Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

في سياق الواقع السوري، والذي يبدو أنه عصيّ على الحل، تحاول السلطة الحاكمة في دمشق، إظهار نفسها كـ دولة تُمارس نشاطها السياسي على مختلف الأصعدة، وربطاً بذلك، فإن حالة التسويق السياسي للسلطة، لم تقتصر على اجتماع وزير خارجية السلطة، مع نظرائه في الأردن أو الإمارات أو السعودية، أو غيرها من الدول، وكذلك فإن اللقاءات السياسية على هامش القمم والمؤتمرات، لا تُعد بالعرف السياسي، على أنها حالةٌ من الانسجام وتلاقي الأفكار والعمل على تطبيقها واقعاً، بقدر ما هي حالة من الاستثمار السياسي لكن في إطار إعلامي، يجري تداوله من قبل السلطة، للتأكيد على أن الواقع السوري يسير في سياق متوازٍ، ولا تخرج عن تلك الحالة السياسية التسويقية، زيارة الأسد إلى الصين، وإفراد مساحات إعلامية تحليلية واسعة من قبل إعلام السلطة، وتحليل هذا “المُنجز الإستراتيجي”، لتبدو كل تلك المحاولات، بمثابة إعطاء جرعة لجسد أنهكته الأمراض.

الواقع السوري بكل جوانبه ومعطياته، يحتاج إلى مجلدات لتفنيده، لا سيما أن الملف السوري مُعقّد ويزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وبالنظر عميقاً إلى مزاج السوريين في مناطق سيطرة السلطة، يتضح جلياً أن السوريين ورغم العبث بواقعهم المعيشي والاقتصادي، إلا أنهم مُجبرينَ على متابعة تلك الأحداث السياسية، ليس من زاوية الاهتمام بخطوات السلطة، بقدر ما هي محاولة لاستشراف تلك الخطوات، وقراءة ما بين السطور، أملاً بإيجاد حلّ سياسي يُنهي تلك “المهزلة السياسية”.

شاهد/ي: من شوارع دمشق.. واقع تعكسه هواجس السوريين “2”

وهنا لسنا بصدد مقاربة واقع السوريين، بقدر ما نود الإضاءة على بعض النقاط، والتي لابد وأنها باتت تشكل أُسساً للملف السوري، ولابد أيضاً من العمل الدولي على إنهائها، وعليه فإن الأزمة السورية باتت ضمن قرار أممي واضح، عنوانه 2254، والأمر لم يعد روسياً أو إيرانياً أو صينياً، أو الاتفاق على حلول تُناسب الدول الثلاث السابقة وفقط، فالأمر أعقد وأعمق من ذلك، لا سيما أن الملف السوري بات خارج أي منطق سياسي، وكل المحاولات لنفخ الروح في جسد السلطة، هي محاولات لإطالة عمرها لا أكثر، ولعل من الأجدى لحلفاء السلطة، الضغط عليها في إطار القرار 2254، لإنقاذ السوريين من أزمتهم، دون ذلك فإنهم شركاء السلطة في تعقيد أي حل يطال الأزمة السورية، ودليل واضح على أن حلفاء السلطة يبنون مقاربتهم بناء على مصالحهم، دون اكتراث بواقع السوريين الذي يزداد خطراً وتعقيداً، مع إطالة عمر السلطة سياسياً.

إذاً، ورغم آلام السوريين وأزماتهم، تحاول السلطة تعميم نموذج سياسي غير واقعي، لتكون زيارة الأسد إلى الصين، وما رافقها من تحليلات “طريفة”، تصوير وتجسيد واقعي لأوهام السلطة، فـ معادلات الانتصار والانعطاف الاستراتيجي والانزياح الإقليمي والدولي، وكذلك سوريا قلب العالم، وما إلى ذلك من أوهام تحاول السلطة ترويجها، إنما هي مصطلحات لم تعد تُقنع السوريين الذين أنهكتهم سياسات السلطة، وفي المقابل، فإن الحل ليس في الصين، والأموال الصينية التي يتوهم البعض تدفقها إلى مناطق سيطرة السلطة، تحتاج إلى بيئة سياسية مستقرة، وأرضية صلبة بمقومات سياسية واقتصادية، لاستقبالها واستثمارها ومحاولة تغيير واقع السوريين، لكن كل ما سبق لا تمتلكه كـ أدوات المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة. وبالتالي فإن هذه الزيارة لا تعدو عن كونها ذر الرماد في العيون، داخلياً وإقليمياً ودولياً، لإيهام الجميع بأن السلطة لا تزال تُمسك بزمام الأمور.

