Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

في النزاعات والحروب، ثمّة مدنيون يدفعون أثمان باهظة، وتتقاذفهم أمواج الحسابات والمصالح السياسية الخاصة، ليصبحوا جراء ذلك استثماراً سياسياً يُوظف في إطار أي تفاوض مرحلي أو نهائي. في الحالة السورية بات المدنيون خارج أي حسابات، سواء في حالة النزوح الداخلي، أو على مستوى اللاجئين في دول الجوار السوري، لا سيما في تركيا ولبنان، فالأمر بات سيفاً ذو حدين، فالسوريون في الداخل يعانون جراء سياسات السلطة، ويُمنعون من العودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها، تحت ذرائع متعددة وحجج واهية، وفي الخارج فقد بات اللاجئون عنواناً سياسياً يتم توظيفهم في أي استحقاق من قِبل دول اللجوء، وبين هذا وذاك، ثمة قضية إنسانية غاية في التعقيد، وعلى الرغم من القوانين الأممية التي ترعى مصالح اللاجئين وتُوجب حمايتهم، إلا أن اللاجئ السوري لم تطاله أي قوانيين أممية ذات الصلة، إلا أن اللاجئ السوري بات بين نارين، نار العودة الى وطنه السوري والخوف من الملاحقات الأمنية بحقه، ونار دول اللجوء التي تتقاذفه تارة عند أي منعطف سياسي، وتارة أُخرى في حال عودة العلاقات إلى سابق عهدها مع السلطة.

بداية لابدّ من التنويه إلى أن أي تسوية أو حل سياسي يُنهي النزاعات بأشكالها كافة في سوريا، يجب أن تتضمن عودة آمنة وبيئة مناسبة للاجئين، لكن تعقيدات الملف السوري، تُشير إلى أن تحقيق أي حلّ مُستدام، يجب أن يتطلب تركيزاً فعلياً على التحديات المتعلقة بعودة اللاجئين في الخارج والنازحين في الداخل، بما في ذلك وضع ضمانات أمنية تحمي عودتهم، مع تأمين البيئة المناسبة اقتصادياً لعودتهم، وفي المقابل، فإن عدم معالجة تلك التحديات ضمن أي حلّ سياسي ومهما كان مضمونه وشكله، فإن ذلك قد يكون سبباً في تعذر عودة اللاجئين، وعدم حلّ قضيتهم بطرق مستدامة، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على عملية الحل السياسي في سوريا، والتبعات التي قد تطال دول الجوار السوري.

شاهد/ي: دوامة الحل السياسي في سوريا.. أي مستقبل ينتظره السوريون “الجزء الأول”

وضمن التوصيات الموجّهة إلى المجتمع الدولي، فإنه يجب الحرص على أن يشمل أي حل أو اتفاق سياسي توجهاً يتمحور حول اللاجئين، وعلى الأطراف المشاركة في أي تسوية سياسية في سوريا، مهما كان شكلها، التزام مقاربة شاملة إزاء اللاجئين تتطرق إلى التحديات الأمنية الرئيسة وتوفّر العدالة والخدمات، وفي غياب مثل هذه السياسة، ستكون العودة الطوعية عصيّة إن لم تكن مستحيلة، وفي جانب أخر، يجب منح اللاجئين حق اللجوء إلى العدالة كـ جزء من أي اتّفاق سياسي، بمعنى أنه ثمة حاجة ماسة إلى آليات العدالة الانتقالية لمعالجة التظلمات والشكاوى المحلية، بما في ذلك تلك الناجمة عن أعمال ارتُكبت في مرحلة النزاع مثل المجازر، والإخفاء القسري، وحصار المدن أو القرى، ونقل السكان بموجب صفقات سلام محلية.

ضمن ما سبق، وربطاً بالغموض السياسي الذي يؤطر الملف السوري، فإن ذلك مدعاةٌ للتركيز على عودة اللاجئين ضمن ظروف إنسانية وأمنية واقتصادية مناسبة، وعليه فإن هناك ضرورة لبلورة اتفاق يكون أساساً لأي حلّ سياسي في سوريا، فـ قضية اللاجئين والنازحين لا تُعد “تحصيل حاصل” لأي اتفاق سياسي يُنهي الأزمة السورية، بل يجب أن تكون تلك القضية، الركن الأساسي في أي اتفاق نهائي للملف السوري. ترجمة ذلك تقتضي الالتزام بمقاربة للتسوية السياسية في سوريا، تحتل فيها قضية اللاجئين منزلة الصدارة، حين ذاك ستتوفر الحماية الضرورية للاجئين في الخارج والنازحين في الداخل، بغض النظر عمن يتولى مقاليد الحُكم في سوريا.

اللاجئون في تركيا
حقيقة الأمر لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد اللاجئين السوريين في تركيا إلا تلك التي ينشرها الحكومة التركية، لكن هؤلاء اللاجئين لطالما كانوا تحت العين الأمنية والسياسية التركية، ولطالما تحول هؤلاء إلى معادلة استثمار من قبل النظام التركي، الذي أقحمهم في سياساته الداخلية وحتى الخارجية، وجعل منهم ورقة “إرهاب” تُشهر في وجه الغرب، فضلاً عن استثمارهم داخلياً لجهة الاستحقاق الرئاسي التركي مؤخراً. دليل ذلك، فقد احتل اللاجئون السوريون خلال الحملات الانتخابية الرئاسية، الصدارة في الخطاب السياسي التركي، كما أن بعض الأحزاب القومية واليمينية خصتهم بالمسؤولية عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة في البلاد، وضمن ذلك، فإن الرئيس التركي، وبعد فوزه في الانتخابات، بدأ حملة ممنهجة طالت اللاجئين، عبر اعتقالهم وترحيلهم قسراً إلى مناطق الشمال السوري.

