Contact Information

مكتب الإعلام : sdcpress@m-syria-d.com 00963937460001 مكتب العلاقات العامة: info-relations@m-syria-d.com

00963937460001

عند الحديث عن الواقع السوري وتحليل عناوينه، والمسارات التي يمكن البناءُ عليها للوصول إلى حلٍّ سياسي، يبدو واضحاً أن كلَّ المسارات السياسية المؤطّرة للملف السوري، هي مساراتٌ هشّة لا تحميها أرضية صلبة لا تحتمل كلّ التصدعات في المواقف والرؤى، التي تزيد الملف السوري تعقيداً وتشابكاً، لا سيما أن السلطة باتت خارج أيّ حسابات سيادية وسياسية، وحلفاء الأخيرة يحاولون مدّها بأسباب الحياة لا لشيء يمسّ السوريين ومصالحهم بل وفق مصالحهم ومنظورهم الاستراتيجي البحت، فـ روسيا التي استقطبت شخصياتٍ عسكرية وسياسية سورية لتعمل لصالحها، وإيران تحاول إطالة أمد الأزمة تماهياً مع مصالحها الإقليمية والدولية وانطلاقا من حالة اللا استقرار التي تعيشها سوريا، وتركيا التي عبثت ولا تزال بأسس الحلول، عبر سلسلة من السياسات التي تنتهجها من خلال التغيير الديموغرافي في مناطق الشمال السوري، وعبر دعم الإرهاب متعدد الأوجه، ولا تنتهِ تلك السياسات بمحاولات اقتطاع أجزاءٍ من الجغرافية السورية تحت عناوين واهية، يُضاف إلى ذلك حالة التشظي التي تعيشها المعارضة وتحديداً تلك التي انضوت تحت العباءة التركية.

بين هذا وذاك يبدو واضحاً أن لا حدود سياسية للملف السوري تُجيز له تحديد الهوامش وما ينتج عنها سياسياً، بل ثمّة واقع مأزوم تعيشه كل الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتحديداً موسكو وطهران وأنقرة، الذين يحاولون هندسة الحلول وفق مصالحهم وقراءاتهم للتطورات الإقليمية والدولية، واستثمارها من الجغرافية السورية.

شاهد/ي: المشهد السياسي في سوريا عام 2024.. أدوارٌ متداخلة ومسارٌ بلا وجهة

في الآونة الأخيرة شهِد الملف السوري تطورات عديدة قُبيل انعقاد مؤتمر “أستانا” الـ 21. هي تطورات أُريد لها فكّ عزلة السلطة ومحاولة تعويمها، مع إمكانية دعمها اقتصادياً، وفي جانب آخر، تمّ الاتفاق عربياً وخليجياً على مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، بُغية التوصل إلى حلٍّ سياسي في سوريا، وبما يُجنب السوريين المزيد من الأزمات، وضمن ذلك كان هناك هدفٌ أبعد يتعلق بمحاولة فكّ الارتباط بين السلطة الحاكمة في دمشق وحليفتها إيران، إلا أن اللاءات الإيرانية وضمناً الروسية، أطلقت رصاصة الموت على المبادرة العربية الخليجية، وهذا يبدو واضحاً من خلال رفض السلطة لـ مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، وهذا أيضاً ما يؤكد بأن السلطة مسلوبة الإرادة والسيادة، ولا تملك من أمرها شيء.

مسار “أستانا” من جديد ولكن؟

ضمن ما سبق برز تطوّرٌ إقليمي لا مجال للغوص في تفاصيله هنا. هو تطوّرٌ فرضته الأحداث في فلسطين، والتي سيكون لها منعكسات مباشرة على الملف السوري، لجهة التحديات الإقليمية وما يمكن أن ينتج من تسويات جرّاء الحرب في فلسطين، وربطاً بذلك، ورغم التأكيدات التي جاءت في سياق انتهاء مسار “أستانا”، إلا أن الواقع الإقليمي وربطه بالملف السوري، فرض إعادة إحياء المسار، لإعادة التأكيد على مصالح الضامنينَ؛ روسيا وتركيا وايران، والواقع يؤكد بأن مسار “أستانا” بمجمل نُسخه لا يعدو عن كونه فلكلوراً سياسياً غير قادر على إنتاج الحلول، لا سيما أن السوريينَ غائبينَ جوهراً ومضموناً عن فعاليات المؤتمر، والحديث عن تمثيل السلطة في المؤتمر وكذلك تمثيل المعارضة بفرعها التركي، هو في الأساس جائزة ترضية لا تُغني ولا تُسمن ويُقدمها الثلاثي الضامن كجائزة ترضية فقط، والأهم غياب شرائح واسعة من التيارات السورية الفاعلة والمؤثرة على الأرض، ما يعني أن هذا المسار هو “بَروظة سياسية”، ومساحة لإعادة تقاسم الجغرافية السورية بما يضمن نطاق المصالح الروسية والإيرانية والتركية.

