Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

في ميدان السياسة والحياة المدنية، ثمة سرديات يتم هندستها بناء على الواقع الجغرافي الراهن في منطقة بعينها، وفي مقابل ذلك، ثمة استنتاجات فورية يتم تأطيرها بناءً على مقتضيات ومحددات الرأي العام في الدولة ذاتها، وعلى اعتبار أن تركيا تعاني حتى الآن من الواقع الجغرافي في شمال وشرق سوريا، وعدم قدرتها على نسف مشروع الإدارة الذاتية، فإن الداخل التركي يحتاج حُكماً إلى مُخدر سياسي يكون كفيلاً بتبريد هواجسه، ولعل الاستهدافات التركية التي طالت مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا، هي في أحد جوانبها معادلة رأي عام تحاول تركيا تصديرها إلى الداخل التركي، للقول بأن الكُرد قد أنهكوا وباتوا عاجزين عن مواجهة حملة مُكثّفة يشنّها “جيش تركي قوي العزيمة”. هذه هي على الأقل، السردية التي تحاول الحكومة التركية ترويجها أمام الرأي العام التركي.

وبالعودة إلى ميدان السياسة والحياة المدنية، يُمكن على الأرجح التوصّل إلى الاستنتاج الحقيقي، لجهة أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا شكّلت ومنذ انطلاقها هاجساً تركياً، حيث رأت فيها أنقرة تهديداً لأمنها القومي، خصوصاً بسبب محاذاته القسم الأكبر للحدود الجنوبية مع تركيا.

وضمن ذلك، يمكن استشراف الهدف الاستراتيجي للسياسة التركية عبر تحطيم الإدارة الذاتية بالقوة، والتعامل مع التّحدي الأمني الناجم عن ذلك كأولوية مطلقة.

شاهد/ي: المؤتمر الرابع لـ مجلس سوريا الديمقراطية.. آفاق واعدة

واقع الحال يؤكد بأن العبث التركي في جغرافية الشمال السوري، يأتي في إطار الحرص التركي على استمرار حالة الفوضى والقلاقل في الشمال السوري، حيث تدرك تركيا أن استقرار منطقة شمال سوريا يعني استمرار ديمومة مشروع الإدارة الذاتية وقوات “قسد” وهو ما يدفعهم للقصف من أجل قطع الإمداد والتمويل، وفي جانب آخر، فإن تركيا تريد إرسال رسالة للأطراف المعنية ولاسيما الولايات المتحدة، بأنها لن تتردد في تصعيد وتيرة اعتداءاتها.

الإدارة الذاتية مثّلت نموذجاً لحالة الاستقرار السياسي والاقتصادي في مناطق الشمال السوري، كما مثّلت معادلة الحل السوري، في أنها نموذج فعال لتحقيق التغيير الديمقراطي، وأفضل ترجمة لمسألتين متداخلتين: مطلب شعب سوريا الذي نادى بالتغيير، وفي الوقت نفسه كترجمة مهمة ومتقدمة للقرار الدولي 2254 للعام 2015 الذي يؤسس لسوريا كدولة لامركزية ديمقراطية وغير طائفية.

وهنا لابد من التنويه والتذكير، بأن الإدارة الذاتية تؤكد أنها منفتحة على التغيير والتطوير والتعديل نحو الأفضل بما يحقق أقوى الحالات المجتمعية والبُعد الوطني السوري، وترى أن تفضي الحوارات السورية والعملية السياسية في جانب منها بالنظر إلى الإدارة الذاتية كجزء من النظام الإداري العام الذي يؤدي إلى دورة متكاملة لتحقيق حالات متقدمة من المشاركة عبر سلطة المناطق ضمن نظام لامركزي يقرّ بصلاحيات الحكومة المركزية المعهودة والمتعارف عليها في القانون الدولي ذي الصلة، صلاحيات فعلية للإدارة الذاتية وبصلاحيات مشتركة بينهما.

شاهد/ي: “اللاجئون السوريون”.. أولوية في عمق الحلول السياسية

ضمن ما سبق، فإن الاستراتيجية التركية والتي يعتمدها نظام أردوغان، تتمثل في محاولة الإطاحة بمشروع الإدارة الذاتية في مناطق شمال سوريا، ولعل رواية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التركية والتي تتمحور حول مسؤولية حزب العمال الكردستاني عن جُل العمليات التي طالت جنود أتراك في سوريا والعراق، ليست إلا لـ ذر الرماد في العيون، فـ تركيا تفضح إرهابها بنفسها، لا سيما أنها حتى الآن لم تتمكن من تدعيم روايتها بأي أدلة مادية ملموسة، وهي التي تتشدق بقدرة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية.

نتيجة لذلك، فإن الاستهدافات التي نفذتها تركيا ولاتزال، والتي طالت المدنيين والبنى التحتية، إنما هي تجسيد واقعي للإرهاب التركي، والرغبات التركية باستهداف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مناطق الشمال السوري، وهذا ما يؤكد بأن تركيا تهرب إلى الأمام جراء فشل استراتيجيتها في تحييد تجربة الإدارة الذاتية، ولابد من التذكير بأن العمليات العسكرية البرية التي شنّتها تركيا، لم تتمكن من تغير واقع الشمال، ولم تتمكن أيضاً من إثارة الفتنة القومية والمناطقية، ولعل فشل أحداث دير الزور عقب محاولة تركيا تسعير حالة العداء بين مكونات الشمال، خير دليل على حجم الخيبة والإخفاق التي مُنيت بها تركيا، وعليه فقد بات واضحاً أن تركيا وربطاً باستهدافها المدنيين والمنشآت الحيوية، فهي تعمل على تصدير أزماتها الداخلية إلى خارج حدودها، وذلك عبر سياسة التدمير الممنهج لكل ما ينبض بالحياة في مناطق الإدارة الذاتية.

في المجمل فإن إرهاب المدنيين وتدمير بناهم التحتية في الشمال السوري، هو ترجمة واقعية لـ فشل “داعش” في المهام التي أوكلت إليه تركياً، ليُطل الأصيل برأسه ممارساً أشنع أساليبه في الإرهاب والقتل والتدمير، وبالتالي فإن صمت السلطة وحلفاؤها حيال ما يجري من إرهاب ممنهج في الشمال السوري، يضعهم في إطار شركاء تركيا في سياساتها، بل وهم مستفيدون من حالة التوحش التركي لاعتبارات سياسية بحتة، ودون الاكتراث بحياة المدنيين السوريين في تلك المناطق.

من هنا فإنه يتوجب على السلطة الحاكمة في دمشق، أن تتخذ موقفاً واضحاً حيال الإرهاب التركي، وأن تقوم بمسؤولياتها الوطنية تُجاه السوريين، لا سيما أن مَن يتم استهدافهم هم مدنيون سوريون وليسوا فقط قوات سوريا الديمقراطية، كما أن تركيا قامت باستهداف عناصر تابعين للجيش السوري، الأمر الذي يُحتّم على السلطة اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية وحتى عسكرية، لإيقاف الإرهاب التركي وإيقاف نزيف دماء السوريين في مناطق الشمال السوري.

عمار المعتوق- دمشق

المشاركة