مع مرور ستّ سنوات على احتلال عفرين، وبالتزامن مع زيادة معاناة السوريين، ووسط غياب إجماع على حلّ الأزمة السورية، لا تزال تركيا والمجموعات المدعومة من قبلها مستمرة في سياسة الإبادة ضد عفرين وشعبها، من خطفٍ وقتلٍ ممنهج وإبادة للطبيعة والمعالم التاريخية والثقافة الأصلية.
منذ بدأ الهجوم التركي على مدينة عفرين شمالي البلاد، والجرائم التي ترتكب بحق السكان الأصليين تكاد لا تتوقف، جريمةٌ أخرى تضاف إلى سجل الجرائم والانتهاكات بحق السكان الكُرد الأصليين في مدينة عفرين.
مقتل الطفل أحمد، جريمة جديدة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة ضمن سلسلة الجرائم التي تُرتكب بحقّ السكان في المناطق التي تحتلها تركيا، وذلك في وقت باتت تتعالى الأصوات والمطالبة بإنزال أقصى العقوبات بحقّ مرتكبيها دون تهاون أو تسويف لمثل هكذا قضايا.
جريمة اهتزت لها كل أركان الانسانية، أفجعت عائلة ومنطقة بأكملها، ضحيتها القاصر أحمد خالد معمو، صاحب 16 عاماً، حيث أقدم المدعو يامن أحمد الإبراهيم، المنحدر من ريف إدلب على قتله بطريقة وحشية من خلال نحره بالسكين ورمي جثته في بئر ماء على طريق تل سلور.
شاهد/ي: سكان حلب بين صعوبة تأمين العمل والوضع المعيشي المتردي
وعقب الجريمة التي أثارت غضباً شعبياً واسعاً وحالة احتقان، خرج أبناء المنطقة بمظاهرة شعبية، حيث أحتج الأهالي على مقتله وطالبوا بوقف الإجرام بحق الكُرد ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم قصاصاً عادلاً.
وفي محاولة من قبل دولة الاحتلال التركي لقمع التظاهرة أُطلق النار من قِبل مرتزقة الاحتلال ضد اهالي جنديريس الذين خرجوا في التظاهرة، مما خلق جوّاً من الفزع والرعب والسخط لدى المتظاهرين.
مقتل الطفل أحمد كانت الفاجعة المؤلمة لأهله وأقربائه الذين لم يجدوا من أبنهم أكثر من جثة هامدة أزهقت كل معايير الانسانية تاركاً خلفه صرخات الألم والونيين لذويه اللذين طالبوا بمحاسبة المجرم.
وفي هذا السياق طالبت (ش.م) من عائلة الطفل أحمد في عفرين بمحاسبة مرتكب هذه الجريمة، وخاصة دولة الاحتلال التركي التي ارتكبت عشرات الجرائم بحق أهالي المدينة منذ احتلالها.
وأكدت السيدة الأربعينية للمكتب الاعلامي في مجلس سوريا الديمقراطية، أن الكُرد في عفرين يعيشون في ظلم كبير حيث قالت “حياتنا كمدنيين كُرد بخطر كبير في ظل المجموعات المسلحة التابعة لتركيا التي تحكم المنطقة”.
ومن جانبه أدان واستنكر رئيس شبكة حقوق الانسان أحمد خازم، هذه الجريمة، ونوّه إلى ضرورة الالتزام باتفاقية حقوق الطفل لعام 1990 والتي تشمل حقّ البقاء والنمو والتنشئة والحماية والرعاية ومنع التعذيب وجميع الحقوق المدنية الأساسية.
وأشار إلى البرتوكول الاختياري الملحق التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لحماية الأطفال من النزاعات المسلحة، ومن آثارها المباشرة وغير المباشرة وعلى منع تعريض الاطفال إلى أي شكل من اشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو مختلف صنوف التعذيب.
وطالب رئيس الشبكة السورية لحقوق الانسان بضرورة تقديم مرتكبي هذه الجرائم النكراء في عفرين والشمال السوري المحتل إلى محكمة الجنايات الدولية، والذي يثبت التورط التركي بها وفق المواد 5\7 من نظام روما الأساسي باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وجريمة قتل عمد ارتُكبت في سياق القضاء على جماعة محددة.
وفي إطار تداعيات جريمة مقتل الشاب القاصر أحمد معمو، على يد أحد المستوطنين في عفرين المحتلة، أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية والمدنية بياناً مشتركاً وهم كلٌّ من (منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف – منظمة الجيوستراتيجي للمجتمع المدني الكردي – منظمة حقوق الإنسان – عفرين – منظمة المجتمع المدني الكردي في أوروبا – المركزي الثقافي الكردي/ السويد).
طالبت فيها “كافة المنظمات الحقوقية الأممية والمجتمع الدولي ولجنة التحقيق المستقلة والخاصة بسوريا إلى الوقوف بشكل جَدّي والقيام بواجباتها في حماية المدنيين الكُرد في عفرين، والذين لن تنتهي معاناتهم إلا بإزالة المسببات الرئيسية ألا وهو إخراج الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة السورية”.
هذه الجريمة ليست الأولى بحسب أهالي المنطقة، مؤكدين وقوع جرائم مشابهة لتلك التي ارتُكبت أو قريبة منها في الشمال السوري، ولكن في كل مرة تنتهي الجرائم بدون محاسبة الجناة، فمازالت جريمة نوروز التي راح ضحيتها أربعة شبان ماثلة دون أن تتحقق العدالة.
شاهد/ي: هجرة شباب الساحل استنزافٌ دائم وأفقٌ مغلق
وبالتزامن مع مرور ستة أعوام على احتلال مدينة عفرين وثّق المرصد السوري لحقوق الانسان استشهاد 668 مواطن كردي في عفرين، بينهم 97 طفل و88 مواطنة في انفجار عبوات وسيارات مفخخة وتحت التعذيب على يد فصائل عملية “غصن الزيتون”، وفي القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التركي، وفي إعدامات طالت عددٍ من مواطني منطقة عفرين، وذلك على مدار 6 سنوات.
كما وثّق المرصد اختطاف واعتقال أكثر من 8729 مواطن، من بينهم 1123 لا يزالون قيد الاعتقال، فيما أُفرج عن البقية بعد دفع معظمهم فدية مالية باهظة، تفرضها الفصائل التابعة لأنقرة.
في حين أشارت إحصائيات المرصد إلى توطين أكثر من 4476 عائلة من محافظات سورية أخرى في عفرين، بعد أن هُجروا أيضاً من مختلف المحافظات وأُجبروا على النزوح، وذلك في إطار التغيير الديمغرافي من قِبل الحكومة التركية.
وفي السياق ذاته استنكر الناشط الحقوقي عصمت سعيد، جريمة الطفل السوري، واعتبر بقاء احتلال تركيا للمناطق السورية، استمراراً لدوامة العنف والإرهاب وتحويل المنطقة إلى حاضنة للجماعات التكفيرية والمتشددة ك “داعش”.
ودعا المنظمات والهيئات الدولية والحقوقية إلى القيام بواجباتها الإنسانية والأخلاقية حيال الانتهاكات اليومية في تلك المناطق.
وشدّد على ضرورة أنْ يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال التركي في عفرين وباقي المناطق السورية وتأمين العودة الآمنة لكل السكان إلى مناطقهم وتعويض المتضررين.