وفي ظل سياسات أردوغان الأخيرة، فإن اللاجئين السوريين لم يعد يشعرون بالأمان في تركيا، لا سيما أن الخطاب العنصري الذي سبق العملية الانتخابية ضدهم هو جزء من خطاب الشارع التركي بحق اللاجئين، وفي ذات الإطار، وفي مقابلة مع قناة تركية، قال أردوغان “في المستقبل القريب سيتم التخطيط لخريطة طريق لعودة اللاجئين، وسيتم تحليل مدى سرعة ضمان عودتهم. إذ عاد 450 ألف لاجئ سوري إلى موطنهم، في مناطق الشمال حتى شهر نيسان/أبريل الماضي”. وتابع “لدينا خطة لإعادة مليون لاجئ آخرين إلى هناك”.

السلطات التركية أطلقت مؤخراً عملية لإعادة لاجئين سوريين إلى بلادهم في إطار ما سمّته “العودة الطوعية إلى المناطق الآمنة” في شمال سوريا. الأمر الذي اعتبرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” انتهاكاً للقانون الدولي، إذ أوردت في سلسلة تقارير لها حصول “ترحيل قسري” لمئات السوريين، ما يعني تهديداً مباشراً لحياة الكثير منهم مع عائلاتهم.

المنظمات غير الحكومية تُحذّر بانتظام من عملية إعادة اللاجئين القسرية أو الإجبارية إلى سوريا، وقد دعت منظمة العفو الدولية دول اللجوء إلى “وقف عمليات ترحيل اللاجئين غير القانونية خوفاً من تعرضهم للتعذيب والاضطهاد من قبل السلطة السورية عند عودتهم، بخاصة أن الشروط الضرورية للعودة الآمنة والسلمية لم تتوفر بعد.

القمة العربية التي عُقدت في جدة 19 و20 مايو / أيار الماضي، وجميع الاجتماعات الدولية والإقليمية المتعلقة بالأزمة السورية، تمسّكت ببند العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، كشرط أساسي يجب على السلطة السورية الإلتزام به، لكن موقف السلطة حيال ذلك بدا واضحاً برفضها التقيد بالتزامات عودة اللاجئين إلى ديارهم، وفقاً لما جاء على لسان وزير خارجية السلطة فيصل المقداد، على هامش الاجتماع التحضيري لقمة جدة، والذي عُقد على مستوى وزراء خارجية الدول العربية، حينها وقف المقداد متحدثاً عن شروط إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، فقال “نحن لم نقم بالاستجداء، ولن نقوم بذلك، ودخلنا في حرب ضد الإرهاب، ومن أراد المساعدة أهلاً وسهلاً”. وأضاف “نتطلع إلى أن يكون الدور العربي فاعلاً في مساعدة اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلدهم، ومما لا شك فيه أن عملية إعادة الإعمار ستسهّل عودة هؤلاء اللاجئين”، كما اشترط معاون وزير خارجية السلطة أيمن سوسان، على الدول العربية البدء في إعادة الإعمار، ورفع العقوبات المفروضة على السلطة، قبل اتخاذ أي خطوات في إطار عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد.

شاهد/ي: الإجرام التركي في شمال سوريا.. أهداف محدودة

ما سبق يؤكد زيف إدعاءات السلطة لجهة اهتمامها بعودة اللاجئين، وأن تلك العودة تُعرقلها السياسات الغربية تُجاه السلطة، وقد كان بيان قمة جدة أعلن صراحةً عن اتفاق وزراء خارجية الدول المشاركة على أن تبدأ السلطة وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الحاجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين، مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك شمولهم ضمن مراسيم العفو العام.

واقع الأمر يؤكد بأن مراسيم العفو التي أصدرتها السلطة، وما يُسمى نهج المصالحات، لم يكن إلا مسرحية هزلية بإخراج رديء، فـ بعد الإعلان عن تلك المراسيم والتسويات، برزت حالات عديدة تؤكد عودة اعتقال العديد من مناهضي السلطة سواء في الداخل رغم التسويات، أو اللاجئين العائدين من الخارج، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الضمانات الروسية المُقدمة كوسيط بين أطراف الصراع في سوريا، لم تقم بحماية مناهضي السلطة من الاعتقال رغم توقيعهم إجراءات التسويات.

ختاماً، بات واضحاً أن قضية اللاجئين أو النازحين السوريين، يجب أن تكون مؤطّرة ضمن أي حلّ سياسي يُنتج حلاً نهائياً للأزمة السورية، كما أن عودة اللاجئين يجب أن تتوافر فيها شروط بيان جنيف عام 2012، وكذلك ترسيخاً للقرار الأممي 2254، لكن حتى الآن لم يتم تحقيق أي من القرارَين السابقَين، وطالما أن القرارات ذات الصلة لم تتحقق، فإن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ستكون محفوفة بأخطار كثيرة، ما يعني أنه ثمة ضرورة للبدء الفعلي والحقيقي بتطبيق القرار 2254، بما يُمهّد لحلول سياسية مُستدامة، وبما يضمن عودة آمنة لملايين السوريين النازحين منهم في الداخل، كما في الخارج.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة