أكثر من 90 موقعاً و122 ضربة نفّذتها دولة الاحتلال التركي داخل الأراضي السورية منذ يوم الجمعة، الثاني عشر من كانون الثاني /يناير العام الحالي، ضمن حملة جديدة من جرائم الحرب على مناطق شمال وشرق سوريا بذريعة محاربة الإرهاب وتأمين الحدود.
طالت القذائف والقصف الحربي بآلة الحرب التركية بالمجمل المنشأت الخدمية والبُنى التحتية ومراكز حيوية وأملاك عامة لأبناء الشعب السوري ضمن سياسة ممنهجة تمارسها الإدارة التركية حيث لم يسجّل مقتل أي عسكري من القوات العسكرية باستثناء مقتل 3 عناصر من القوات الحكومية وإصابة عدد من المدنيين حسب ما أورده البيانات الرسمية.
شاهد/ي: سوريون يطالبون بالتدخل الفوري لوقف التصعيد التركي على شمال وشرق سوريا
تأتي هذه الحملة كموجة ثالثة خلال الأشهر الثلاث الماضية وسط صمتٍ عربيٍ ودولي مما ينذر بكوارث إنسانية خطيرة تتجاوز قطاعي الطاقة والكهرباء والماء وخروج أهم منشآتها عن الخدمة معرّضةً آلاف الأُسر للعيش بلا ماء وكهرباء في نحو 2232 بلدة وقرية ومدينة على امتداد الشريط الحدودي.
المشكلة الأساسية
يعيش ضمن هذه البقعة الجغرافية أكثر من 5 ملايين سوري بين أصليين ومهجّرين من مناطق سورية أخرى منهم كثيرون هجروا جراء العمليات العسكرية التركية السابقة واحتلال عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض (كري سبي ).
ومع امتلاك تركيا إرثاً تاريخياً في العداء لشعوب المنطقة الأصليين واعتبارها من الدول المنتهكة للقانون الدولي والإنساني يوضح الدكتور محمود الفاروق، مدير مركز ألماسة للدراسات والأبحاث في دير الزور” انتهاك المواثيق والشرائع الدولية من تركيا حصل بسبب التجاذبات بين القوى العالمية كروسيا والصين من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى” فهم يخطبون ودّها.
ويضيف الباحث:” هذا الوضع جعل الشعوب في المنطقة هم الضحايا أمام الصمت الدولي بغير سبب أو وجه حق “، لذا ندّد الدكتور بهذا الانتهاك الصارخ باسم مركز ألماسة للدراسات والمساس بالأهالي وتدمير البُنى التحتية التي تخدمهم.
كما طالب الدكتور الفاروق المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان بتقديم دعوى في المحاكم الدولية لمحاسبة المجرمين بحق الشعب السوري على غرار ما فعلت دولة جنوب إفريقيا للدفاع عن الفلسطينيين في غزة.
مآرب تركيا
أمام الصراعات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط في غزة والبحر الأحمر وإيران والعراق وسوريا الحاصلة في هذه البلدان قد تشهد المنطقة تحولاً جديداً وتحالفاتٍ قد تبرز أقطاباً جديدة فتستغل تركيا الانشغال العالمي والأحلاف الجديدة كي تحقق مآربها.
يتحدث المحامي إبراهيم الماشي من مدينة منبج عن غاية أنقرة الحقيقية:” تقويض الأمن والاستقرار في سوريا التي تعاني من أزمة داخلية منذ سنوات” وبالتالي ” ضرب مشروع الإدارة الذاتية والقضاء على البُنى التحتية وتحقيق مكاسب سياسية ودولية”.
وناشد الماشي مجلس الأمن والمجتمع الدولي للتحرك العاجل والعمل بجهود دبلوماسية تنتج السلم ” للشعب السوري المكلوم المحتاج إلى حلٍّ سياسي” ومن جانب آخر أكد على إعادة النظر في العلاقات الدولية والتحالفات للحدّ من التصعيد وتحقيق التوازن في المنطقة.
يربط بعض المحللين العمل التخريبي التركي بمستوى النجاح والإنجاز في المنطقة، حيث صادق المجلس العام في الإدارة الذاتية على بنود العقد الاجتماعي بعد عامين من العمل الدؤوب على الميثاق الأساسي للإدارة الذاتية وذلك منتصف كانون الأول نهاية عام 2023.
وباقتراب نهاية العام نفسه عقد مجلس سوريا الديمقراطية مؤتمره الرابع الداعي لتوحيد السوريين والذي تضمن في أجنداته وثيقة سياسية وخارطة طريق لحل الأزمة السورية وشهد حضوراً وانضماماتٍ مثيرة وتصدير نموذجٍ ديمقراطيٍ تمثّل بانتخاب رئاسته الجديدة مع الدعوة لتشكيل مجلسه العام وانعقاد آمال السوريين به أي “مسد”.
كل ذلك أثار حفيظة دولة الاحتلال التركي وجعل مجلس حربها يجتمع يوم الجمعة في الثاني عشر من كانون الثاني العام الحالي لاستكمال خطتها الممنهجة بمراحلها المتعددة لشن الغارات وإفراغ المنطقة وممارسة التغيير الديمغرافي فيها، مما يصفه كثيرون بـ “العربدة التركية”.
دعاية انتخابية
تزامناً مع جولة الانتخابات المحلية القادمة في تركيا وإعلان أحزابٍ معارضةٍ الدخول ضمنها، وكمحاولةٍ لتصدير الأزمات الداخلية إلى دول الجوار جاءت الضربات التركية على السوريين الآمنين وذلك باعترافٍ صريح لأحد أكبر المنظرين السياسيين الأتراك خلال لقاءٍ تلفزيونيٍ معه.
ولكن الأستاذ عبد الرحمن العيسى من اتحاد مثقفي الطبقة كان له رأيٌ ثانٍ إذ أشار أن الهدف منها:” أولاً تهجير السكان عبر ترهيبهم وإفقارهم وثانياً ضرب موارد الاقتصاد لتقديم الخدمات الأساسية بغية إثارة النقمة وتأليب السكان ضد نموذج الإدارة الذاتية على اعتباره أملاً لخلاص السوريين”.
وتابع العيسى أن “استهداف مناطق شمال وشرق سوريا عبر الغارات الجوية الذي طال المرافق الخدمية للسكان إنما هو نتيجة فشل حصول المحتل التركي على ضوءٍ أخضرٍ للتوغل البري” منوّهاً أنه ” الأشرس من نوعه ويرقى لمستوى جرائم حرب”.
شاهد/ي: تركيا تستهدف مشروع الإدارة الذاتية
هذا وصرّحت الإدارة الذاتية، يوم الأربعاء، عن تركز هذه الاستهدافات على قطاعات الطاقة والنفط والغاز والمياه والصحة والزراعة والمطاحن ونقاط تفتيش للأمن الداخلي ومنازل المدنيين ومنشأتهم، وذلك لضرب أمن واستقرار المنطقة ومشروعها الديمقراطي واستكمال لسياسة الحصار وقطع المياه وضرب وتدمير سبل الحياة.
فيما حذر مكتب شؤون العدل والإصلاح في إقليم شمال وشرق سوريا من مغبّة التصعيد العسكري الأخير ووصول المقذوفات الصاروخية إلى سجن الصناعة في الحسكة المحتوي سجناء تنظيم “داعش” وما يمكن أن يحدثه من نتائج ارتدادية سلبية على جهود مكافحة الإرهاب.
ومما يجدر ذكره أن السوريين لم يجدوا وسيلة سوى التنديد ومطالبة المجتمع الدولي القيام بدورٍ أكبر لردع العدوان التركي ومناشدة السلطة في دمشق اتخاذ موقفٍ واضحٍ مع امتناع الأخيرة تناول الانتهاك التركي على الأراضي السورية عبر وسائل إعلامها إلا مؤخراً فلم يبقى أمام السوريين إلا التكاتف والتعاضد لصد هذه الحملة الشرسة ومواصلة السعي الحثيث بخطوات البناء رغم الدمار والخراب.
محمد الدبوس-الرقة