Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

لا شك بأن التجوّل في شوارع دمشق وأسواقها، يمتاز بخصوصية لا يدركها إلا من خبِر المدينة وتاريخها، لكن ومع سنوات الحرب التي عاشها السوريون، فقد تبدّلت الأحوال، وكُثرت الهواجس والمخاوف، لكن رغم ذلك، تبقى دمشق تلك المدينة التي تختزل معاناة السوريين، والناظر إلى وجوه قاطني دمشق، يُدرك وبشكل مباشر، حجم الألم الذي يعتري تلك الوجوه.

اعتدنا في مواد سابقة، الحديث عن دور السلطة وسياساتها التي أوصلت السوريين إلى حالتهم هذه، إلا أننا في هذه المادة، والتي خُصصت لتسليط الضوء على معاناة السوريين، فإننا وإنطلاقاً من عملنا الصحفي، سنقوم بتسليط الضوء على هواجس السوريين في شوارع دمشق، ونقل قصص السوريين في كل جنباتها. فـ في تلك البقعة الجغرافية الغارقة بالألم، تُروى الكثيرُ من القصص، وتُشاهد ترجمة تلك القصص في كل مكان، فمن كان أباً لأطفال، ولم يلد وفي فمه ملعقة من ذهب، وقدره أن يكون موظفاً أو سائق تكسي، أو عامل “بسطة”، فذلك يعني أنك أصبحت وجهاً من وجوه دمشق من وضح النهار، حتى سكون الليل.

شاهد/ي: سلطة دمشق وتصوراتها الواهمة سياسياً واقتصادياً

أثناء التجول في شوارع دمشق، فإن من يرى هذه المدينة في النهار، لا يمكنه توقّع بأن هذه المدينة تخلد إلى النوم كباقي المدن السورية، خاصة أن نهار دمشق، يحمل في ثوانيه ودقائقه، مشاكل وهموم السوريين، وأيضاً لـ ليل دمشق قصصٌ لا يعلم بها إلا مرتادو الليل، وغالبيتُهم من السوريين الذين يُعيلون أُسراً.

في دمشق تُدرك وبشكل مباشر، بأن الحرب تركت ندباتها على الأمكنة وعلى مشاعر السوريين ومصائرهم، هكذا تقول وفاء ديركي، وهي خريجة جامعية، تحدثت لنا عن تجربتها مع ليل دمشق، وتقول، نحن أُسرة محافظة، ولدي ثلاثة أخوة لا زالوا في المدارس، ووالدي كان يعمل أمين مستودع، لكن حالته الصحية لم تُسفعه لتقديم المزيد، ووالدتي ربّة منزل، ونتيجة الحال الذي وصلنا اليه، أعمل في مطعم، ولا أخفيك بأن مُرتّبي يصل شهرياً إلى ما يقارب 800 ألف ليرة سورية، لكن غلاء الأسعار يُبخّر كل ما أُجنيه.

تُضيف وفاء، أعمل في أحد مطاعم دمشق، وتحديداً في منطقة المالكي، وأنا سعيدة جداً بهذا العمل، فالأجواء مريحة والإدارة تحترم موظفيها، وكوني من عائلة محافظة، فانهم يقدرون هذا الأمر كثيراً، وعملي يبدأ من الساعة 5 عصراً، حتى الساعة 3 ليلاً، وفي بعض الأحيان يمتد حتى الخامسة فجراً، وبعدها يأتي والدي على دراجته النارية، ليصحبني إلى المنزل، في رحلة ضمن شوارع دمشق.

تقول وفاء، هذه الرحلة شبه اليوميه، تجعلني أرى الناس بطريقة مختلفة، صحيح أن دمشق مدينة لا تنام، لكنها في هذا التوقيت وهذه الظروف، تبدو مرهقة ووجهها شاحب، وعندما أتجوّل مع والدي على دراجته النارية عائدين إلى المنزل، أرى تلك السيارات الفارهة، والمطاعم المكتظة بالناس، وبذات التوقيت، أرى الكثيرَ من أصحاب البسطات وبائعي الترمس، وبلمح البصر، أُجري مقارنة بين النموذجين، لأدرك مباشرة بأن ما شهدته تلك المدينة، ترك الكثير من الندبات على الأمكنة التي أشاهدها، وكذلك على مشاعر الناس ومصائرهم.

وتختم وفاء، لا أريد أن أُحدّثك عن مرتادي المطعم الذي أعمل به، لكن أعتدت على رؤية تلك الوجوه، وللأسف خارج باب المطعم، ورغم رُقي منطقة المالكي، لكنك ستعلم مباشرة، حجم الفارق الطبقي بين الجالسين في المطعم، وبين الذين يقفون خارجه ويحملون في أيديهم بضع ورود، أو دزينة من الكلسات. أعتصر الألم في داخلي وأصمت.

في دمشق، وبين خطوط الليل والنهار، لابدّ وأن تُصاب بدهشة كبيرة، فالذي يقطن دمشق، يعلم أن لهذه المدينة وجهان، لأن الاختلاف بين ليل دمشق ونهارها، يجعل أي شخص يشعر بالذهول، لا سيما أن نهار دمشق، يُميط اللثام عن آلاف المواطنين، الذين يتسابقون للفوز بمقعد ضمن وسائل النقل، بغية الذهاب إلى وظائفهم. منهم طلاب الجامعات، والموظفين، وأصحاب الأعمال الحرة، وغيرهم الذين يتسابقون إلى المشافي الحكومية.

لكن من المضحك، أن يُعلن عن بداية أي نهار في دمشق، بواسطة سيارات القمامة، وفق ما قاله محمد الحلاق، والذي أكد بأنه شخصياً يُدرك بأن بداية مشواره الجهادي تُعلنه أصوات سياراتِ جمع القمامة.

يقول محمد، يبدأ يومي الدمشقي الحافل عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، وأرى نهاري أمام عيني دون أي تغيير يُذكر، فأنا أعمل لدى شركة في القطاع الخاص، الأمر الذي يعني أنه عليّ الخروج من منزلي الساعة الثامنة، لتبدأ معركة البحث عن سرفيس يُقلّني إلى عملي، لأقضي وراء مكتبي ساعات النهار، حتى الساعة السادسة، لتبدأ معركتي الثانية مع وسائط النقل، لأنزل من السرفيس الى أحد الأسواق القريبة من بيتي، وأجلب حاجيات المنزل.

شاهد/ي: في دمشق القديمة.. فكم صُهرت سبائك الذهب الغالي فما احترقا

ويُضيف محمد، أنا أبٌ لطفلين، والاحتياجات كثيرة، لكن عندما أعود إلى منزلي، وبعد جلوسي مع زوجتي وطفلي، يحلّ الليل، ويحلّ معه تعب النهار ضيفاً على جسدي، فأخلد في نوم عميق، مع تصور مسبق عن نهاري القادم، والذي لا يختلف في أي شيء يُذكر عما فعلته اليوم.

ساكنو دمشق لا زالوا يعانون من تداعيات الحرب، فالتعب والحزن واضح على وجه قاطينها، والهواجس تُرخي بظلالها على حياة السوريين ويومياتهم؛ في شوارع دمشق الممتلئة بالمتعبين والمنهكين من واقعهم، ومن تدني مستوى معيشتهم، ومن أسعار احتياجاتهم، التي بات ارتفاعها المستمر والدوري، كابوساً يومياً يواجهونه، من موظفين، وعمال، وطلاب، وسائقين، كلهم ينتظرون شروق شمس دمشق الجديدة.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة