التشاور والحوار، والباب مفتوح أمام الجميع ليكون فاعلا في وحدة أبناء المنطقة من عرب وكرد وسريان وأي مكون آخر”.
شعب الجزيرة مجتمع متناغم ومنسجم منذ القدم
بعيدا عن آمال وطموحات العملاء والمتآمرين تشكل مناطق الجزيرة البيئة الخصبة لعدد كبير من القوميات والثقافات ذات التنوع الفريد، هذا ما أكده الكاتب والأكاديمي، دحام الصطام، حيث قال، “تتربص بنا عدة قوىً إقليمية لضرب هذا الانسجام النادر وتعمل في دأب على محاربة التنمية الثقافية ومحاولتها لإلغاء الآخر وتشتيت التناغم الاجتماعي، ولكن لدى شعوبنا في منطقة الجزيرة وعيٌ متكامل وهو يمثل الحصن المنيع أمام كل تلك المحاولات، وكان أولها تسليط الجماعات الراديكالية والمتشددة لبث الرعب وقتل الأحرار ونشر الفكر المخالف لثقافتنا وتاريخنا العريق، ولكن بفضل وحدة أبنائنا من كافة المكونات تم دحض كل ذلك”.
في المحصلة ستتجاوز المنطقة بكافة مكوناتها هذه الأزمة وستخرج أقوى من ذي قبل بفضل التماسك المجتمعي، وسيتم تدارك الأخطاء وتصويبها لجهة تمكين الإدارة الذاتية للمناطق المحررة من تنظيم “داعش” الإرهابي وبناء مؤسسات تمثّل تركيبة المنطقة وطبيعتها.
أحمد الطائي-الحسكة