من المؤكد أننا نؤمن بمنطق الحوار وتبادل وجهات النظر، ولا ضير من تقديم مقاربات سياسية، تخدم السوريين أولاً وأخيراً، وضمن ذلك، فإنه من المنطقي الإضاءة على زيارة الأسد إلى الصين، من الناحية السياسية والاقتصادية، والتأثيرات الممكنة والمتوقعة من تلك الزيارة، وبما يخدم سوريا والسوريين. وربطاً بذلك، فإنه من المهم التنويه، إلى أن الصين لم ترغب بدعوة الأسد إلى زيارتها بصفة سياسية بحتة، بل جاءت الدعوة في إطار حدث رياضي، دُعي إليه عدد من زعماء العالم، وبالتالي فإن الصين في هذا الإطار، ترغب ورغم حربها السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة والغرب بعدم إثارتهما، وربما فإن الصين تنتظر ردود الأفعال الغربية والأمريكية على تلك الدعوة، والتي سيكون لها ارتدادات سياسية تطال الصين أولاً، وتُعزز الخناق السياسي على السلطة ثانياً.

في ذات الإطار، فإن الحديث عن اتفاق استراتيجي وُقّع بين الصين وسوريا، فإنه أيضاً تم توقيع عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية بين الصين والدول التي حضرت في ذات المناسبة، وبالتالي فإن سوريا ليست استثناء، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، القول بأن سوريا باتت في عهدة الصين، وبأن المشاريع الاستثمارية ستتدفق إلى سوريا، إعلاناً لمرحلة إعادة الإعمار.

في الجزئية السابقة، فإن إعادة الإعمار في سوريا، تحتاج أولاً إلى قرار دولي، لأن تلك المرحلة تتطلب قروضاً ومنحاً دولية، وتفاهمات إقليمية ودولية، وعلى اعتبار أن الغرب وواشنطن وبعض الدول الإقليمية لا تعترف بوجود السلطة سياسياً، فإن إعادة الإعمار وغيرها من الملفات، لن تُنجز قبل البدء بالانتقال السياسي في سوريا، وعليه فإن الصين تُدرك هذه الحقائق، ولا يُمكنها تخطي القرارات الأممية بشكل منفرد، إذ لا تُعد الصين قوة سياسية قادرة على التأثير، حتى وإن امتلكت حق النقض، وفي المقابل فإن الصين تجارياً تعتمد على أسواق الولايات المتحدة وأوروبا، ولن تجازف بخسارة تلك الأسواق، كُرمى للأسد.

شاهد/ي: سلطة دمشق وتصوراتها الواهمة سياسياً واقتصادياً

الأمر الأخر، فإن السلطة وجراء سياساتها الاقتصادية، فإنها تبحث عن دعم مالي للإطالة في عمرها، وإسكات السوريين الذين بدأوا بالخروج في مظاهرات تُطالب بالتغيير، جراء سياسات السلطة التي أرهقت السوريين، وزادتهم فقراً وعوزاً، لكن الصين ليست جميعة خيرية تُقدم أموالها بالمجان، والصين أيضاً وإن كُثر الحديث عن مشروع الحزام والطريق، وأهمية سوريا موقعاً في هذا الطريق، إلا أنها تُريد سوريا مستقرة سياسياً، معافاة من الفساد المُستشري، لا حصص ولا أتاوات للمتنفذين، وبالتالي فإن الصين لا ترى في سوريا وجبة غنية بالاستثمارات الاقتصادية، ولا ترغب بذات الوقت من منافسة روسيا وإيران، أو اقتسام المصالح بينهما في الجغرافية السورية، أو التحاصص على ما تبقى من بُنى حيوية في سوريا.

ختاماً، يبدو واضحاً أن سوريا بواقعها الحالي، ليست أولوية للصين، وزيارة الأسد إلى الصين، لا تعدو عن كونها استثمار سياسي وإعلامي لا أكثر، وفي المقابل فإن الصين ونظراً للواقع السياسي في سوريا، فإنها غير جادة في توجهاتها نحو سوريا، ولا يمكن للصين نقل سوريا من واقع إلى واقع، دون قرار دولي، ورغم وجود هذا القرار ذات الرقم 2254، ورغم موافقة الصين على نقاطه، إلا أن السلطة لا تزال تُناور وتحاول الالتفاف بشتى السُبل على هذا القرار، ولا يزال السوريون يعانون جرّاء أزمات لا تنتهي، في انتظار رياح تُحرك الملف السوري، وتضعه على طرق الحل، وحتى ذلك الوقت، كان الله في عون السوريين في مناطق سيطرة السلطة.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة