الاحتجاجات التي تشهدها السويداء مدينة وريفاً، لم تكن جديدة في سياقها العام ومضمونها الخاص، فقد شهدت محافظة السويداء وخلال سنوات الأزمة السورية، مظاهرات عديدة على خلفية تردي الواقع الأمني والخدمي في المحافظة، لكن ومع جملة القرارات الاقتصادية التي اتُّخذت مؤخراً من قبل السلطة، بات المشهد أكثر وضوحاً وأشمل في ما يتعلق بضرورة رحيل السلطة والعمل على تحقيق الحل السياسي، الذي بموجبه سيُعيد للسوريين حقوقهم ويتم بموجبه أيضاً تصحيح وتعديل واقع السوريين بمجمل عناوينه.
شهدت السويداء مظاهرات بسقف مطالب مرتفعة، لا سيما ضرورة رحيل السلطة ومحاسبة الفاسدين، واللافت أن مروحة المطالب التي رفعها أهالي السويداء في مظاهراتهم، تتسق جملة وتفصيلاً مع ما يريده السوريون، وما تم رفعه في بداية الاحتجاجات التي بدأت عام 2011، وهذا يشكل في بُعده السياسي توجهاً عاماً للسوريين، يعتمد على ضرورة تطبيق القرار 2254، وتعزيزه بضرورة توفير الدعم الدولي والإقليمي، بما يحقق مطالب السوريين ويُنهي أزماتهم.
شاهد/ي: الضربات التركية على سوريا عربدة محتل أم دعايات انتخابية
التحركات في السويداء لم يخفت بريقها ولم يبرد زخمها، ومن الملاحظ بشكل جليّ أن مظاهرات السويداء تحكمها محددات جعلت منها بارقة أمل في مشهد التأزم السوري، ومع حالة استمرارية التظاهرات ورفع سقف مطالبها، ثمة واقع جديد يعكسه خيبة أمل السوريين من سلطةٍ لم ولن تكترث بمعاناة الشعب السوري، بل تعمل فقط على تشديد سطوتها بما يخدم بقاءها، ولعل ما تعيشه السلطة من أوهام الانتصار عطفاً على ما سُمي الانفتاح العربي على السلطة، الأمر الذي تم استثماره عبر الاستخفاف بمطالب السوريين وتجاهل أزماتهم. كل ذلك كان رافعة لاستمرار التظاهرات واتساعها، جراء حالة اللا يقين تُجاه هذه السلطة وسياساتها.
وعلى الرغم من محاولة السلطة وأبواقها تشويه حراك السويداء، عبر سردية مارستها مُسبقاً حيال مناطق الشمال السوري والإدارة الذاتية. هي سردية سوّقتها السلطة عبر الحديث عن إقليم الجنوب كما إقليم الشمال، وذلك لزرع بذور الريبة والشّك لدى السوريين ومنعهم من مناصرة أهالي السويداء، في مشهد تكرر في مناطق الإدارة الذاتية، حين رُفعت شعارات الانتقال السياسي ودولة القانون والديمقراطية، وهي شعارات تُمثّل نقاط مشتركة بين جميع السوريين، وكلّ من يتبناها يكون جزء من الأجندة الوطنية وشريك في سوريا المستقبل، وهذا ما يُهدد السلطة التي تعمل على تكريس التغيير الديمغرافي وتدمير سوريا والاستحواذ على مقدّرات السوريين وتقاسمها مع شركائها.
الأمر الآخر والذي يُعد لافتاً في حِراك السويداء، أن هذا الحِراك لم تقتصر مضامينه على جُملة من المطالب فحسب، بل ثمة مطالب توازيها حلول يُرى من خلالها مساراً لتحقيق الاستقرار ومنع الفوضى التي تعمل السلطة على تكريسها جراء المماطلة بالحل السياسي، وواقع الحال يؤكد بأن ما يرفعه أهالي السويداء في مظاهراتهم لجهة تطبيق القرار 2254، وضرورة البدء بالحل السياسي وما يحمله من معانٍ سياسية واقتصادية ومجتمعية، يتسق بالعمق والمضمون مع ما يريده السوريين عموماً.
ضرورة التغيير السياسي وفق القرار 2254
ما سبق يؤكده الصحفي سلمان ( 53 عام)، حيث نوه إلى أن حراك السويداء كان منذ البداية واضحاً حيال مطالبه، وكما كل السوريين الذين يطالبون بالتغيير درءاً لمخاطر التقسيم والتدخلات الإقليمية والدولية، فإن جُملة المطالب انطلقت من واقع سياسي واقتصادي أرهق السوريين، حيث أن “صرخات أهالي السويداء نادت بالتغيير السياسي ورحيل السلطة، والأهم تم التركيز على رفض المساعي العربية والخليجية لتعويم السلطة، لانه باعتقادي أن السلطة ليست جزءًا من الحل، بل هي المشكلة الأساسية في كل ما يعانيه السوريين، وبالتالي يجب أن يكون الحل متماهياً مع القرار 2254، عبر إنشاء هيئة حكم انتقالي، وعدم اختزال مسار الحل باللجنة الدستورية”.
يُضيف الصحفي سلمان قائلاً، لا شكّ بأن “هناك معوقات للحل السياسي في سوريا، من ضمنها التدخلات الروسية والإيرانية والتركية، وهنا يجب أن ننوه بأن مظاهرات السويداء ركزت وتحديداً في جمعتها الاخيرة، على رفض الهيمنة الإيرانية على سوريا، والمطالبة بخروج القوات الأجنبية مع التعبير عن الرغبات بإعادة بناء دولة المواطنة، وتعزيز روح الوطنية والعدالة وحكم القانون، ورفض التقسيم والانفصال”.
ويختم سلمان قوله، إن ساحة الكرامة في مدينة السويداء، وكل ساحات قرى المحافظة، باتت تُشكّل ساحات ملتقى وطني، إذ تجتمع كل أطياف المجتمع في الساحات مطالبين بالتغيير وترسيخ مفاهيم العدالة والحرية والديمقراطية، ولا ننسى العنصر النسائي في هذا الحراك، فالسيدات السوريات يتصدرن الساحات جنباً إلى جنب مع الرجال، وهذه رسالة إلى كل السوريين وفي كل المحافظات أن النساء والرجال يحملون ذات الهموم الوطنية، متسلحين بسوريتهم وهويتهم الوطنية، ولا ننسى أيضاً كلمات الحق التي قالها الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، لجهة مطالب السوريين عموماً بالحرية والكرامة والعيش الكريم في دولة المواطنة، مع التأكيد على التغيير السياسي كاستحقاق وطني طال انتظاره بمرجعية القرار الاممي 2254.
حراك السويداء ذو بُعد سياسي
في ذات السياق، أكدت ناشطة سياسية مقيمة في دمشق ورفضت الكشف عن أسمها، أن حِراك السويداء جرى العبث بمضمونه والقول بأنها ثورة جياع، الأمر الذي دفع بالمحتجين في السويداء الى إيصال رسائلهم إلى عموم السوريين، لجهة أن حراكهم لم يكن حراك جياع، بل هو حراك يحمل مضامين سياسية عميقة، والنقطة الأبرز التي تم التركيز عليها في سياق الحراك، كانت تحددها معادلة وطنية شاملة، أن علاقة أهالي السويداء مع باقي المكونات السورية الكردية والعربية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في سبيل تحقيق أهداف مشتركة وتحقيق التغيير السياسي المطلوب، والذي يضمن حقوق جميع المكونات السورية.
وتضيف، صحيح أنني مقيمة في دمشق تبعاً لظروف عملي، لكنني على تواصل دائم مع أهالي السويداء، ولمستُ إصراراً على استمرار الاحتجاجات حتى تحقيق مطالب السوريين، وأقول للذين يتّهمون أهالي السويداء برغباتهم في الانفصال عن سوريا، أن هذا الادعاء نفاه كل أهالي السويداء حتى مشايخ الطائفة أكدت في كل بياناتها أن الحِراك في السويداء سلميّ ولن يكون مدخلاً لأي قوة إقليمية أو دولية لاستثماره، فنحن واضحون ومطالبنا واضحة في تحقيق الانتقال السياسي ووضع حدٍ لأزمات السوريين، ولن تهدأ التظاهرات حتى تحقيق مطالب السوريين.
ساحات السويداء ساحاتٌ للنضال
وفي تصريح مقتضب يؤكد قصي عربي من أهالي السويداء ومقيم خارج سوريا، أن الساحات تحولت إلى ساحات نضال شعبي، والمسألة لا تقتصر على تحقيق المطالب الاقتصادية والمعيشية، بل الأمر أعمق من ذلك، وهو ضرورة التحول إلى نظام ديمقراطي تعددي، وتغير سلطة الاستبداد، حسب توصيفه.
ويتابع، “من خلال إقامتي خارج سوريا، لمست تعاطفاً من قبل الجميع مع احتجاجات الأهالي في السويداء، والغالبية تعتقد أن استمرار السلطة السياسية الحالية هو رافع للمزيد من التدخلات الخارجية، وهنا علينا أن نكون حذرين، فالسلطة تحاول بشتى الطرق تأخير الحل السياسي مدعوماً من قبل حلفائها، ولا نستبعد أن تقوم السلطة باتباع سياسة الترهيب عن فسح المجال أمام قوى التطرف من جديد، ليتصدروا المشهد السوري، الأمر الذي يعتقد بموجبه السلطة أن هذا الأمر سيقدم له الشرعية، لا سيما أن هذه السلطة تحاول أسر جميع السوريين واستنزاف خبراتهم وبيعهم المزيد من الأوهام، وبيع ما بقي من وطنهم، دون الاستجابة لأي مبادرة سياسية”.
شاهد/ي: سوريون يطالبون بالتدخل الفوري لوقف التصعيد التركي على شمال وشرق سوريا
ويختم قصي، “حراك السويداء بما له وبما عليه هو تجسيد لآمال السوريين، وعلى السلطة أن تعي جيداً أن سياساتها تجاهنا كسوريين يجب أن تنتهي، ولابد من الوصول إلى حل سياسي يكون نواة لـ سوريا جديدة توقف معاناة السوريين”.
السوريين جميعاً ومعهم أبناء السويداء يؤكدون أن التغيير السياسي والسلمي بات أمراً ضرورياً ومُلحاً، ولا مجال إطلاقاً لأي تأخير، إلا أن السلطة الحاكمة في دمشق تعمل على تعطيل التغيير السياسي الذي يجب أن يبدأ وفق القرار 2254، والأهم أن استمرار هذه السلطة وفق السياسات الحالية، سيُعقد المشهد السوري أكثر وأكثر، وباستمرار هذه السلطة ثمة نتائج كارثية ستطال كل السوريين، لا سيما أن مستويات الفقر تجاوزت 97% من عموم السوريين، وباتت سوريا دولةً غير آمنة، وخرجت من كل مستويات التصنيف في التعليم والصحة والحياة.
ورغم المصاعب وحالة اللا استقرار التي يعاني منها السوريون، إلا أن أهالي السويداء مستمرون في احتجاجاتهم السلمية والتأكيد على ضرورة استحقاق التغيير والانتقال السياسي، وشأنهم شأن كل السوريين يطالبون بالحرية والديمقراطية والعدالة، كما مطالبتهم بالسلام والاستقرار لكل دول الجوار السوري التي تأثرت جراء استمرار السلطة بسياساتها.
عمر الصحناوي-السويداء