عادوا من جولتهم كما عادوا سابقاً

في الواقع الذي يفرضه الافتقار الإقليمي والدولي حيال التوصّل إلى حلّ الأزمة السورية، يبدو أن الضامن الثلاثي لديه رؤى خاصة وربما أهداف جديدة في الجغرافية السورية، وهذا ما يؤكد بما لا يدعو مجالاً للشّك، بأن روسيا وايران وتركيا لا يبحثون عن حلّ سياسي بقدر بحثهم عن تعزيز أقدامهم في الجغرافية السورية، أما السلطة ذات المراهنات السياسية الكارثية، وما بذلته تُجاه السوريينَ من انكارٍ وتخوينٍ وإقصاء وتسلّط، فإن ذهابها إلى “أستانا” لم يكن إلا لذر الرماد في العيون، إلا أن روسيا وإيران وتركيا ومعهم السلطة عادوا فارغي الوفاض كما في جولات “أستانا” ونسخها المتكررة.

“أستانا” ليست الحل

العوامل التي تقيّد الملف السوري تجعل من “أستانا” مساراً غير صالح للحل، لا سيما أن العوامل الاقليمية والدولية تفرض إيقاعاً بنغمات سياسية لا تتناسب وتطلعات السوريينَ، وما يجعل “أستانا” وغيره من المسارات غير صالحة للحل، أن السلطة ومعارضيها “الأتراك” لم يقدموا للسوريين وصفة الحل المستقبلية والتي ترضي الجميع، ولم تقدم السلطة سلوكيات سياسية ناجعة، كما أن ممارساتها الاقتصادية لم ترقى الى مستوى تضحيات السوريين. فـ السوريين اليوم أحوج ما يكونوا إلى قادة سياسيين قادرين على تأسيس مستقبل سوريا، والعمل في إطار مؤسساتي ينظر الى السوريين جميعاً بلا اقصاء أو تمييز، لكن الواقع السوري اليوم هو مغايراً في العمق والمضمون لتطلعات السوريين، لا سيما استئثار السلطة بخيوط الحل المحكومة بمصالح روسيا وايران وتركيا.

شاهد/ي: تركيا والعبث بـ جغرافية الشمال السوري.. إرهاب بأوجه متعددة

وكالعادة فإن مخرجات الجولة الـ21 من مسار “أستانا” لم تأتِ بجديد على أي صعيد، وهنا لابد من القول بأن أي خارطة طريق سياسية لابدّ أن تكون سورية خالصة، والمحاولات الروسية الإيرانية لإعادة العلاقات السورية التركية عبر “أستانا”، لا تشرعن بقاء السلطة بواقعها الحالي، وما يجب أن يتم هو مرحلة سياسية جديدة مليئة بالتحولات السياسية على صعيد اللجنة الدستورية وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار وإطلاق سراح المعتقلينَ السياسيينَ والانتقال السياسي ومغادرة كافة القوات الأجنبية من سوريا، ورغم أن العناوين السابقة أكّد عليها بيان “أستانا”، لكن السلطة تتهرب من كلّ ما سبق مدعومة من روسيا وإيران، والواضح أن هذه السلطة لا تريد عودة اللاجئين لانها تعتبرهم تهديداً لها، لا سيما أن عودتهم ستكون بضمانة دولية، وهذا ما يُفسّر عدم رغبة السلطة في ذلك رغم تصريحاتها التي لا تعدو عن كونها مادة للاستهلاك الإعلامي، كما أن السلطة تسعى للحصول على الأموال تحت مُسمى إعادة الإعمار، الأمر الذي لن يُحققه مسار “أستانا”، فالواقع الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه السوريون، لن يتحسّن مادامت هناك قوانين أمريكية وغربية تفرض عقوبات شديدة على مَن يتعامل مع السلطة، سواء أكان التعامل من قِبل دولٍ أو شركات أو حتى أفراد.

روسيا وإيران وتركيا ومسارهم الأستاني الواهي

ضمن هذه الرؤية، يمكننا القول إن مسار “أستانا” ما هو إلا مسارٌ مؤقت، يحاول من خلاله الضامنون تثبيت مصالح، فـ إيران تعمل على تثبيت مصالحها في سوريا نتيجة استثمارها الكبير مالياً واقتصادياً وإيديولوجياً فيه، و هم أي الإيرانيون خائفون أن يتبخر عائد هذا الاستثمار، وروسيا التي ترى في بقاء هذه السلطة ضرورة لبقاء نفوذها في سوريا، وإمكانية استثماره ومقايضته في ملفات دولية، أما تركيا فحدّث لا وحرج من سياسات داعمة للإرهاب والتقسيم والتغيير الديمغرافي، وضمن نقطة التقاء المصالح الروسية والإيرانية مع تركيا، فإن مسار “أستانا” قد يجلب المزيد من المآسي للسوريين وجغرافيتهم، عبر إقناع تركيا بإعادة العلاقات مع السلطة، شريطة إطلاق يد الإرهاب التركي في شمال وشرق سوريا، لتوسيع مروحة العمق الجغرافي في الجغرافية السورية أكبر مما ورد في اتفاقية أضنة التي تم التوقيع عليها عام 1998.

دول “أستانا” الضامنة تعي تماماً أنها لا تستطيع أن تفرض معادلة الحل السياسي في سوريا بما يناسب مصالحهم، وتلك الدول تدرك أيضاً أن صيغة سياسية توافقية لن تمرّ دون موافقة الولايات المتحدة والغرب، وعليه فإن مسار “أستانا” لن يستطيع تمرير أي حلّ سياسي بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة، ودون محددات القرار الأممي 2254.

عمار المعتوق-دمشق

المشاركة